سيطرة المغرب على الكركرات

حجم الخط
62

إن تركنا جانبا ما تقوله الجزائر عن دفاعها المستميت عن حقوق الشعوب في تقرير مصيرها، فما مصلحتها في طلب انسحاب المغرب من منطقة لا تنازعها السيادة عليها؟ وهل أن هناك بالمقابل ما يمكن أن يدفع الرباط لأن تفكر في ترك الكركرات، ولو لقوات أممية لحفظ السلام؟ منطقيا لا شيء قد يبرر، أو يفسر ذلك، أو يجعل المغاربة يقدمون على خطوة مماثلة. لكن ماذا لو عرض عليهم، وفي إطار خطة أممية شاملة لتسوية المشكل الصحراوي، أن يسحبوا قواتهم من هناك مقابل تخلي قوات البوليساريو عن بعض المناطق الصحراوية، التي تسيطر عليها وتدعوها بالمحررة، في ما تصفها الأمم المتحدة بالعازلة؟ هل سيصبح الأمر في تلك الحالة ممكنا؟ وهل سيقبلون حينها بنوع من الانسحاب التكتيكي، أو ما يمكن أن يطلق عليه العسكريون إعادة انتشار عسكري للقوات في منطقة قاموا قبل عام فقط بطرد عناصر البوليساريو منها؟
ربما يعيد تكرار الطرف المقابل في النزاع، أي الجزائر، مرة بعد أخرى لمثل تلك الدعوات، سؤالا شائكا عما صارت تمثله الكركرات بالذات، لا بالنسبة لمستقبل الملف الصحراوي فحسب، بل بالنسبة لمصير الطموحات والمشاريع الجزائرية في الإقليم. فهل إنها باتت تمثل اليوم فعلا للجزائريين هاجسا أمنيا وسياسيا واستراتيجيا من أعلى الدرجات؟ لا شك بأن إقدام المغرب قبل نحو عام من الآن على طرد عناصر من البوليساريو كانت عمدت إلى قطع حركة المرور من وإلى المعبر الرابط بين المغرب وموريتانيا، شكّل صدمة كبرى لهم، وبعثر كثيرا من أوراقهم وحساباتهم. لكن ما الذي يمكن أن يفكر فيه الجزائريون الآن مع بدء تحريك الملف الصحراوي في المنتظم الدولي؟ ليس صدفة أن يصرح الناطق الرسمي باسم خارجيتهم الخميس الماضي، وفي أول رد فعل رسمي على إعلان الأمين العام للأمم المتحدة قبلها بيوم عن تعيين الدبلوماسي الإيطالي ستيفان ديمستورا مبعوثا شخصيا له للصحراء، بأن «تعيين السيد ديمستورا جاء في سياق متدهور ومحفوف بالمخاطر، لأنه يتميز باستئناف الأعمال العدائية بعد الخرق المفاجئ لوقف إطلاق النار من قبل قوات الاحتلال المغربية، التي تحافظ على وجودها غير الشرعي منذ 13 نوفمبر 2020 في المنطقة العازلة بالكركرات، في انتهاك صارخ للاتفاقيات العسكرية التي وقعها الطرفان، وصادق عليها مجلس الأمن». ويمضي بعدها فيضيف أن «تجريد هذه المنطقة، أي الكركرات، من السلاح المكرس في الاتفاقيات المعنية، يشكل حجر الأساس في أي عملية سياسية ذات مصداقية تهدف إلى إيجاد حل سلمي للنزاع». فمن الواضح أن استعادة الوضع الذي كان قبل العملية المغربية، التي أفضت إلى تحرير حركة العبور من وإلى المعبر الحدودي القريب من الحدود الموريتانية، صار أولوية للدبلوماسية الجزائرية، في مساعيها لاستعادة زمام المبادرة، والمسك مجددا بواحدة من أهم خيوط الملف الصحراوي التي فقدتها لسوء تقديرها. لكن السؤال هنا هو إن كانت الجزائر لا تخاطب من خلال ذلك البيان، وكما يبدو، غريمها المغرب، فهل إنها تلوح، ومن خلال ذلك بالمقابل، للهيئة الأممية بأنها قد تضع شرطا مسبقا أمام القبول بأي مسعى قد يقدم عليه المبعوث الأممي الجديد، لاستئناف مسار المفاوضات الذي بدأه سلفه، من خلال تنظيمه للموائد المستديرة بين الأطراف الأربعة المعنية بالنزاع، أي المغرب والجزائر وموريتانيا والبوليساريو، وهو انسحاب المغرب من منطقة الكركرات؟ وعلى فرض أن يحصل ذلك فهل سيقبل المغرب في تلك الحالة بالتخلي بسهولة عن المعبر، والتفريط في واحدة من أهم الأوراق الميدانية التي كسبها في حربه الطويلة للدفاع عن فكرة مغربية الصحراء؟

