حالة القصف التي طالت مناطق في المدينة على خلفية مقتل جواد الباروكي، تفتح باب التكهنات حول مستقبل حراك السويداء الذي حافظ على سلميته منذ انطلاقته في العام الماضي.
شهدت محافظة السويداء خلال اليومين الماضيين مظاهرات غاضبة، احتجاجًا على مقتل الناشط المعارض جواد توفيق الباروكي برصاص مرتد أطلقته عناصر أمن مركز التسوية التابع لمخابرات النظام السوري في مركز مدينة السويداء، كان الغرض من إطلاق الرصاص غير المباشر تفريق المظاهرة أمام المبنى والتي طالبت بإغلاق المركز الأربعاء الماضي، في 28 شباط (فبراير).
كما توافدت الجمعة، بعد يوم على تشييع أول مدني قتل بنيران قوات الأمن منذ بدء الاحتجاجات في المدينة، جموع غفيرة من أهالي السويداء إلى ساحة الكرامة وسط المدينة، للمشاركة في المظاهرة المركزية، والتي اعتاد أهالي السويداء على المشاركة بها في كل يوم جمعة منذ بدأ الحراك في آب (أغسطس) 2023 حاملين صورًا لـ «الباروكي» ولافتات تدين ممارسات نظام الأسد القمعية، كما ردد المتظاهرون هتافات تطالب بإسقاط النظام وتصفه بقاتل المدنيين، ومن الهتافات التي رددها المتظاهرون «قاتل قاتل قاتل… بشار الأسد قاتل» وحسب ما أفادت به مصادر محلية لـ «القدس العربي» فإن المظاهرة لم تستخدم مكبرات الصوت واتسمت بالحزن، وأكدت على سلمية الحراك ومطالبه على الرغم من محاولات النظام جر الحراك السلمي في السويداء للعنف.
وفي تفاصيل الحادثة، قال المرصد السوري لحقوق الإنسان، إن العشرات من أهالي السويداء تجمعوا صباح الأربعاء الفائت أمام صالة تستخدمها الأجهزة الأمنية في السويداء لتسويات الأوضاع الأمنية لسكان المدينة، ورددوا شعارات وهتافات مطالبة بإسقاط النظام، وفي محاولة عناصر أمن المركز لتفريق المحتجين عبر إطلاق الأعيرة النارية، أصيب مدنيان بجروح توفي أحدهما لاحقًا.
بدوره قال الرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز، الشيخ حكمت الهجري، خلال استقباله وفدا من المحتجين على مقتل جواد الباروكي، مساء الأربعاء، إن الباروكي هو «شهيد الواجب» مؤكدًا على ضرورة التمسك بالخيار السلمي لحراك السويداء، كما قال شيخ العقل في الطائفة الدرزية، يوسف جربوع خلال تشييع الباروكي أن فتنة ما تحاك لمحافظة السويداء، لافتًا لضرورة الانتباه لذلك. وفي سياق ردود أفعال رئاسة طائفة الموحدين الدروز على مقتل أول مدني في السويداء، قال شيخ العقل حمود حناوي، إن ما حصل «لا يجوز وغير مقبول، ويجب على كل الأطراف تحمل مسؤولياتها» مؤكدًا على ضرورة الحفاظ على «أمن محافظة السويداء وحراكها السلمي» ومشيدًا بوعي أبناء الطائفة.
بموازاة ذلك، أعربت السفارة الأمريكية في دمشق، عن قلقها البالغ جراء ما وصفته بـ «استخدام نظام الأسد للقوة المفرطة ضد المتظاهرين السلميين في السويداء» وأضافت السفارة في تغريدة على حسابها الرسمي على منصة X (تويتر سابقا) أن «السوريون في السويداء وفي كل مكان يستحقون السلام والكرامة والأمن والعدالة».
وفي تطور الأحداث الأمنية على خلفية مقتل الباروكي، شهدت المدينة منذ مساء الخميس حالة من القصف المتقطع مجهول المصدر حول المقرات الأمنية وفرع حزب البعث الحاكم في سوريا. وحسب ما أفادت به شبكة السويداء 24 المحلية فقد اخترقت إحدى القذائف الصاروخية شقة سكنية بالقرب من صالة السابع من نيسان، دون تسجيل إصابات بشرية، وأضافت أن القصف العشوائي امتد حتى مدينة شهبا بعد أن استهدفت إحدى القذائف محيط حاجز أمني بالقرب منها.
حراك السويداء
حالة القصف التي طالت مناطق في المدينة على خلفية مقتل جواد الباروكي، تفتح باب التكهنات حول مستقبل حراك السويداء الذي حافظ على سلميته منذ انطلاقته في آب (أغسطس) من العام الماضي. وتعليقا على السيناريوهات المحتملة لحراك المحافظة، قال الكاتب والباحث الأكاديمي جمال الشوفي إنه لا يوجد سوى «خطة واحدة وطريق واحد واضح المعالم هو طريق التمسك بالسلمية والمحافظة على مطالب التغيير السياسي على مستوى عام، كما ويدرك أهالي السويداء أهمية السلمية وعدم قدرة النظام على مواجهتها».
