بغداد ـ «القدس العربي»: في الوقت الذي يتسابق فيه سياسيون عراقيون على إعلان تأييدهم لما جاء في بيان رجل الدين الشيعي البارز علي السيستاني، وما حمّله من ملاحظات بشأن آلية إدارة البلاد بعيداً عن التدخلات الخارجية والفساد والسلاح المُنّفلت، عقد الممثل الأممي الجديد في العراق، محمد الحسّان، عقب عودته من النجف، سلسلة لقاءات مع رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني وسياسيين، لبحث ما دار في كواليس اجتماعه بـ«المرجع الشيعي الأعلى».
وترى الحكومة أن تشخيص السيستاني هو ضمن برنامجها الحكومي الذي تعمل على تنفيذه.
وحسب بيان لمكتب السوداني، فإن الأخير استقبل، أمس، الحسان، حيث تمّ «استعراض العلاقات والبرامج المشتركة بين العراق والمنظمة الدولية، وسبل المضي بها في ضوء الاتفاق على إنهاء مهمة (اليونامي)».
وجرى خلال اللقاء أيضاً «البحث في آخر تطورات الأوضاع في المنطقة، وما يحدث من عدوان على غزّة وجنوب لبنان، واستمرار حرب الإبادة الجماعية التي يمارسها الصهاينة».
عون للعراق
وأشاد رئيس مجلس الوزراء بما قدمته بعثة الأمم المتحدة من «عون للعراق في مواجهة التحديات عبر السنوات التي تلت عام 2003، وأبرز المنعطفات والمصاعب التي مرّ بها الشعب العراقي، وأهمية ما طرحه سماحة المرجع الأعلى السيد السيستاني خلال استقباله الحسان، من تشخيص لاحتياجات العراق والرؤى الواقعية لتطلعات الشعب العراقي، التي أوجزتها الحكومة في أولويات برنامجها العامل والجاري تنفيذه» طبقاً للبيان.
وفي أعقاب ذلك، ذهب المسؤول الأممي للقاء زعيم ائتلاف «دولة القانون» والأمين العام لحزب «الدعوة الإسلامية» نوري المالكي، أبرز أقطاب «الإطار التنسيقي» الشيعي الحاكم في العراق.
بيان لمكتبه أفاد أن اللقاء شهد بحث «آخر تطورات الأوضاع السياسية والاقتصادية في العراق ودور الأمم المتحدة في ترسيخ الأمن والاستقرار في المنطقة، كما تم مناقشة ما يحدث من عدوان على غزّة وجنوب لبنان، واستمرار حرب الإبادة الجماعية التي يمارسها الصهاينة».
وقال رئيس «ائتلاف دولة القانون» إن «المنطقة تشهد تحديات خطيرة آثار العدوان الصهيوني المجرم على لبنان وفلسطين» مؤكدا «موقف العراق الداعم للقضية الفلسطينية وحق الفلسطينيين في تقرير المصير وإقامة دولتهم المستقلة، والتضامن مع الشعب اللبناني في مواجهة العدوان».
واشار إلى «عمق العلاقة بين العراق والأمم المتحدة» مبينا «رغبة جميع القوى السياسية على ترسيخ الأمن والاستقرار في البلاد وتحسين الأوضاع المعيشية والخدمية للمواطن العراقي» وهي أبرز ما طرحه السيستاني خلال لقائه الحسّان.
وحول التصعيد الخطير في المنطقة، دعا رئيس ائتلاف «دولة القانون» الأمم المتحدة إلى «لعب دور أكبر لإيقاف العدوان على الشعبين الفلسطيني واللبناني وتقديم المساعدات الضرورية للنازحين، والعمل على ترسيخ الأمن والسلام» مستنكرا «الصمت الدولي إزاء المجازر الصهيونية التي ترتكب بحق الشعبين الفلسطيني واللبناني».