المغرب ليس مستعدا وتحت أي ظرف لأن يفرط في مكسب استراتيجي حازه

من الناحية السياسية قد يبدو ذلك مستبعدا، وربما غير وارد، أو ممكن بالمرة، لكن من الناحية الاستراتيجية فإن مناقشة المسألة ضمن إطار أوسع يشمل كل الأراضي التي تسيطر عليها البوليساريو، وتصفها بالمحررة، في ما تدعوها الأمم المتحدة العازلة، قد لا يكون كذلك، لكن من سيكون الرابح والخاسر في تلك الحالة؟ لنتخيل مثلا جلاء قوات البوليساريو عن المناطق التي تسيطر عليها الآن، فإلى أي مكان يمكنها أن تذهب؟ وهل إن عودتها إلى تندوف ستعد بمثابة النصر المؤزر لها؟ أم على العكس انتكاسة كبرى لأطروحاتها وفشلاً ذريعا للمشاريع والمطالب التي ظلت ترفعها لأكثر من أربعة عقود؟ إن التعارض الواضح في هذا الموضوع بين مطالبة المغرب بالانسحاب من جهة من منطقة صحراوية تعتبرها الأمم المتحدة عازلة، وغض الطرف من الجهة الأخرى عن وجود قوات البوليساريو في مناطق صحراوية عازلة غيرها، يجعل الغرض من طرح المسألة غير مفهوم؟ فما الذي تريده البوليساريو أو الجزائر، من وراء انسحاب مغربي من الكركرات، إن كان ذلك سيتزامن، أو يكون مشروطا بانسحاب مماثل لقوات الجبهة من المناطق الصحراوية التي توجد فيها الآن؟ من الواضح أن أي قوات أممية قد تتولى الإشراف على تلك المناطق لن تكون قادرة أو مؤهلة للسيطرة عليها بشكل تام وهو ما سيعطي لقوات البوليساريو هامشا واسعا للمناورة، ولشن حرب عصابات على القوات المغربية، تحت أي مبرر كان، لكن هل سيتضرر المغرب بشكل ما من الناحية التجارية أو الاقتصادية، إن صار معبر الكركرات خارج سيطرته الفعلية؟ قد يكون تخطيطه لبناء ميناء آخر، أو لتوسعة الموانئ الموجودة حاليا في مناطقه الجنوبية، هو الرد العملي على أي تهديد محتمل قد يطال مبادلاته أو تعاملاته البرية مع الدول الافريقية، لكن ما الذي سيحصل إن كررت البوليساريو ما قامت به أواخر العام من عمليات قطع الطريق، وإعاقة المبادلات من وإلى تلك الدول؟ هل سيتوسع حينها نطاق المواجهات لمدى أبعد؟ سيكون من غير الممكن أن نتوقع أن إصرار الجبهة ومن ورائها الجزائر على أن يخلي المغاربة تلك المنطقة بالذات، هدفه إتاحة المجال للقيام ببعض العمليات المحدودة والمعزولة لإعاقة المبادلات بين المغرب وجيرانه الافارقة. فأهمية الموقع الاستراتيجي للمعبر، التي تجعل المتحكم فيه قادرا على الإشراف على أقصى نقطة في الصحراء، لا تبعد إلا كيلومترات قليلة عن المحيط الأطلسي، وعن الحدود الموريتانية، وهو ما يعد في حد ذاته عنصرا بالغ الأهمية في تأمين أي سيطرة ميدانية في المنطقة يجعل الدوافع وراء مثل تلك المطالب أكبر من أن تقتصر على مجرد استنزاف قوات الرباط، أو القيام بعمليات قطع طريق على القوافل التجارية المغربية.
ولعل العاهل المغربي لم يفته التنبه لذلك، حين شدد في رسالة وجهها العام الماضي إلى الأمين العام للأمم المتحدة، وتضمنها تقرير الأخير إلى مجلس الأمن، على أن الإجراءت التي اتخذها المغرب في الكركرات «لا رجعة فيها»، ما يعني أن المغرب ليس مستعدا وتحت أي ظرف لأن يفرط في مكسب استراتيجي حازه. اما هل سيؤثر ذلك الموقف في مصير أي مفاوضات مقبلة حول الصحراء أم لا؟ فهذا سيكون مدار الاختبار الأول لنجاح أو فشل ستيفان ديمستورا في مهمته الجديدة.

كاتب وصحافي من تونس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الناصح الامين:

    بعد ان فشلت المينورسو في تنظيم الإستفتاء بسبب رفض البوليزاريو كثيرا من اشقاءهم و ابناء عمومتهم الذين لجأوا إلى مناطق الشمال المجاورة هروبا من الاستعمار تسجيلهم في لوائح الإستفتاء ، أقترح المغرب حل الحكم الذاتى لانقاذ المحتجزين في تندوف من الشقاء . الصحراء بالنسبة للمغرب قضية وجود وليس حدود . اما ان تبقى تحت السيادة المغربية و اما حرب مدمرة في المنطقة.

