سورية: بؤس اليقين واليقين المضاد

حجم الخط
1

أمريكا كذبت قبل حرب العراق بشكل سافر: فبركت قصّة رابع جيشٍ في العالم، أسلحة الدمار الشامل العراقيةô
الأكثر نفاقاً وخبثاً ربما: أمريكا والغرب كانت على دراية تامّة ومباشرة بأن صدام حسين استخدم السلاح الكيماوي في حلبجة، ولم تقل حينها شيئا، لأنه كان آنذاك، بكل بساطة، حليفها في الحرب ضد إيران.
ألم تفضّل دول الغرب عموماً، بأنانية جليّة، أن تتحوّل الثورة السورية رويداً رويداً إلى حرب لا مباشرة بين أعدائها التاريخيين (إيران وحزب الله من جهة، والقاعدة من جهة أخرى)، تراقبها وهي تفرك أيديها، كمن يراقب من رأس الجبل ضبعان يتقاتلان في أسفل الوادي؟
ثم، من دافع دوماً في السراء والضراء عن إسرائيل، بكل جرائمها، غير أمريكا؟
باختصار: من يصدق ويثق بكل ما تقوله أمريكا إما مترزِّقٌ منها حليفٌ لها، أو غبيٌّ أكثر من اللازم.
بالمقابل، طغاتنا العرب مجرمون استثنائيون قادرون على أبشع المجازر.
ألم يطلق صدام السلاح الكيماوي على شعبه في حلبجة؟
هل ابن حافظ الأسد أكثر نبلاً من صدام؟…
السؤال الذي يتناساه البعض والذي أودُّ توجيهه للجميع:
إذا تأكد (من مصادر مستقلة موثوقة) أن بشار استخدم السلاح الكيماوي (بعد الطائرات والدبابات والصواريخ الذي أطلقها على شعبه، والذي لا ينكر أحد نتيجتها: 100 ألف قتيل)، ماذا يلزم أن نقول عنه؟
ألا يلزم أن يردّ عليه العالَمُ أجمع (باستثناء أمريكا وإسرائيل اللتين تجاوزته بجرائمها) لتأديبهِ على جرائمه بحقّ الإنسانية؟ لتأديبهِ هو شخصيّاً، وليس الشعب السوري الذي يحتاج للدعم والإنقاذ…
ألا تلزم محاكمته كمجرم حرب، شأنه شأن ميلوزوفيتش؟…
لنتذكّر يوميا هذا الرقم الذي يلزم أن يكون هوسَنا اليومي: 100الف قتيل!
أخشى، بسبب ثقافة تقديس الطاغية وعدم مقدرة المواطن العربي غالباً على اجتثاث عقلية الإعجاب به والخضوع له، أنه سيوجد دوماً، رغم كل ذلك، من سيظلّ يغني: اشبيحة إلى الأبد، من أجل عيونك يا أسد!’ô الخوف من الحاكم العربي يشبه خوف الطفل الذي انتُهِكت محارمه من الأب المغتصِب: جذريٌّ يصعب استئصاله.
لا يوجد في الحقيقة أصعب من اجتثاث هذا الرعب من الضحية، وتحريره من السطوة النفسية الديكتاتورية للأب المنتهِك للمحارم.
لذلك ربما كان لـبطائر الخرابب (في الرواية التي تحمل هذا الاسم) وجهان في نفس الوقت: هو منتهك محارم، وزعيمٌ سياسيٌّ في نفس الآن!ô
لاحظتُ تجليات ذلك الرعب النفسي، المستوطِن في الضحية، في أكثر من طرح، لاسيّما في سؤالٍ أذهلني، حول منشور كتبته عن سورية.
سأل حينها صديق عزيز: ألم تعاند الثورة السورية لأكثر من سنة ونصف في الأسد؟
سيجد المحلل النفسي في كلمة: اعنادب ما يلخص مأساة ضحية انتهاك المحارم الذي يشبُّ ويكبر وهو يكره نفسه، كما يقول علماء النفس. يجد ألف تبرير وتبرير لجريمة المنتهِك، ويعتقد دوما أنه هو نفسه علّة تراجيديته الحميمة، وليس المجرم المغتصِب!
ما يعقد الموضوع كثيرا في شأن سورية هو أن أنظمةً أبشع من سورية بكثير (التي لها مع ذلك محاسن كبيرة في دعم اللغة العربية على سبيل المثال، في مكافحة الفكر الظلامي وتكريس المدنيّة، وغير ذلك)، أنظمةً تستحق أن يُثار عليها قبل سورية وأكثر منها ربما، تُرسِل الجهاديين وأبشع الظلاميين إلى سورية للقتال باسم دعم الثورة السورية!…
لكل ذلك: محنة سورية من أصعب المواضيع وأكثرها حاجةً للنقاش الوفير والجدل…
تعقيدات ثورتِها تستحق المزيد من التأمل والتفكير قبل الاتهام والاتهام المضاد، اليقين واليقين المضاد…

‘ كاتب واكاديمي من اليمن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول فرید زرگانی اهواز- ایرا ن:

    الا فترا ض سقط نظا م الا سد ما ذا یحد ث فی سور یا للکل وا ضح ابتد ا حر ب اهلییه اشر س و اکثر حقد آ و کر ا هیه و ثا ر من الحا ل و یمتد ها ذ ا ا الحر ب الی ز من ما یتفسر ( حرب البسو س الثا نیه ) ا مر یکا و اسرا ییل ضا ربه عصفو رین بحجر واحد 1- ضرب سور یا وربما حلفا ها بما ل عر بی و د م عر بی !!! 2- ا نشغا ل دول المنطقه بلا رها بین و یصبح هنا و هنا ک نزا ل د مو ی بین الا ر ها ب و د ول المنطقه القتله عرب مسلمو ن و لد یا ر دیا ر العر ب و اسر اییل به اما ن و لسلا م

إشترك في قائمتنا البريدية