أنطاكيا – دمشق – «القدس العربي»: لم تفلح بعد مساعي “التحالف الدولي” بقيادة واشنطن لاحتواء التوتر بين قوات سوريا الديمقراطية “قسد” وأبناء العشائر في ريف دير الزور الشرقي، وذلك بسبب ما يبدو “انحيازاً” من التحالف إلى جانب “قسد”. وفي آخر التطورات، أعلن شيخ قبيلة العقيدات إبراهيم الهفل، عن إطلاق عملية عسكرية جديدة ضد “قسد” في بلدة ذيبان، الاثنين، قائلاً في تسجيل صوتي متداول إن “جيش العشائر بدأ هجوماً ضد “قسد” وكوادر “قنديل” في مدينة ذيبان”.
وسيطر مقاتلو العشائر العربية، حسب وكالة الأناضول أمس الاثنين، على 3 قرى وعدد من النقاط العسكرية التابعة لـ”قسد” في بلدة ذيبان في ريف دير الزور الشرقي، في هجوم واسع ضد “قسد” التي أعلنت عن حظر تجول في المنطقة. ودعا الهفل إلى النفير العام ومساندة قوات العشائر “لاسترجاع أرضنا وكرامتنا”، والإصرار على موقف العشائر في منح إدارة مناطق دير الزور إلى العرب.
ووفق مصادر ميدانية شن عناصر يتبعون لقوات العشائر العربية هجوماً على نقاط “قسد” في مدينة ذيبان، تزامناً مع استقدام “قسد” تعزيزات عسكرية إلى المنطقة. وفي مطلع أيلول/سبتمبر الجاري سيطرت “قسد” على مدينة ذيبان بعد اشتباكات مع مقاتلي العشائر في المدينة، وكانت هذه الاشتباكات بدأت بعد اعتقال “قسد” لقادة مجلسها في دير الزور، وتوسعت لتشارك فيها العشائر. وقبل أن تستعيد “قسد” السيطرة نجحت العشائر حينها في طردها من غالبية مناطق الريف الشرقي لدير الزور، ليتدخل “التحالف الدولي” بهدف احتواء الاشتباكات، وفرض الهدوء مجدداً.
إعلان الشيخ الهفل
وسام محمد وهو إعلامي وناشط ميداني في دير الزور قال في اتصال مع “القدس العربي” إن شيخ قبيلة العقيدات إبراهيم الهفل أصدر ليلة الاثنين بياناً أعلن فيه الهجوم على قوات قسد، ومتابعة القتال ضدها، وبالفعل اندلعت فجر أمس اشتباكات في ذيبان تحديداً في محطة العمر. واستمرت الاشتباكات حتى الواحدة ظهراً، وسيطر خلالها المقاتلون على أجزاء واسعة من ذيبان في هجوم مباغت.
و”استهدفت (قسد) المنطقة بقذائف الهاون ما أدى إلى مقتل سيدة ووقوع إصابات بين المدنيين” وفق المصدر. الناشط الميداني صهيب اليعربي من دير الزور قال في اتصال مع “القدس العربي” إن مسلحي العشائر انتزعوا السيطرة على نقاط في منطقة اللطوة ومفرق الحمادي على أطراف بلدة ذيبان. وقال: “صباح اليوم (أمس) شنت العشائر العربية هجوما واسعاً استهدف حواجز ميليشيا PKK/PYD في بلدتي الطيانة وذيبان شرق دير الزور، وسيطر أبناء العشائر على حي اللطوة في حي ذيبان، كما تمكنوا من طرد حاجز السرب التابع لميليشيا PKK/PYD واغتنام أسلحة وسيارة نوع بيك اب. وأسفر الهجوم عن هروب “عدد من ميلـيشيا PKK/PYD من بلدة ذيبان، بينما استقدمت قسد تعزيزات عسكرية تزامنًا مع تحليق مكثف لطيران التحالف الدولـي”.
وشنت “قسد” حملة مداهمات في بلدة أبو النيتل شمال دير الزور بعد هجوم أبناء العشائر على عربة عسكرية.
شبكة “الفرات بوست” الإخبارية المحلية، قالت إن مقاتلي العشائر استولوا على نقاط عسكرية تابعة لـ”قسد” في حي اللطوة ومنطقة الزرنة ومحيط جسر الميادين داخل البلدة، وأوضح المصدر أن قسد “سحبت غالبية نقاطها العسكرية في بلدة ذيبان إلى نقطتي البريد ومدرسة الثانوية بعد الهجوم”. وفي قرية حوايج ذيبان سحبت قوات “قسد” أيضا جميع نقاطها العسكرية إلى مدرسة القرية بعد هجوم مماثل لمقاتلي العشائر، فيما قتلت سيدة بطلق ناري طائش خلال الاشتباكات.
وأكدت الشبكة أن “مقاتلي العشائر شنوا هجوماً آخر على نقاط قسد المتمركزة بالقرب من مدرسة الحمد العلي في بلدة الطيانة، في حين فرضت قوات سوريا الديموقراطية، حظر التجوال في مناطق سيطرتها بريف دير الزور حتى إشعار آخر على خلفية الهجوم الذي شنه مقاتلو العشائر على نقاطها العسكرية في المنطقة”.
وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان، بأن مسلحين من أهالي المنطقة هاجموا مقراً لـ”قسد” في بلدة الطيانة بريف دير الزور الشرقي، وسط معلومات عن سقوط قتلى وجرحى في صفوف قوات سوريا الديمقراطية، حيث جرى نقل المصابين إلى المستشفى لتلقي العلاج. كما قتلت سيدة بطلق ناري طائش في الاشتباكات الدائرة بين الطرفين في بلدة الحوائج بريف دير الزور الشرقي. وأضاف: تشهد مناطق ضمن سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، عودة للاشتباكات المسلحة بين الأخيرة ومسلحين محليين، بعد عبور الأخيرة مناطق سيطرة قوات النظام باتجاه مناطق المقابلة لضفة نهر الفرات، حيث رصد المرصد السوري في ساعات الصباح الأولى، اندلاع اشتباكات مسلحة بين قوات “قسد” من جهة، وبين مسلحين محليين من جهة أخرى، على أطراف نهر الفرات بالقرب من بلدات حوائج ذيبان وطيانة وذيبان بريف دير الزور الشرقي، وسط استخدام الأسلحة الثقيلة.
ويرى الباحث أنس الشواخ، المتخصص بشؤون المنطقة الشرقية في سوريا ضمن مركز “جسور للدراسات” في إعلان الهفل عن معركة جديدة “خطوة متوقعة وطبيعية” نتيجة مضي “قسد” في خيارها العسكري، وعدم دعم “التحالف الدولي” لعقد مفاوضات جادة بين العشائر و”قسد”. وأضاف لـ”القدس العربي” أن من الواضح أن قرار “قسد” العسكري وعدم التفاوض مع القائمين على الحراك العشائري، والإصرار على تجاوز المطالب، لم ينجح حتى الآن، ومن غير المتوقع أن ينجح خيار “قسد” دون الخوض في مطالب العشائر، وهذا الأمر يحتاج دعماً من “التحالف الدولي”، وهذا ما لم يحصل للآن.
عمليات فردية انتقامية
أما الكاتب والمحلل السياسي فراس علاوي فيقول إن “الاشتباكات بين “قسد” والعشائر في دير الزور، تحولت من الصدام والمواجهات المفتوحة إلى عمليات فردية وانتقامية التي يقوم بها أبناء العشائر، لمنع “قسد” من الاستقرار”. وفي حديثه لـ”القدس العربي”، اعتبر علاوي أنه لا يمكن تسمية هذه العمليات بالمعركة، وقال: “ما يجري هي عمليات فردية بغرض استنزاف “قسد”، بهدف زيادة الضغط عليها لحملها على الاستجابة لمطالب أبناء العشائر”.
وفي العموم يمكن اختصار مطالب العشائر في إعادة هيكلة مجلس دير الزور العسكري التابع لـ”قسد” من قبل ضباط من أبناء المنطقة، وإشراكهم في قرار مناطقهم العسكري والمدني. وكانت “قسد” قد أعلنت في 9 أيلول/سبتمبر عن انتهاء العمليات العسكرية الأساسية في دير الزور، والانتقال إلى العمليات الأمنية المحدودة، عقب اتفاق مع وجهاء العشائر على دخول مناطقهم من دون قتال. وأضافت في بيان أن عملية “تعزيز الأمن” التي جرى إطلاقها في 27 آب/أغسطس، ضد خلايا “تنظيم الدولة و”تجار المخدرات” و”العناصر الإجرامية المطلوبة للعدالة، انتهت وبدأ العمل الآن ضمن نطاق “العمليات الأمنية المحدودة”.
وتابعت بأن الاشتباكات أدّت إلى مقتل 25 عنصراً من قواتها، و29 مسلحاً، إضافة إلى 9 مدنيين قُتلوا برصاص المسلحين الذين استخدموا الأسلحة الثقيلة في المواجهات، على حد تأكيد البيان.