وأضاف الشوفي «يدرك أهالي السويداء أهمية عدم الانجرار للعنف، وأن حالة القصف التي تلت مقتل جواد الباروكي ماهي إلا مجرد افتعال أمني من قبل النظام، هدفه إخراج الحراك المدني للسويداء من نطاقه السلمي والمدني، ولم يتبن أي فصيل عسكري محلي هذه الهجمات».
ولفت الشوفي إلى أن الفصائل المحلية في السويداء ومنها «حركة رجال الكرامة» والتي سميت فصائل حماية الأرض والعرض، فلها دور في حماية المدينة ودفع الاعتداء عنها، وهذه مهمتها الأساسية، وما تقوم به هو تطبيق لما أعلنته منذ تأسيسها في 2014 لغاية اليوم، وملتزمة به، كما التزمت بمفهوم «حرمة الدم السوري» وبالتالي رفض أي مواجهة مع سلطة نظام الأسد، أو أي جهة أخرى من المعارضة طالما لم تفرض عليها المعركة، وهذه الفصائل ليس لها أي دور في قيادة أو التأثير على حراك السويداء السلمي، باستثناء مشاركة منتسبين لها في فعاليات الحراك كالمظاهرات أو الوقفات الاحتجاجية، ومن هذا المنطلق لا يوجد أي مخطط من قبل هذه الفصائل لإخراج حراك السويداء عن سلميته، ولا تملك في ذات الوقت تأثيرا لأخذ قرار مواجهة النظام عسكريا.
وفي الإطار، استبعدت الناشطة باسمة عقباني أن تنزلق المحافظة إلى العنف «كما يخطط النظام» وأشارت في حديث مع «القدس العربي» أن «العقلاء ومعظم الناس تعي هذا المخطط ولذلك كانت الدعوة للتعقل وعدم الوقوع في ردة الفعل حيث النظام لا يملك غير العنف والقتل في مواجهتنا ونحن مطالبنا سلمية ونؤكد عليها كل يوم بهتافنا وأغصان زيتوننا وورودنا التي نحملها». ولفتت الناشطة الاجتماعية إلى أن حضور شيخ العقل الشيخ يوسف جربوع الذي يتخذ موقف الحياد إلى العزاء «دلالة الحرص على السلمية وعدم التصعيد وربما التأييد لمطالب المتظاهرين».
وعن مستقبل السويداء وحراكها السلمي قال الشوفي «المخطط العام لحراك السويداء، بسياسييه، ومدنييه، وحالته الشعبية، هو مخطط سلمي، للتماسك في ساحة الكرامة سلميا، والتوسع مدنيا من خلال التجمعات المهنية والنقابية التي باتت ترفض سيطرة حزب البعث عليها وعلى إدارات الدولة، بالإضافة لانفتاح أبناء السويداء على كافة أطياف المجتمع السوري».
الجدير بالذكر، أن نظام الأسد يحاول منذ منتصف الأسبوع الماضي العودة إلى مشهد المدينة من خلال عودة حزب البعث للصورة، ومحاولاته استعادة السيطرة على النقابات المهنية، حيث حاول فرع الحزب في السويداء الإشراف على أعمال المؤتمر السنوي لنقابة المهندسين الزراعيين الثلاثاء الماضي، الأمر الذي قابله المحتجون بإضراب شامل، والتظاهر أمام فرع الحزب في المدينة وتمزيق أعلام البعث وصور رئيس النظام بشار الأسد، كما اقتحم المتظاهرون مقر الشعبة الشرقية التابع للبعث.
وبموازاة هذا التطور، وقبل يوم من إعادة النظام افتتاح مركز التسوية ومقتل جواد الباروكي، لوح نظام الأسد من خلال وكالة الإعلام الرسمية التابعة له «سانا» باستخدام تنظيم «الدولة الإسلامية» لمواجهة الحراك المدني لأهالي السويداء، وقالت الوكالة إن «الجهات المختصة ضبطت مستودعًا كبيرا للذخيرة في بادية السويداء، يستخدمه مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية لإمداد مجموعاته في اعتداءاتهم على المناطق الآمنة في المنطقة الجنوبية من سوريا» الأمر الذي أثار مخاوف الأهالي من عودة نظام الأسد لاستخدام التنظيم كأداة تطييع المدينة كما حدث فيما يسميه أهالي السويداء «الأربعاء الأسود» منتصف 2018.
ويذكر أن الأفرع الأمنية الأربعة تستخدم منذ نهاية عام 2022 صالة 7 نيسان كمركز للتسويات الأمنية للسكان، إلا أن المركز أغلق بضغط من المحتجين في شهر تشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي، إلا أن النظام أعاد افتتاحه قبل أسبوع، ما أثار غضب المحتجين في المدينة، والذين بدأوا بالتظاهر أمامه بشكل سلمي.