سورية: المجتمع الدولي يريد طبخة على ذوقه.. فرنسا نموذجا

حجم الخط
0

يبدو أن في الأزمة السورية أطراف تتوقع أنها تستطيع أن تدلي بدلوها في الموضوع، على نحويوهم المراقبين بعودة فترة الوصاية والانتداب، وباقي أشكال تحكم القوى العظمى في الدول التي ترى فيها مجالا لممارسة نفوذها.
وتبلغ القضية حدّ الذروة عندما يتعلق الأمر باحد أكثر المسائل حساسية في الموضوع السوري، وهو تسليح المعارضة.
مجرد هذه العبارة، تسليح المعارضة، تعطي الانطباع بأن هذه الأخيرة موحدة توحيدا مثاليا، يتميز بانضباط في الصفوف خارق، يكرسه وفاق حول شكل الدولة السورية لما بعد الأسد، الذي سيرحل طبعا حسب هذا المنطق- في الساعات القليلة القادمة، فلا خوف عليكم ولا تحزنوا…
لم نتوقع ان الأمور بمثل هذه البساطة… ونسعد جدا أن تكون الدبلوماسية الغربية، والفرنسية تحديدا، على هذه الدرجة من الثقة بالنفس في مآل سورية المستقبلي، بحيث يخيل إلينا أن الرئيس السوري القادم لن يكون سوريا، بل قد يصبح لوران فابيوس نفسه..
فعندما نسمع مختلف تصريحات الخارجية الفرنسية، يبدو وكأننا إزاء أشخاص عاشروا ورافقوا مكونات المعارضة السورية منذ زمن بعيد، وكأن الصورة الماثلة امامنا صورة رفاق الدرب الذين خبروا أطوار الحياة بحلاوتها ومراراتها، فمكنهم سقوط النظام الوشيك من التحضير لحفلة تجدد اللقاء بعد فراق طويل. وبينما يؤدي ممثلو الملهاة أدوارهم على أكمل وجه، تتواصل المأساة على الأرض بالعيار الثقيل حقيقة، لا مجازا.
ذهلنا عند قراءة الصفحات الدولية لجرائدنا الفرنسية التي تشرح لنا في نهاية هذا الأسبوع كيف يتعاون سفير فرنسا السابق في سورية والجنرال سليم إدريس في مسح خريطة لمختلف فصائل المتمردين، بغية ‘تجنب سيناريوعلى الطراز الأفغاني، يتمثل في تسليم صواريخ أرض جو لجماعات جهادية خليقة باستخدامها لضرب مصالح غربية، إسرائيلية خاصة’، كما ذلك ورد في صحيفة ‘اللوموند.’
نحن لا ننكر صدق النوايا في هذه الخطوة، كما لا ننكر الجهود المبذولة لعدم تسليم السلاح إلى ما بات يسمى بالأيدي الخاطئة، إن كانت هذه تتوخى فعلا استبدال نظام استبدادي بآخر من الطراز نفسه أو ربما أسوأ.
ولكن نتعجب عندما نرى دبلوماسية بلدنا واثقة من أن لا سلاح يمكن أن يقع حيث لا ينبغي له أن يقع. كأن دبلوماسيينا ينسون أن سورية صارت الآن أرضا ‘مستباحة’، وبأنه يمكنها، كأية أرض ‘مستباحة’، أن تكون مجالا لسباق على السلاح من كل حدب وصوب. إنها الحرب، أيها السادة الدبلوماسيون، والحرب، ككل الحروب، لا تحمل في جعبتها ما هو قابل للتوقع والتخطيط.
طبعا، ننوه بما نقرأ من أن الجبهة الجنوبية لدرعا، مسقط رأس أول انتفاضة سورية سلمية، في 30 نيسان/أبريل 2011، عاشت مؤخرا تجربة أبرزت أن مقاتلين مشهودا لهم بتوجهاتهم الليبرالية تسلموا أسلحة كرواتية مولتها المملكة العربية السعودية، وقد تمكن هؤلاء المتمردون من التقدم ميدانيا، رغم العراقيل التي يشكلها انخفاض منطقة الدرعا وقربها من العاصمة.
كما لا يفوتنا التنويه باسترجاع الثوار لمدينتي بصرى وإنخيل بريف درعا، وهو ما لم يقع الحديث عنه كثيرا لانشغال وسائل الإعلام بسقوط القصير.
لكن ثمة أمرين، على الأقل، فاتا الكثيرين :
-الأول أن المعارضة السورية فصائل وتيارات وألوية وكتائب وسرايا… وأن المعارضة السورية مدنية وعسكرية، وأن المعارضة السورية ذات توجه فكري- سياسي- إيديولوجي، سمه ما شئت، غير أحادي…
ولهذا نستغرب كثيرا كيف أن دبلوماسيينا فاتتهم هذه النقطة، وكأن لوران فابيوس وفرانسوا هولاند وباراك اوباما وغيرهم يخيل إليهم أنهم هم من سيطبخون ‘الكعكة’ ثم يقررون – متى يطيب لهم – من سيكون له منه نصيب ومن سيعود إلى بيته بخفّي حنين…
نتعجب لدى سماع وزير خارجيتنا يحذر من ألا يقع تسليم السلاح إلى ‘أي أحد’ على حد تعبيره- وكأنّه مثله مثل الأستاذ الذي يكافأ الطلاب على قدر تفاعلهم مع الدرس- أعد تصنيفه سابقا ويعلم جيدا مَن من هذه الفصائل والألوية والكتائب يستحق تسليم السلاح ومن لا يستحق..
أما الأمر الثاني الذي يبدو أنه فات سادتنا الكرام أيضا فهومن الأهمية بمكان: سورية بلد مستقل ولن تسمح أبدا هذه المكونات ذات الطيف الواسع جدا التي ذكرناها أن يحسم مصير سورية نيابة عنها.

‘ كاتب فرنسي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية