سوريا: توسع دائرة انتقادات الإدارة الجديدة وخاصة في الساحل

منهل باريش
حجم الخط
0

على الرغم من مرور أيام قليلة على سقوط نظام الأسد وتولي حكومة البشير مهمة تسيير الأعمال في سوريا، بدأت تظهر أولى ملامح تشكل تيارات معارضة جديدة، على غرار احتجاجات في دمشق للمطالبة بمدنية وعلمانية الدولة، مقابل بيانات لوجهاء الطائفة العلوية في الساحل، حذر من انزلاق الأوضاع نحو المجهول. فيما تبدو الأوضاع أكثر انضباطا في السويداء حيث تكفلت المرجعية الروحية لطائفة الموحدين الدروز وقيادة الفصائل المحلية برسم خريطة طريق إدارية وأمنية لجبل العرب وهو ما يبدو أنه حظي بموافقة قائد الإدارة الجديدة في سوريا أحمد الشرع.
وفي هذا السياق، خرج مئات الأشخاص في ساحة الأمويين، قلب مدينة دمشق، الخميس في أول احتجاج غير مباشر بعد أيام قليلة من هروب بشار الأسد، ورفع المحتجون شعارات تطالب بإقامة دولة مدنية تضم جميع المكونات وبمشاركة النساء، وتدعو إلى مؤتمر وطني عام، من دون إقصاء أي من مكونات المجتمع السوري، كما أكد المحتجون على ضرورة احترام التعددية الدينية في سوريا.
وجاء التجمع في ساحة الأمويين، بعد دعوات أطلقها تجمع شبابي ناشئ من أجل المطالبة بنظام سياسي لا مكان فيه للتشدد الديني، يضمن حقوق جميع السوريين ومشاركة المرأة الفاعلة في الحياة العامة والسياسية. في محاولة للرد على تصريحات المتحدث باسم الإدارة السياسة التابعة لفصائل “إدارة العمليات العسكرية” عبيدة أرناؤوط حول دور المرأة في تولي المناصب الحكومية والتي أثارت استياءً واضحاً.
حاولت قيادات عسكرية من الإدارة الجديدة التعاطي السلمي مع المحتجين، من خلال محاولة إلقاء بعض الكلمات المطمئنة للمحتشدين. وأثارت هذه الوقفة موجة غضب في صفوف السوريين على وسائل التواصل الاجتماعي وذلك بسبب الخلفية السياسية لمعظم الشخصيات الداعية لهذا الاحتجاج، إذ يُعد بعض المحتجين من المؤيدين لنظام الأسد والداعين سابقاً إلى قصف إدلب بالبراميل المتفجرة كما تظهر حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، وحتى مع تكشف ذلك لم تبد السلطات الجديدة ردود أفعال عنيفة أو قمعية، واقتصر التواجد الأمني في محيط الاحتجاج لضبط الوضع الأمني وخشية أن يتدحرج مثل كرة ثلج في أهم ساحات العاصمة والدولة.
من جهة أخرى، يظهر أن الساحل السوري أكثر تعقيداً، وعلى الرغم من عدم توجيه إدارة العمليات العسكرية بيانات وخطابات طمأنة مباشرة إلى أهالي المنطقة، كانت طريقتهم في دخول مناطق سكن المكونات الدينية في حماة وحمص ودمشق عاملاً جيداً في تصور كيفية التعامل مع مناطق الساحل. وبالفعل دخلت قوات العمليات العسكرية إلى المنطقة بشكل سلمي، إلى جانب الحرص الشديد على تأمين الخبز والمحروقات ومنع التعدي على الممتلكات العامة والخاصة.

جبال العلويين

إلى جانب قوات العمليات العسكرية، شهدت مناطق الساحل (جبال العلويين) دخول مجموعات من الفصائل غير المنضبطة أو من الأهالي الذين حملوا السلاح خلال المعارك الأخيرة، وتسبب انخراطهم بظهور انتهاكات ضد السكان، منها عمليات الاعتقال والخطف وسرقة الممتلكات.
ورداً على هذه الممارسات ظهرت بيانات مصورة لشخصيات ووجهاء من الطائفة العلوية في الساحل السوري، توجه في معظمها انتقادات للحكومة الجديدة، وتطالبها بالعمل على وقف ممارسات وتجاوزات وقعت مؤخرا ضد السكان في مدن وأرياف الساحل، كما حملت بعض البيانات نبرة تهديد باللجوء إلى العنف وأخرى تطالب بإصدار عفو عام عن جميع ضباط وعناصر جيش النظام السابق، وأيضاً المطالبة بإطلاق سراح بعض ضباط الجيش السابق الذين أسروا خلال المعارك الأخيرة في أرياف حلب، وإدلب، وحماة، والبادية.
في المقابل لجأت الحكومة الجديدة إلى محاولة تهدئة الأوضاع عبر نشر قوات الشرطة في هذه القرى ونصب الحواجز ومنع دخول مسلحين مستقلين أو من فصائل غير منضبطة. كما ألقت القبض على عدد من المجموعات المتهمة بالسرقة والخطف وانتحال صفة القوات الأمنية والشرطية التابعة للحكومة الجديدة. وسعى المسؤولون المكلفون بحفظ الأمن في هذه المناطق إلى تهدئة غضب السكان عبر عقد اجتماعات مع الوجهاء وإطلاق وعود وتطمينات.
ولكن لابد من القول، إن قوات إدارة العمليات وجهاز الأمن العام تواجه صعوبات في ضبط الوضع الأمني بشكل عام نتيجة النقص الهائل في أعداد القوات الأمنية والشرطية المكلفة بحماية المناطق عموما والساحل خصوصاً، وكذلك عدم القدرة على ضبط سلوكيات بعض عناصر الفصائل غير المنضبطة أو المسلحين الجدد، وقد لجأت إدارة العمليات العسكرية إلى إعلان فتح باب التطوع في صفوف القوات العسكرية والأمنية، إلا أن ضيق المدة الزمنية اللازمة لتدريب وتأهيل العناصر الجديدة قد يفتح الباب أمام ظهور توترات أمنية وعسكرية في قرى الساحل.
في شرق سوريا، وبعد اتصالات استمرت ثلاثة أيام، بين إدارة العمليات العسكرية السورية والقيادة العراقية، بطريقة مباشرة وعبر وسطاء، أعلنت قيادة العمليات المشتركة في الجيش العراقي عبر بيانٍ لها عن إعادة 1905 جندي من عناصر قوات النظام إلى سوريا عبر معبر القائم الحدودي، بينما احتفظت قيادة العمليات المشتركة العراقية بأسلحتهم التي فروا بها في السابع من كانون الأول (ديسمبر) الجاري قبيل سقوط نظام بشار الأسد بساعات.
وجاء في البيان “لجأ عدد من منتسبي الجيش السوري ضباطاً ومراتب، فضلاً عن موظفي وحرّاس منفذ البوكمال السوري، إلى القوات العراقية وطلبوا الدخول إلى الأراضي العراقية على خلفية الأحداث الأخيرة في سوريا”.
وأشارت قيادة العمليات المشتركة إلى أن السماح لجنود نظام الأسد بدخول الأراضي العراقية، في السابع من الشهر الجاري، جاء بعد تشكيل لجان من التشكيلات العسكرية العراقية وأجهزة الأمن والاستخبارات، وانطلاقًا من الجانب الإنساني، وبعد أن تم التنسيق بين الجانب العراقي وقيادة الفصيل العسكري السوري التابع للنظام.
ولفت البيان، إلى أنه في يوم الخميس 19 كانون الأول (ديسمبر) واحترامًا للشعب السوري، ورغبة وطلب العناصر المنتسبين للتشكيل العسكري الذين فروا للعراق، وبعد أخذ موافقات خطية على طلباتهم، تمت إعادتهم إلى الأراضي السورية عبر منفذ القائم الحدودي، بعد أن شملهم العفو الصادر عن غرفة العمليات العسكرية في سوريا، والذي تضمن العفو عن جميع الجنود الذين خرجوا من سوريا قبيل سقوط النظام، وضمان تسليمهم للمراكز العسكرية والأمنية الخاصة بهم، وأكد بيان قيادة العمليات المشتركة، على أن إعادة الجنود تمت بتنسيق مع الجهات المختصة في الجانب السوري من القيادة الجديدة.

