أسلاك شائكة يعلوها الصدأ، وبقايا كنيسة تم هدمها لأنها كان تقطع “شريط الموت”، وبرج مراقبة مفكك كان يستخدمه حرس الحدود في ألمانيا الشرقية (سابقا): من الوهلة الأولى، يبدو أن هذا المكان ممتلئ بخليط من الأطلال.
ولكن عندما يبدأ مانفرد فيشمان في شرح كيفية ارتباط كل هذه الآثار بسور برلين، فإن المرء يتخيل تاريخ تقسيم ألمانيا وقد عادت إليه الحياة.
وفيشمان هو أمين متحف “مؤسسة جدار برلين”، ويقوم بإرشاد زائرين وسط مجموعة من بقايا الجدار في مساحة تقترب من ملعبين لكرة القدم بالقرب من موقع النصب التذكاري للجدار في شارع براونر شتراشه.
إنها مجموعة فريدة، فقد جمعت المؤسسة نحو 350 قطعة أصلية من السور تم العثور عليها أثناء أعمال إنشاءات منذ بدأ انهيار الانقسام بين الألمانيتين عام 1989.
ومن بين كثير من الأشياء المعروضة، يوجد تمثال نصفي للجندي إيجون شولتس، من ألمانيا الشرقية، والذي قُتل عن طريق الخطأ جراء تبادل زملائه إطلاق النار مع أشخاص كانوا يحاولون مساعدة الفارين.
واستغلت ألمانيا الشرقية مقتله في الدعاية، واعتبرت أنه كان ضحية للغرب. ولسنوات بعد انهيار الجدار، ظل التمثال الحجري مُخزّنا في قبو تابع للشرطة بمدينة روستوك شمالي البلاد.
وقليل من تلك القطع الشاهدة على التاريخ تم وضعه داخل أقفاص كبيرة من الأسلاك، تحت سقف بدائي الصنع. أما غيرها، بما في ذلك أبراج الإضاءة وعلامات ترسيم حدود والأساسات الخرسانية وأكشاك أبراج الحراسة، فلا تزال ملقاة في العراء.
كان طول حائط برلين حوالي 160 كيلومترا، يحيط ببرلين الغربية، وكان يفصلها عن برلين الشرقية وريف ألمانيا الشرقية المحيط بها. وكان ما لا يقل عن 140 شخصا لقوا حتفهم خلال محاولات عبور السور إلى برلين الغربية.
ويقول فيشمان، وهو مؤرخ ومسؤول عن الأرشيف والمجموعة المملوكة لمؤسسة الجدار منذ عام 2012: “كلما ابتعدت الأيام التي تواجد فيها الجدار والتقسيم، كلما أصبحت القطع الأصلية أكثر أهمية”. ويأمل في أن يكون قادرا على رواية قصة كل قطعة. ويعتبر أن هذا “يظهر الأهمية التاريخية”.
ولفت إلى أن الجمع بين القطعة واللمسة الإنسانية، مثل رواية شاهد عيان أو صورة فوتوغرافية، يساعد الناس الذين لم يعاصروا تقسيم ألمانيا على إدراك تداعيات الحدث. ويؤكد: “حتى أنا، ما أزال أتعلم هذا التاريخ”.
وعلى مدار العامين الماضيين، قام فيشمان بتجميع مخزون من البيانات، ويعتزم البدء في تشرين الثاني/نوفمبر من العام المقبل، في إتاحة معلومات عبر الإنترنت عن القطع الموجودة، وذلك في الذكرى الثلاثين لسقوط الجدار.
ويبدو أن المكان لم يتم تجهيزه بعد لاستقبال الجمهور، رغم أنه يستقبل بعض الزوار في جولات خاصة من حين لآخر.
وفي إحدى هذه الجولات الأخيرة، أشار فيشمان إلى بوابة حديدية ضخمة يكسوها الصدأ.
وظلت البوابة مختفية دون أن يلحظها أحد لمدة 25 عاما داخل حفرة في منطقة تريبتو، شرقي برلين. وقد اكتشفها فيشمان نفسه بينما كان يتريض. كانت البوابة جزءا من حاجز على سكك حديدية تقود إلى برلين الغربية. ومن خلال البحث، توصل إلى أنها كانت تُفتح مرة واحدة في الأسبوع، في ظل إجراءات أمنية مشددة، للسماح بمرور قطار واحد يحمل الفحم. وعلى الجانب الألماني الشرقي من الحدود، كان هناك ضباط شرطة وقوات حدود على متن القطار.
ويرتبط الجدار بصورة أكبر بالألواح الخرسانية التي تم تفكيكها ونقلها بعيدا في عام 1989، لبيعها أو التخلص منها، أو تكسيرها. إلا أن فيشمان يوضح أن “الجدار لم يكن دائما كذلك”. وأنه في البداية، كانت الحواجز الأولية مصنوعة من أسلاك شائكة، بهدف إبعاد الناس. كما كانت هناك كتل من الخرسانة خفيفة الوزن التي تم بناؤها في مكانها.
ويروي فيشمان: “بعد كل حادثة تسلل، كان يتم تدعيم الجدار، أحيانا فوق القديم. وفي نهاية سبعينيات (القرن الماضي) فقط، اكتمل بناء الجدار بإضافة كتل خرسانية عمودية ضخمة”.
(د ب أ)