يتجلى الهدف الثالث في إقناع الغرب بأنه يمكن الاستمرار في دعم أوكرانيا في ظل ارتفاع أصوات كثيرة في أوروبا تطالب بنهاية الحرب وقبول كييف بسيطرة روسيا على منطقة دونباس.
لندن ـ «القدس العربي»: في تطور ملفت للغاية في الحرب بين موسكو وكييف، قامت القوات الأوكرانية باقتحام الحدود الروسية والسيطرة على قرابة ألف كلم مربع من الأراضي في كورسك. وتعتبر العملية إهانة لروسيا، غير أنه يرتقب تطور خطير عن هذه العملية قد يمتد إلى الشرق الأوسط.
وكانت الحرب الروسية-الأوكرانية التي اندلعت خلال شباط/فبراير 2022 تعيش إيقاعا روتينيا من المواجهة في شرق أوكرانيا والقصف الروسي لعدد من مناطق هذا البلد، ويوم 6 اب/أغسطس الجاري، فاجأت القوات الأوكرانية روسيا باقتحام منطقة كورسك والسيطرة على عشرات البلدات الصغيرة، وتفيد موسكو بأنها لا تعتبر العملية عسكرية بل تصنفها في خانة عمل إرهابي.
أوكرانيا تفاجئ روسيا
وعمليا، هذه المساحة المسيطر عليها في كورسك تبقى صغيرة جدا أمام ما سيطرت عليه روسيا في شرق أوكرانيا بالاستحواذ على أكثر من 120 ألف كلم مربع، أي سدس مساحة أوكرانيا لاسيما وأنها منطقة غنية بالموارد الطبيعية والمصانع. لكن رغم صغر المساحة تبقى العملية الأوكرانية منعطفا رمزيا في هذه الحرب. وكتب الموقع الأمريكي المتخصص في القضايا العسكرية «ذي زون وار» الجمعة من الأسبوع الجاري أن الأوكرانيين يدمرون بعض البنيات التحتية مثل الجسور في الكورسك لمنع القوات الروسية من التقدم، وبالتالي البقاء طويلا في هذه المنطقة.
وتعتبر الرئاسة الأوكرانية في تعليقها على غزو الكورسك بأن الحرب بدأت تنتقل إلى الداخل الروسي بعدما كانت مقتصرة منذ شباط/فبراير 2022 حتى الأسبوع الماضي على الأراضي الأوكرانية فقط. وقال ميخايلو بودلياك مستشار الرئيس فلاديمير زيلنسكي إن الهجمات عبر الحدود ستجعل روسيا تدرك تدريجياً أن الحرب بدأت تتسرب إلى أراضيها، كما ستعزز موقف كييف في أي مفاوضات مستقبلية مع موسكو. مضيفا «متى سيكون من الممكن إجراء عملية تفاوض بطريقة تمكننا من دفعهم أو الحصول على شيء منهم؟ فقط عندما لا تجري الحرب وفقًا لسيناريوهاتهم.
وفي الجانب الروسي، تعتبر هذه العملية صفعة حقيقية للرئيس فلاديمير بوتين نفسه وفشلا استخباراتيا لأن موسكو استبعدت هذه الفرضية حتى وقعت. ولم يتردد بوتين في التصريح، وفق موقع روسيا اليوم، أن أوكرانيا تهدف من وراء العملية تعزيز موقفها في المفاوضات المستقبلية، ولكنه أكد أن هذه «آمال عقيمة» متسائلا «كيف يمكن الحديث أصلا عن التفاوض مع أولئك.