منفذ البوكمال الحدودي مع العراق

وفي سياقٍ متصل، قالت مصادر إعلامية عدة، إن ما يقارب 100 جندي من مختلف الرتب، رفضوا العودة إلى سوريا، فيما تحدثت قيادة العمليات العراقية المشتركة عن إعادة 36 موظفا مدنيا ممن كانوا يعملون في منفذ البوكمال الحدودي مع العراق إلى سوريا الأربعاء الفائت.
وكانت وزارة الدفاع العراقية قد أصدرت تعميما بعد السماح لجنود نظام الأسد الفارين، يقضي ببناء مخيم لإيواء 2150 شخصا في منطقة الرطبة غرب الأنبار على الحدود العراقية السورية.
بموازاة ذلك، أعلن رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، يوم الخميس، عن أن البعثة الدبلوماسية العراقية في سوريا فتحت أبوابها، وباشرت عملها في العاصمة دمشق. وذلك بعد أن غادر طاقم البعثة إلى لبنان قبيل ساعات من سقوط نظام الأسد، وهروب رئس النظام إلى روسيا.
وعلى صعيد آخر، تزايدت المخاوف الأمريكية من جهة، وتحذيرات قيادات من قوات سوريا الديمقراطية “قسد” من جهة أخرى، من هروب أعداد كبيرة من مقاتلي تنظيم “داعش” من السجون التي تسيطر عليها “قسد”.
وبرزت هذه المخاوف من خلال تقرير نشرته صحيفة “بوليتيكو” تضمن إحاطات استخباراتية، عبرت عن أن المسؤولين الأمريكيين يراقبون الوضع باهتمام كبير في شمال شرق سوريا.
ولم تقتصر هذه المخاوف على تقرير الصحيفة، فقد أشار وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، إلى قلقه من أن الوضع الحالي المتأزم في شمال شرق سوريا قد يسفر عن أزمة حقيقية على الأرض في المستقبل القريب. وتأتي المخاوف من فكرة الهروب الجماعي لعناصر تنظيم “الدولة الإسلامية” في ظل الأوضاع المتوترة، واحتمال شن هجوم من قبل فصائل الجيش الوطني المدعوم من أنقرة على مناطق سيطرة “قسد” شمال شرق سوريا، وسط الحديث عن حشود تركية على طول حدودها الجنوبية المتاخمة لمناطق سيطرة “قسد”.
وكانت الإدارة الذاتية، التابعة لقوات سوريا الديمقراطية قد حذرت بعد أيام من سقوط نظام الأسد، وفي ظل التوترات العسكرية بينها وبين فصائل الجيش الوطني، من أن أي هجمات قد تشنها فصائل الوطني المدعومة من أنقرة على مناطق سيطرتها من الممكن أن تساهم في وصول مقاتلي التنظيم إلى السجون التي يقبع بها مقاتلون وقيادات من التنظيم على غرار المحاولة التي جرت في سجن الصناعة بمدينة الحسكة مطلع عام 2022.
من جانبها، قالت وزارة الدفاع التركية، إن استعداداتها مستمرة على الحدود السورية المتاخمة لمناطق سيطرة قسد، مشيرة إلى أن هذه الاستعدادات ستبقى متواصلة حتى يلقي مسلحو قسد أسلحتهم.
الجدير بالذكر، أن المناطق التي تسيطر عليها “قسد” يتوزع بها 27 سجنا لمقاتلي وعائلات تنظيم “الدولة الإسلامية” وتحتضن ما يقارب 12 ألف شخص منهم.
وتأتي تحذيرات “قسد” من الهروب الجماعي لمقاتلي التنظيم كورقة ضغط على الإدارة الأمريكية الجديدة، والتي قد تخفض من مساعداتها لقوات سوريا الديمقراطية.
إلى ذلك، قالت وزارة الدفاع الأمريكية، أن عدد القوات الأمريكية في سوريا، والمنتشرون في مناطق سيطرة “قسد” يبلغ عددهم 2000 جندي أمريكي، فيما كانت الأرقام الصادرة عن المسؤولين الأمريكيين تتحدث عن 900 فقط.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية