إن استعمال الاسد للسلاح الكيميائي يتحدى الولايات المتحدة وبخاصة بازاء تعريف الرئيس اوباما لهذا الاجراء بأنه ‘خط احمر’. إن الامتناع عن التدخل قد يعتبر ضعفا امريكيا ويضعف مكانة الولايات المتحدة التي أخذت تضعف أصلا في العالم عامة وفي الشرق الاوسط خاصة. والى ذلك فان ضبط النفس مع اجتياز هذا الخط الاحمر قد يجعل استعمال السلاح غير التقليدي أمرا معتادا. وبرغم ذلك قد يتبين ان تدخل الولايات المتحدة في سوريا خطأ، فمسألة استعمال السلاح الكيميائي ليست هي المشهد العام. يجب على الولايات المتحدة قبل ان تستعمل جيشها وترسل جنودا للمعركة ان تسأل نفسها من يقابل من في الحرب في سورية، اذا كان يوجد منطق عسكري في الوقوف الى جانب هذا الطرف أو ذاك؟. إن الولايات المتحدة علمتها التجارب، فقد واجهت الغزو السوفييتي لافغانستان حينما كان الاتحاد السوفييتي عدوها الرئيس، لكن القوة التي رعتها كانت طالبان وهي النظام الاسلامي المتطرف الذي أصبح عدو الغرب الأول وعدو الولايات المتحدة نفسها في الأساس. وأسقطت الولايات المتحدة سلطة صدام حسين المستبدة لكن الحكم الشيعي جعل العراق حليفا لايران ولنظام الاسد. خلافا للأوهام الرومانسية في بدء الهبة الشعبية في سوريا قبل أكثر من سنتين، أصبح واضحا اليوم أن ليس الحديث عن نضال لباحثين عن الحرية والسلام. فهذه حرب بين أشرار وأشرار، وبين جهات مختلفة لا تُتهم واحدة منها بصلة ما بالديمقراطية والتوجه الغربي. وأساس الصراع هو حرب دينية بين الاسلام الشيعي والعلوي وبين الاسلام السني، في وقت أصبحت فيه رأس الحربة هي أكثر الجهات تطرفا في الطرفين حزب الله في الجانب الشيعي والقاعدة في الجانب السني. ولا يستطيع أحد الطرفين ان يكون حليفا للولايات المتحدة وليس ما يدعو الولايات المتحدة الى مساعدة واحد من الطرفين في هذه الحرب. يجدر استخلاص الدروس بدل التدخل. والدرس المركزي هو فهم جوهر الشرق الاوسط ومعنى التهديدات لحليفتها الحقيقية اسرائيل. إن الوحشية الفظيعة وعدم وجود حدود عند الطرفين في الذبح المتبادل في سوريا تشهد بما ينتظر اسرائيل المحاطة بقوى الكراهية هذه التي تراها نبتة غريبة في الشرق الاوسط ولا تُسلم بوجودها، اذا أصبحت ضعيفة. فمن هنا يُستنتج أنه يجب على العالم المستنير وفي مقدمته امريكا ان يؤيد اسرائيل وحاجاتها الامنية الضرورية وهي جيش قوي رادع، وتحقيق حقها في حماية نفسها من الارهاب، واحتكار ذري وحدود قابلة للدفاع عنها. إن استعمال الاسد للسلاح الكيميائي يقتضي تدخلا امريكيا لكن لا في سوريا. إن حقيقة ان الاسد لم يحجم عن استعمال هذا السلاح تشهد على ثقافة عدم وجود خطوط حمراء في الشرق الاوسط، ويُستنتج من هنا انه ينبغي منع نظم حكم كهذه القدرة على التسلح بسلاح ابادة جماعية. وكما استعمل الاسد السلاح الكيميائي الذي في حوزته، قد يستعمل النظام الايراني السلاح الذري ايضا. إن الدرس الامريكي من تجاوز الاسد للخط الاحمر هو عملية عسكرية للقضاء على برنامج ايران الذري، فقد استنفدت الدبلوماسية والعقوبات نفسها. وتستطيع عملية عسكرية فقط الآن ان توقف ذلك. واذا لم تجد اسرائيل مناصا فستضطر الى ان تفعل ذلك بنفسها، لكن ينبغي أن نأمل ألا نبلغ الى هذا الوضع. التزم اوباما في زيارته لاسرائيل بألا تملك ايران سلاحا ذريا. ويحرص المقربون منه على ذِكر ان الرئيس لا يخدع. فقد حان الوقت لانهاء ألعاب تسويف ايران والعمل.