ويبقى المعطى الواضح حتى الآن من هذه العملية الجريئة تؤكد رغبة أوكرانيا تحقيق ثلاثة أهداف، الأول وهو استعمال كورسك في أي مفاوضات مستقبلا مع روسيا أي الانسحاب الثنائي من الأراضي المسيطر عليها، وثانيا هو تخفيف الضغط العسكري الروسي على منطقة دونباس شرق البلاد لأن العملية ستدفع موسكو إلى تحويل جزء من قواتها العسكرية إلى كورسك لاستعادتها. ويتجلى الهدف الثالث في إقناع الغرب بأنه يمكن الاستمرار في دعم أوكرانيا العسكري لاسيما في ظل ارتفاع أصوات كثيرة في أوروبا خاصة تطالب بنهاية الحرب وقبول كييف بسيطرة روسيا على منطقة دونباس. وارتباطا بهذا، تمنح هذه العملية للجيش الأوكراني ثقة في النفس بعد الهزائم المتتالية التي تعرض لها طيلة سنتين ونصف لكي يستمر في الحرب.
احتمال توسيع الحرب خارج الحدود
والفكرة السائدة هي أن بقاء القوات الأوكرانية في كورسك مسألة أسابيع قليلة لأن القوات الروسية ستعمل على طرد الأوكرانية بالقصف الجوي دون الاشتباكات البرية الكبيرة، ويوجد تخوف من النتائج المقبلة التي تحملها عملية «كورسك وأساسا احتمال امتداد النزاع خارج حدود البلدين، وأبرز هذه النتائج:
أولا، تعتبر موسكو عملية كورسك عملا إرهابيا ، وسيكون الرد هو التعامل مع هذه القوات بأنها إرهابية مما ستعطي موسكو لنفسها الحق في استعمال كل الوسائل للقضاء على القوات الأوكرانية التي دخلت كورسك. وهذه أول مرة، تفقد روسيا أراض في عملية الغزو منذ الحرب العالمية الثانية، مما يزيد من الضغط على موسكو للرد السريع.
ثانيا، هذه العملية ستشكل فرصة لموسكو لتكثيف القصف العسكري ضد منشآت أوكرانية بما فيها مقرات لمؤسسات رسمية في العاصمة كييف. وبالتالي، ستدخل الحرب مرحلة جديدة عنوانها القصف العنيف الروسي لأوكرانيا حتى لا تكرر الأخيرة عملية غزو مثل كورسك لمناطق أخرى.
ثالثا، ظاهريا يرحب الغرب بهذه العملية ويعتبرها مشروعة تدخل في نطاق الرهان على مختلف الوسائل للدفاع عن الوطن، كما أنه لا يمكن قيام كييف بهذه العملية دون ضوء أخضر من الغرب الذي كان يعارض دائما امتداد الحرب إلى الأراضي الروسية. لكن يوجد تحفظ وتخوف وسط الغرب لأنه بينما سيطرت أوكرانيا على ألف كلم مربع وبشكل مؤقت، تقدمت القوات الروسية في إقليم دونباس وسيطرت على أراض جديدة، كما أن الجيش الروسي لم يرسل قوات من شرق أوكرانيا إلى كورسك، وهذا يعني عدم تخفيف الضغط على دونباس وأن موسكو تفكر فقط في القصف الجوي لطرد الأوكرانيين.
رابعا، تتهم موسكو أن عملية الغزو هذه جاءت بتخطيط وإشراف من الجنرالات الأمريكيين والبريطانيين ، وهذا يعني تورط الغرب مباشرة في الحرب. وكانت موسكو قد هددت بتسليح جيوش وحركات مناهضة للغرب، وألمحت إلى دعم إيران بأسلحة نوعية وكذلك الحوثيين.
وعلاقة بهذه النقطة الأخيرة، كانت جريدة «وول ستريت جورنال» قد كشفت يوم 19 تموز/يوليو الماضي عن مساع أمريكية مع دول لإقناع موسكو بعدم تسليح الحوثيين، ردا على تزويد الغرب وخاصة الولايات المتحدة القوات الأوكرانية بصواريخ بعيدة المدى.
في غضون ذلك، تشير كل المعطيات إلى أن عملية كورسك سيترتب عنها توسيع العمليات العسكرية سواء عبر الدعم أو المشاركة بطريقة مباشرة في مناطق أخرى من العالم. وإذا انضاف الترقب الإيراني في الرد على إسرائيل، يكون العالم قد بدأ ينتقل إلى بؤر حربية متفرقة قد تشعل حربا كبيرة إذا خرجت عن السيطرة.