يشير هجوم تنظيم “الدولة” على حقل الصوانة جنوبي تدمر إلى مقدرته العسكرية وإمكانيته على اختيار أهداف حساسة للغاية تهدد مصالح روسيا وأمن قواتها في البادية السورية وعلى مشارفها.
باغت تنظيم “الدولة الإسلامية” محور حلفاء النظام، الأربعاء، في هجوم هو الأول من نوعه منذ ربيع 2017. حيث هاجم مقاتلو التنظيم نقاطا قريبة على قصر الحلابات الأثري 25 كم جنوب تدمر وصولا إلى حقل فوسفات الصوانة 40 كم جنوبا في ريف محافظة حمص الشرقي. ونعت مواقع النظام مقتل ستة جنود من جيشه. وعلق موقع “البادية 24” المتخصص بأخبار البادية السورية أن الهجوم أسفر عن “تدمير دبابتين لقوات النظام وعدة آليات، وسيطرة عناصر التنظيم على العديد من الأسلحة والذخائر، وقتلوا ما يقارب 15 عنصراً من عناصر النظام والميليشيات المحلية الموالية لروسيا والتي تعمل على حماية حقول الفوسفات”. ورصد الموقع قتيلين من محافظة دير الزور، وثلاثة من حمص، نقلت جثثهم إلى مستشفى تدمر العسكري.
ونشرت حسابات تتبع لإعلام تنظيم “الدولة” على قنوات تطبيق “تلغرام” ما وصفته بحصيلة أسبوع من العمليات، وتبنت هجوم مقاتلي التنظيم على نقطة تمركز لقوات النظام السوري في منطقة الجبلية أقصى شرق محافظة حلب، قتل خلاله ثلاثة عناصر وحرق سيارتهم نوع بيك، مزود بمدفع رشاش 23ملم. كما ذكرت الحسابات أن التنظيم تمكن من قتل وجرح ستة عناصر من قوات سوريا الديمقراطية في هجمات متفرقة في شرق سوريا.
وفي ريف حماة الشرقي، هاجم التنظيم نقطتين للنظام وقتل خمسة من عناصره وعناصر الميليشيات المحلية الموالية له، الاثنين، في قرى ريف حماة الشرقي. ورصدت “القدس العربي” على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” مقتل عنصرين من قوات النظام وإصابة آخرين خلال اشتباكات مع مقاتلي التنظيم في قرية سكر جنوب عقدة أثريا الطرقية، أقصى شرق محافظة حماة السورية. وأشارت الصفحات إلى نقل القتلى والجرحى إلى مستشفى مدينة سلمية الوطني.
وكثف التنظيم هجماته مؤخرا في عدة مناطق أهمها بادية الميادين شرق دير الزور، والرصافة جنوبي محافظة الرقة، وأثريا في ريف حماة الشرقي، وكرر هجماته على منطقة الرصافة وهي عقدة الطرق الهامة التي تصل بين البادية وريف الرقة الجنوبي، وكذلك عقدة تقاطع أثريا التي تربط طرق البادية الفرعية بسلمية وحلب.
ويسيطر التنظيم على نقطة تقاطع المحافظات الخمس، دير الزور والرقة وحلب وحماة وحمص والممتدة من أثريا إلى الرصافة والشولا وكباجب والسخنة. ويتصل بجيب بادية الشامية عبر اختراقات في طريق دمشق- دير الزور الذي تسيطر عليه قوات النظام بين السخنة والشولا.
وأقلقت الهجمات المتكررة قيادة العمليات الثلاث المشتركة في حلف النظام، ودفعت حميميم إلى حشد القوات الموالية لها من الفرقة 25 مهام خاصة ولواء “القدس” الفلسطيني، والفرقة السابعة في جيش النظام والتي خسرت أحد أبرز قادتها الأسبوع الفائت (العميد بشير إسماعيل قائد اللواء 137) والدفاع الوطني في دير الزور والميادين والبوكمال وعددا كبيرا من الميليشيات الإيرانية المنشرة في ريف دير الزور الشرقي وصولا إلى الحدود العراقية السورية في منطقة القائم.
ويهدف الحشد الروسي إلى البدء في عملية عسكرية واسعة ضد خلايا التنظيم المتزايدة في البادية السورية والتي بدأت تهدد بقطع الطرق الحيوية بين المحافظات، طريق دير الزور-دمشق وطريق سلمية-الرقة، والرقة-حلب.
انطلقت القوات التي يقودها ضباط روس بشكل مباشر من جنوبي الميادين على محورين، الأول يسعى إلى تطهير منطقة مزارع الميادين الجنوبية باتجاه فيضة ابن موينع، والثاني هو تأمين المنطقة المجاورة لحقل التيم النفطي غرب الميادين وصولا إلى الشولا وكباجب والفيضة.
