أكيد لم يكن بوارد الشباب الذين فجروا الثورة أن يدخل على خطها كل هذا الثقل الناجم عن تدخل كثيف لقوى إقليمية وخارجية تتصارع في مشاريعها، وكلّ يريد سحب الوضع لصالحه، أو إيجاد مرتكز ما له.. ولو بكمشة عملاء، او كم قبضاية يحملون السلاح.. أو بالذي أكثر: في محاولة للاستحواذ على القرار السوري وتجييره وفق المطلوب في رؤى ومواقف تلك الجهات .. ـ الثورة التي فجّرت خزين التراكم.. بعد عثود التهميش والتغييب، واغتيال الحريات، والكرامة، والعدل، والحقوق.. لخصت شعاراتها بوعي شامل لإرادة السوري وتوقه.. وتصور كثير أن طغمة الإجرام والفئوية ستذعن لمطالب الشعب وضغطه السلمي.. وأقل ذلك الاستجابة لعدد من الأهداف المطروحة.. وكان العكس هو الردّ.. ـ الطغمة خططت، والطغمة عبّرت بجلاء عن أن الذي يجري مجرد فتنة ومؤامرة. الفتنة في تعريفهم: سوق البلاد إلى المطحنة الطائفية، وتصوير الثورة على أنها فعل سني، أو لبعض السنة ضد بقية الشعب.. وقصة المؤامرة حاضرة أبدياً مع كل نسمة ريح، أو حركة ولو عفوية، بسيطة.. ـ استنجدوا منذ البداية بإيران عبر أشكال مختلفة من التدخل، وكانت روسيا حاضرة ـ لأسباب كثيرة ـ كي تمدّهم بالمساندة العسكرية والسياسية، ومارسوا فعل القنص والاغتيال، والاغتصاب، الاعتقال المميت لدفع الشباب لحمل السلاح كي تتحول الثورة إلى العَسكرة فيصبح الأمر قتــــالاً بين فريقين.. بميزان قوى مختل لصالح الطغمة، وكي تضطر الثورة أكثر فأكثر لطلب العون من خـــــارجها.. لأن السلاح مكلف، ويستحيل على القدرات الذاتية التكفل به، ولأن طغيانه يعني الدخول في غابة كثيفة الأشجار، عديدة الممرات والدروب الفرعية، وتسمح لكل تاجر، وجهة ولوجه ..ويمكن سرقة الثورة، أو حرفها، كما يمكن السيطرة على قرارها لصالح هذه الجهة أو تلك .. ـ الطغمة التي تتاجر بشعارات الوطن، والممانعة.. كانت خائنة لهما على طول عقود حكمها، وهي أكثر تبجحاً، وعهراً سياسياً فيما تطرحه من تهم، وما تمارسه من فعل استقدام الخارج والاستناد إليه، والثورة التي غلب عليها الطابع العسكري باتت في الزاوية الحرجة لخلق ميزان جديد من القوى.. استلزم، ويستلزم مزيد العون من الشقاء والأصدقاء.. ثم انفلات الحبال على مشارق الأرض ومغاربها طلباً للمزيد، والمزيد مشروط بخطط هؤلاء، والمزيد ممنوع، وتعديل ميزان القوى ممنوع أيضا، ودونه ما يُراد لبلدنا من استمرار الاستنزاف، وتدمير الدجولة، وتصعيد التوترات الطائفية وصولاً للاحتراب المباشر.. ـ قد يبرر كثير من السوريين صمتهم، أو بلعهم لمستوى التدخل الخارجي في شؤونهم، بما فيها التفصيلية، وبطريقة فجة.. فينزلقون.. وحين يحدث الانزلاق من قوى معارضة ترفع شعارات الاستقلالية والقرار الوطني .. تصبح كل الدروب سالكة لأنواع صاخبة، ومعيبة من التدخلات.. ويصبح أمر الحفاظ على استقلالية القرار الوطني عملية مكلفة وتحتاج جهوداً مخلصة من الوطنيين السوريين، وإنتاج بدائل ربما استغرقت وقتاً بالاعتماد على الذات، وبناء معادلة جديدة. ـ اليوم.. وقد باتت بلادنا مسرحاً لتصارع عديد المخططات .. ـ اليوم وقد انكشفت اردية وشعارات أصحاب القرار.. ومراوغاتهم، وتبدّل اشتراطاتهم المتنقلة .. ـ اليوم وقد بات التدخل في شؤوننا سافراً، ووقحاً، وتفصيلياً.. اليوم وقد سقطت الرهانات على الرهان.. ولم يبق سوى الاعتماد على ارادة وقدرات شعبنا بالأساس، والمخلصين من الأشقاء والأصدقاء الذين يدعمون دون فرض تدخلاتهم.. لم يبق للوطنيين السوريين إلا أن يلتقوا حول المشتركات الكبيرة.. ليحموا حرية، وسيادة واستقلال البلد من مخاطر فعلية صارت مرتسماتها كبيرة على الأرض، والتي تنحو باتجاه تقسيمي وتفتيتي.. وبما يفتح شهية عديد المجموعات الإثنية والطائفية المضي قدماً في مشاريعها النائمة، أو المستيقظة بقوة ما تلقاه من دعم، وما تعيشه الثورة من صعوبات . ـ اليوم.. تحتاج الثورة لوقفة جادّة تقوّم فيها مسارها وأوضاعها لإنتاج رؤيتها السياسية، وبرنامجها على ضوء التطورات، وفي وثائق القاهرة للمعارضة السورية ما يشكل مرجعية مهمة . عقاب يحيى