ينقل تنظيم “الدولة” هجماته إلى مناطق جديدة ويستهدف منطقة سيطرة قسد بشكل رئيسي كونه قادرا على التخفي بين مدنييها، بعد ان اخلي سبيل عدد منهم من سجون وحدات حماية الشعب.
قتل تنظيم “الدولة الإسلامية” مسؤولتين محليتين في قلب المنطقة التي يسيطر عليها التحالف الدولي للقضاء على “داعش” وقوات سوريا الديمقراطية “قسد” في ريف بلدة الشدادي جنوبي محافظة الحسكة.
وفي هجوم لافت، اقتحم عناصر تنظيم “الدولة” مجلس قرية تل الشاير، الأسبوع الماضي، واقتادوا الرئيسة المشتركة لمجلس تل الشاير، سعدة فيصل الهرماس، ونائبتها هند لطيف الخضر. وقام عناصر التنظيم بتصفية السيدتين بالقرب من القرية. وأشار مصدر محلي من أبناء بلدة الشدادي القريبة لـ “القدس العربي” إلى أن عناصر التنظيم “بعد قتل سعدة وهند قاموا بفصل رأسيهما عن جسديهما بهدف ترهيب أهالي المنطقة المتعاملين مع الإدارة الذاتية”.
وشكل مقتل القياديتين في المجلس صدمة كبيرة في أوساط العاملين في “الإدارة الذاتية” خصوصا العربيات اللواتي بدأن يشعرن بالتهديد والخوف على حياتهن مع وصول خلايا التنظيم إلى شرق بلدة الشدادي ومهاجمة المجلس في وضح النهار.
وأدان القائد العام لـ”قسد” مظلوم عبدي، الجريمة التي استهدفت الإداريتين في مجلس بلدة تل الشاير جنوب الحسكة. وقال في تغريدة على تويتر، الاثنين: “الشهيدة سعدة الهرماس والشهيدة هند الخضير طالتهما أيادي الغدر والجبن أثناء قيامهما بواجب خدمة منطقتهما”.
وفي السياق نفسه، أدانت بعثة سفارة أمريكا في دمشق مقتل المسؤولتين في مجلس تل الشاير، وقالت الخميس، في بيان مقتضب “لقد تلقت حكومة الولايات المتحدة الأمريكية ببالغ الحزن والأسف خبر وفاة هند لطيف الخضر وسعدة الفيصل الهرماس” ووصفت القتيلتين بأنهما “كرستا حياتهما لخدمة مجتمعاتهما” وقدمت البعثة العزاء “نتقدم بتعازينا لذويهم وان ما أصابكم من حزنٍ أصابنا” متهمة تنظيم “الدولة” بقتلهما.
واستهدف مقاتلو التنظيم رتلا للفرقة الرابعة يضم حافلات عسكرية وعربات حماية تضم سيارات نوع بيك آب، مثبت عليها رشاشات ثقيلة ومدافع نوع 23 ملم، ووقع الرتل في كمين نصبه عناصر التنظيم في منطقة الشولا على طريق تدمر – السخنة- دير الزور، وهاجم عناصر تنظيم “الدولة” الرتل، ظهر الأحد الماضي، موقعين 30 عنصرا بين قتيل وجريح، وأعطبوا عددا من الآليات والحافلات. في حين اعترف النظام السوري بمقتل ثلاثة عناصر وجرح 15 آخرين، وبث صورا لباصات النقل الداخلي (الباصات الخضر) وقد تعرضت لأضرار طفيفة، اقتصرت على النوافذ الجانبية.
وبثت حسابات مقربة من شركة “فاغنر” الأمنية الروسية صوراً لمروحيتين هجوميتين تطيران على ارتفاع منخفض للغاية تقومان بتمشيط إحدى مناطق البادية دون تحديدها. وحسب الشريط المصور قدر ناشط محلي لـ “القدس العربي” أن المنطقة الظاهرة في الفيديو والتي تشكل مجرى لمياه الأمطار والسيول هي منطقة مؤدية إلى فيضة ابن موينع وهي إحدى أكبر الجيوب التي ينشط فيها التنظيم ومنها ينطلق في أغلب هجماته الأخيرة المتركزة بين الشولا وكباجب في ريف دير الزور الغربي.
قريبا من المنطقة، فجر عناصر التنظيم خط غاز فرعي بالقرب من السخنة، الجمعة، وتلى ذلك اشتباكات بين عناصر التنظيم وقوات النظام، وأرسل النظام تعزيزات إلى تلك المنطقة بهدف تأمينها وإصلاح خط الغاز المدمر.
وفي اليوم ذاته، تعرضت الفرقة الرابعة التابعة لقوات النظام السوري لعدة هجمات على نقاطها المنتشرة في بادية البوكمال الغربية في ريف دير الزور الشرقي.
وأحصت “القدس العربي” مقتل تسعة عناصر من الفرقة الرابعة، وجرح عشرة آخرين جراء هجوم استهدف مواقعهم، وذكرت صفحات شخصية لعناصر الفرقة أن “داعش تسلل في توقيت واحد على عدة نقاط ليلاً، ونقل الجرحى إلى المستشفيات القريبة في دير الزور والميادين وبعضهم إلى المستشفى العسكري في دير الزور، وبعضهم أصيب بجروح بليغة، ما يرجح ارتفاع أعداد القتلى”. وأشارت الصفحات إلى وصول مساندات متعددة إلى مكان الاستهداف من عناصر ميليشيا الدفاع الوطني وتعزيزات إضافية من الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري وعناصر لواء القدس الفلسطيني الموالي لروسيا.