فيما أعرب الحسان عن سروره في العمل في العراق ممثلا للأمين العام، معربا عن أمله في «بناء علاقات متينة تسهم في تحقيق أهداف المنظمة الأممية في تقديم المساعدة للعراق في مختلف المجالات».
السوداني: الحكومة ماضية في تنفيذ تشخيص المرجعية لاحتياجات البلاد
ويرى سياسيون عراقيون في بيان السيستاني الأخير أنه رسم خريطة طريق لإدارة الحكم في العراق، فضلاً عن كونه رسالة للأحزاب النافذة التي تقدّم مصالحها الخاصة على المصلحة العامة.
الوزير السابق ورئيس تحالف «مستقبل العراق» باقر الزبيدي، يرى في رسائل مرجعية النجف أنها «بدأت بالتأكيد على أخذ العبر من التجارب السابقة، وحمّل النخب الواعية المسؤولية في تجاوز الإخفاقات وهو تذكير بمقولة (المجرب لا يجرب) والتي الّتفت عليها بعض الأحزاب واقنعوا بعض الجمهور الغافل بإعادة انتخاب الوجوه التي تسببت بالخراب والفساد».
ويشير في بيان صحافي أصدره مكتبه أمس، إن «الرسالة الأخرى كانت التأكيد على إعداد خطة عملية وعلمية لإدارة البلاد واعتماد مبدأ الكفاءة والنزاهة وهي أول الخطوات للقضاء على المحاصصة» فيما اعتبر أن «الرسالة الأهم كانت منع التدخلات الخارجية وتحكيم سلطة القانون وحصر السلاح بيد الدولة ومكافحة الفساد على جميع المستويات، وهي ترسم خريطة الطريق لإصلاح العملية السياسية والانطلاق بعملية البناء». وأوضح أن «هذه الرسالة موجهة لفئة مصرّة على تغليب مصلحتها على مصلحة العراق دولةّ وشعباّ، وهي الفئة التي راهنت على الفرقة والتفرقة وتسبب فسادها وقراراتها الخطأ في نكسات وأزمات كبرى دفع العراقيون ثمنها غاليا» مبيناً أن «المسؤولية الآن تقع على عاتق الشعب والنخب والكفاءات في اختيار الأصلح، حسب توصيات المرجعية ومنع كل فاسد من التحكم بمقدرات البلاد».
ووفق الزبيدي فإنه «سيحاول البعض الالتفاف على رسائل المرجعية وتفسيرها بما يتناسب ومصالحه الشخصية، وهذه المحاولات ستفشل لأن المرجعية العليا حددت وبشكل واضح القواعد الأساسية لعملية الإصلاح» مستدركاً بالقول: «نحن اليوم أمام الفرصة الأخيرة لنقف مع بلادنا وشعبنا وتغليب المصلحة العامة على الخاصة من أجل مستقبل أفضل للعراق والعراقيين».
كلمة فاصلة
في حين، يعدّ المتحدث باسم كتلة «الصادقون» النائب محمد البلداوي، موقف السيستاني أنه يمثل كلمة فاصلة وموقفًا ثابتًا داعمًا لكل العراقيين في مختلف الظروف.
وأشار في «تدوينة» له إلى أن السيستاني «كان دائماً مرشداً في تحديد المسار الصحيح للوطن، واضعًا نصب أعين الجميع معايير واضحة لضمان مستقبل مستقر وآمن للعراق» منوهاً بأن «توجيهاته السديدة تشكل خريطة طريق تمنع أي انحراف عن مسار بناء دولة قوية ومستقلة».
وأكد البلداوي الذي ينتمي لحركة «عصائب أهل الحق» بزعامة قيس الخزعلي، ضرورة «بذل المزيد من الجهود لتحقيق الأهداف الوطنية، وذلك من خلال وضع خطط علمية وعملية تعتمد على الكفاءة والنزاهة كأساس للعمل العام» مشدداً على أهمية «منع التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية للبلاد، وحصر السلاح بيد الدولة، والعمل الجاد على مكافحة الفساد بجميع أشكاله ومستوياته».