بالتوازي مع ذلك استقدم الروس قائد الفرقة 25 مهام خاصة، العميد سهيل الحسن إلى ريف حلب الشرقي، حيث بدأت بحشد القوات جنوبي مدينة مسكنة. وتهدف العملية إلى القضاء على خلايا التنظيم المتحركة قرب طريق أثريا- خناصر والتي تهاجم الطريق بشكل متكرر وتنصب الكمائن لقوات النظام والميليشيات الإيرانية وتستولي على صهاريج النفط الخام التي تنقلها ميليشيا القاطرجي من شرق سوريا باتجاه حلب، وتستولي على سيارات نقل القمح التي تنقلها الميليشيا الأخيرة من نفس المناطق أيضا. وأعلنت قوات “النمر الفرقة 25” على صفحتها الرسمية على موقع فيسبوك مقتل عدد من عناصرها في ريف الرقة الجنوبي وجرح آخرين في اشتباكات صعبة، قبل أن تقوم بحذفها. وقصف الطيران الروسي عشرات الصواريخ في غارات جوية على منطقة الرصافة في عملية ملاحقة خلايا التنظيم، دون معرفة فيما إذا تمكنت قوات النظام من تحقيق أي نتائج على الإطلاق. فبعد مضي أسبوع على بدء العملية لم تبث أي صورة أو شريطا مسجلا لأهداف مفترضة لمقاتلي التنظيم.
وتعثر الهجوم في بادية الميادين الذي بدأ مطلع الأسبوع الماضي، حيث انفجر لغم أرضي بعناصر الدفاع الوطني بقيادة شكور العساف، قتل في الانفجار ثلاثة عناصر وجرح آخرون، ما أوقف عمليات التقدم خشية وقوع القوات في حقل ألغام أو جرهم إلى كمين معد مسبقاً على غرار الكمائن التي اعتاد مقاتلو “الدولة” تنفيذها.
ومع ارتفاع حدة العمليات الأخيرة في شرق سوريا وازدياد مساحتها الجغرافية وتهديدها سلامة الطرق الحيوية والدولية بين شرق سوريا ووسطها، تنبه نظام الأسد وحلفاؤه إلى الخطر المحدق على كافة الأصعدة، فالنظام أمام العقوبات الأمريكية والأوروبية المتزايدة عليه يعتمد بشكل كبير على النفط الخام القادم من مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، ويعتمد كذلك على القمح الآتي من محافظة الحسكة أيضا، وتنعكس خسارة الطرق على وضع العملية السياسية بكل تأكيد فهو يظهره بمظهر الخاسر مجددا رغم وجود حلفائه، بعد شعوره بالنصر باستعادة السيطرة على 60 في المئة من مساحة التراب السوري. إلى جانب النظام فإن خسارة مزدوجة تلحق بحليفتيه طهران وموسكو، حيث سينقطع الطريق البري بين العراق وسوريا الذي تسيطر عليه إيران، وستتعرض مصادر الطاقة والغاز التي حصلت عليها روسيا إلى خطر كبير خصوصا مع الهجوم الأخير، فجر الأربعاء على حقل فوسفات الصوانة. وهو ثاني أكبر حقل فوسفات تستثمره روسيا بعد حقل خنيفيس الواقع إلى الجنوب من الصوانة. وبالتالي يعطل استثمار الفوسفات وينعكس على إنتاج معامل الأسمدة الثلاثة (معمل السماد الفوسفاتي، معمل الأمونيا يوريا، معمل سماد الكالنترو) على بحيرة قطينة غربي حمص، حيث يصل الفوسفات من الحقلين إلى المعامل بواسطة خط القطار الذي يبدأ في الحقول ويصل إلى معامل قطينة ومنها إلى ميناء طرطوس التجاري حيث كان يصدر بحراً.
ويشير الهجوم على حقل الصوانة جنوبي تدمر إلى مقدرة التنظيم العسكرية وإمكانيته على اختيار أهداف حساسة للغاية تهدد مصالح روسيا وأمن قواتها في البادية السورية وعلى مشارفها.
ومن المرجح وقوع قتلى من عناصر شركة فاغنر الأمنية الروسية وقوات “سند الأمن العسكري” و “صائدو داعش” المدعومتين من فاغنر أو من قوات الفرع 221 أو ما يعرف بفرع البادية والذي يقوم بتأمين الطريق من حقول الفوسفات وصولا إلى تدمر والمناطق الشمالية منها، حيث تعتمد موسكو على الشركة الروسية والشركتين الأمنيتين السوريتين بحراسة المنشآت الحيوية والاستثمارات الروسية وخصوصا في منطقة تدمر.