في المنطقة ذاتها، نصب مقاتلو التنظيم كمينا لدورية على الطريق الترابي المحاذي للحدود السورية العراقية، داخل الأراضي السورية، أدى إلى مقتل سبعة عناصر – على الأقل- من الفرقة السابعة.
من جهة أخرى، أوقفت قوات النظام حركة الآليات على طريق تدمر- دير الزور في المنطقة الممتدة من بلدة السخنة وصولا إلى تقاطع الشولا. واستمر توقف الحركة عدة ساعات، ليعلن النظام لاحقا بتأمين الطريق إثر عمليات تمشيط وملاحقة لخلايا تنظيم “الدولة” في مقطع الطريق المذكور والذي تحول آخر شهرين إلى جحيم بالنسبة لقوات النظام، بسبب هجمات عناصر تنظيم “الدولة” شبه اليومية والتي أوقعت عشرات القتلى، وكان أكبرها حصيلة للفرقة الرابعة التي يقودها اللواء ماهر الأسد شقيق رئيس النظام السوري، نهاية عام 2020 حيث قتل قرابة 50 عنصراً.
ويركز التنظيم هجومه على حافلات المبيت التي تنقل أعدادا كبيرة من مقاتلي قوات النظام قادمين من حمص إلى دير الزور، وهم جنوده الحاصلين على إجازات أو الذين يقوم بتبديلهم كل ثلاثة أشهر، وعناصر جدد أرسلوا لمساندة رفاقهم في دير الزور بهدف مواجهة التهديدات المتزايدة وشبه اليومية لتنظيم “الدولة”.
وخسر لواء “القدس” الفلسطيني في 17 كانون الثاني ( يناير) الجاري خمسة من مقاتليه، وأعلن اللواء المدعوم روسياً مقتل خمسة من عناصره في شمال السخنة على الطريق الواصل بين السخنة في ريف حمص والرصافة جنوبي محافظة الرقة. وتعرض لواء القدس إلى عشرات الهجمات والكمائن في تلك المنطقة حيث ينتشر على كامل الطريق بين الكوم شمالا والسخنة جنوبا، مرورا بمنطقة الكم. وتوكل مهمة حراسة تلك المنطقة للواء القدس وينتشر في منطقة الشولا وجنوبها أيضا، في الطريق الواصل إلى حقل التيم وحقول منطقة السخنة.
تدريجياً، ينقل تنظيم “الدولة” هجماته إلى مناطق جديدة لم يكن قد وصل إليها منذ هزيمته في ربيع 2019 في مخيم الباغوز على الضفة اليسرى لنهر الفرات قرب الحدود السورية العراقية. ويستهدف منطقة سيطرة قسد بشكل رئيسي كونها الأكثر كثافة سكانية في منطقة سرير النهر، وما زالت تضم أعدادا كبيرة من أهالي القرى العربية هناك، وكونه قادرا على الاحتماء والتخفي بين مدنييها، خصوصا وان عددا كبيرا من مقاتلي التنظيم اخلي سبيلهم من سجون وحدات “حماية الشعب” الكردية بعد وساطات عشائرية، فعاد عدد كبير منهم إلى العمل لصالح التنظيم مجددا فيما قتل التنظيم وما زال يستهدف كل الذين غادروه بشكل فعلي.
وينتهج التنظيم سياسة القوة والبطش، كما فعل سابقا، ضد كل الذين عملوا مع مشروع حزب الاتحاد الديمقراطي، سياسيا أو عسكريا. فهو يستهدف أعضاء المجالس المدنية بالتوازي مع المنتسبين العسكريين إلى قسد. وربما يرى في المنضوين المدنيين في “الإدارة الذاتية” خطرا أكبر كونه يؤلب المجتمع كاملا ضده، تحديدا المرأة العاملة في الإدارة. ويريد التنظيم أن يوجه رسالة شديدة اللهجة بقتل النساء العاملات في المجالس، انه لن يسامح أحدا بمن فيهم النساء، وهو ما سيدفع وجهاء العشائر والآباء بصورة عامة إلى منع بناتهم من العمل في الإدارة الذاتية خشية على حيواتهم.
وشيئا فشيئا، تتحول عقدة تقاطع الطرق في الشولا غرب دير الزور إلى بؤرة سوداء، مصير داخلها الموت بالتأكيد. فإذا كان النظام غير قادر على حماية أرتاله على الطريق بين السخنة وكباجب والشولا فانه لن يتمكن من حماية المدنيين على الطريق. ويذكر وقف الحركة المؤقتة عليها ببدايات ما حصل في عام 2012 عندما فقد السيطرة عليه، وأصبح يقوم بتسيير الأرتال الكبيرة التي تضم سيارات المدنيين والعسكريين، في حين يسيطر فصائل الثوار على الطريق عدا عن مرور تلك الأرتال والتي لم تكن تسلم من هجمات ثوار المنطقة وكتائب “الجيش الحر” المحلية، وهو ما يعرض سيطرة النظام في شرق سوريا إلى اختبار جديد قريبا.