وكان حزب «الدعوة الإسلامية» قد أعلن التزامه بتوجيهات المرجعية، مؤكدا أنها خارطة طريق واضحة ومرشدة لبناء دولة المؤسسات.
وعبّر بيان للحزب عن «التزامه الكامل بالتوجيهات القيّمة التي وردت في بيان (السيستاني) عند استقباله ممثل الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس بعثتها في العراق (يونامي) محمد الحسان» معتبراً أن «تلك التوجيهات تعد خارطة طريق واضحة ومرشدة لبناء دولة المؤسسات وفق معايير الكفاءة والنزاهة، ولحفظ الأمن والاستقرار في البلاد في ظل الظروف الإقليمية والدولية العصيبة، وتحسين الظروف المعيشية للمواطنين وتحقيق الرفاه والازدهار لهم».
ودعا جميع القوى الإسلامية والوطنية والحكومة إلى «صياغة برامجها وسياساتها ومواقفها في ضوء ما جاء في بيان مكتب السيد السيستاني، الذي عبّر عن المصلحة الوطنية العليا، وحدد تحديات الواقع وسبل الاستجابة لها والتصدي لأزماتها».
ووفق بيان الحزب فإن «من مسؤولية القوى الفاعلة والنخب المخلصة أن تمارس دورها في ترجمة تلك التوجيهات إلى واقع عملي ملموس عبر القوانين والإجراءات والمشاريع».
كذلك، أعلن رئيس تحالف «قوى الدولة الوطنية» عمار الحكيم، تأييده لما جاء في بيان السيستاني، مؤكداً في بيان إنه «يمثل خريطة طريق شاملة تعكس رؤية المرجعية الأبوية لمصلحة العراق وشعبه من جهة، ومصالح شعوب المنطقة والعالم في خضم الأحداث المتسارعة من جهة أخرى».
وأضاف: «من هنا نعلن تأييدنا المطلق لجميع النقاط الواردة في تأكيد ومطالبة سماحته الأمم المتحدة بالعمل على تعزيز مكانة العراق في محيطه الإقليمي والدولي وتنفيذ الأولويات».
سنّياً، ربط تحالف «السيادة» بزعامة خميس الخنجر، ما ورد في بيان السيستاني ببنود ورقة الاتفاق السياسي التي تشكّلت على أساسها حكومة السوداني.
وذكر التحالف في بيان صحافي، إن توصيات المرجع الديني «دعوة لتنفيذ بنود ورقة الاتفاق السياسي» مبيناً إنه تابع «باهتمام بيان (السيستاني) وما ورد فيه من توصيف دقيق لواقع الأزمات والتحديات الكبيرة التي يواجهها العراق وشعبه في الوقت الحاضر، وتوصيته أن يأخذوا العبر من التجارب التي مروا بها ويبذلوا قصارى جهدهم في تجاوز إخفاقاتها».
وأشار إلى أن بيان المرجعية «إذ يؤكد على مبادى وطنية جوهرية مثل اعتماد مبدأ الكفاءة والنزاهة في تسنم مواقع المسؤولية؛ ومنع التدخلات الخارجية بمختلف وجوهها؛ وتحكيم سلطة القانون؛ وحصر السلاح بيد الدولة؛ ومكافحة الفساد على جميع المستويات؛ وبذلك فإن رؤية سماحته تمثل دعوة لتنفيذ بنود ورقة الاتفاق السياسي والبرنامج الحكومي، الذي صوت عليه مجلس النواب؛ والذي يجد تحالفنا فيه وصفة لتحقيق قيم الاستقرار والعدالة والتوازن التي تصب حتما في صالح الشعب ومؤسسات الدولة والنظام السياسي».
ودعا التحالف في بيانه شركائه من القوى السياسية إلى «اعتماد رؤية سماحة المرجع، وتفعيل بنود ورقة الاتفاق السياسي في تحقيق مصالح المراق العليا وشعبه وتقديمها على ما سواها من مصالح جهوية».