  2. يقول المغاربي الوحدوي:

    حلال على المانيا الغربية استرجاع الوحدة مع المانيا الشرقية ،و اسبانيا رفض انفصال كاطالونيا،و الجزائر رفض انفصال لقبايل ، و حرام على المغرب استرجاع صحراءه من الاستعمار الاسباني. اما ان نكون كمغاربيين اقوياء بالوحدة كما كنا في عهود المرابطين و الموحدين و بني مرين وأما ان نبقى ضعفاء بالانقسامات و الانفصالات كما يريد لنا الاستعمار.

  3. يقول أبوسفيان:

    إلى حدود الآن لازال المغرب الرسمي يلتزم الصمت ولا يرد على النظام الجزائري وأعتقد أنه سيستمر في تجاهل كل ما يصدر عن الجارة الشرقية هذا من جهة
    من جهة ثانية فإن المناطق العازلة التي تعتبرها البوليساريو والجزائر أراضي محررة فقد منع الجيش المغربي الدخول إليها أو الإقتراب من الجدار الأمني وبالتالي فإن كل ما تدعيه البوليساريو من هجومات على الجيش المغربي وهي طبعا بلا فعالية تقع في منطقة المحبس القريبة من منطقة تندوف أما ماكانت تسميها مناطق محررة فلا ولم ولن يستطيع أي كان الدخول إليها بإستثناء قوات المينورسو
    هناك مفاجأة صادمة تنتظر البوليساريو والجزائر من خلال قرار مجلس الأمن الذي سيصدر أواخر هذا الشهر

  4. يقول الريفي من هولندا:

    على الجزاير الانسحاب من القبايل فورا…

  5. يقول Amara:

    يجب على المملكة المغربية أن لاتستسلم تحت أي ضغط كان.ممنوع الخطأ كليا .ممنوع ترك منطقة الكركرات لأي جهة معينة حتى ولو كانت الأمم المتحدة .الانتباه الانتباه. يقول المثل المغربي الدارجي : ( اللي فرط يكرط )

  6. يقول Warga said:

    بعد انقشاع غبار معركة الكركرات، و إعلان جبهة البوليساريو التنصل من إتفاقية وقف إطلاق النار و العودة لحرب تعلم الجزائر أنها محسومة عسكريا لصالح المغرب إذا ما خاضتها قوات جبهة البوليساريو منفردة، و قد تكون سببا لطرد قوات الجبهة من المناطق الصحراوية شرق الحزام و تدفع بها للتراجع نحو الاراضي الجزائرية، و تفقد الجزائر آخر أوراق ضغطها في صراعها مع المغرب. لذلك لم تتعدى حرب البوليساريو الجديدة بلاغات يومية عن حرب افتراضية، حاول الاعلام الجزائري النفخ فيها و تسويق ان المنطقة باتت خطرة لجعل الاستثمارات الاجنبية تتوقف في المغرب و يهجره المستثمرين و السياح بهدف الاضرار به إقتصاديا و يرضخ للشروط الجزائرية.
    البوليساريو لا تستطيع محاربة المغرب عسكريا لوحدها، و حرب الاعلام الجزائري لم تحقق اي من أهدافها، بل وضعت الجزائر في حرج كبير أمام الراي العام العالمي. و بقاء الوضع على حاله يزيد من أعباء الخزينة الجزائرية، فالبوليساريو بعد 13 نوفمبر لم تعد قادرة على تحقيق أي من أهداف الجزائر.

  7. يقول حميدان:

    المغرب هو اول من خرق وقف اطلاق النار في 13 نوفمبر 2020 بخروجه من خط وقف اطلاق النار و الاستلاء على الكركرات و ردت عليه البوليزاريو بالغاء وقف اطلاق النار و استاناف العمليات القتالية ضد القوات المغربية و ستجري المفاوضات بين المغرب و جبهة البوليزاريو كما حددها مجلس الامن في اخر قرار له بحضور الجزائر و موريتانيا كملاحظين فقط .القوات الصحراوية تتواجد على كل الاراضي المحررة من الصحراء الغربية اما اراضي العازلة فلا يتعدى عرضها 5 كلم و تشمل منطقة الكركرات التي اخترقها الجيش المغربي.

    1. يقول هيثم:

      للتوضيح و التصحيح: المغرب لم يخرق وقف إطلاق النار في الكركرات يوم 13 نونبر 2020 بل حرر الممر من قطاع الطرق الذين لاذوا بالفرار دون أن يطلق المغاربة و لو رصاصة واحدة. البوليساريو / الجمهورية الصحراوية و الدولة الحاضنة أعلنوا التخلي عن اتفاق وقف إطلاق النار و منذ ذلك اليوم وهم يصدرون بلاغات عسكرية فاق عددها 300 بلاغ تتحدث عن انتصارات بطولية و هجومات ملحمية على الجيش المغربي لو صدقناها لما بقي جندي مغربي واحد على قيد الحياة. الغريب أن الجزائر و المليشيات كانوا يتحدثون عن مناطق محررة من لدن الجيش الصحراوي العتيد الذي سارت بذكره الكثبان فكيف أصبحت المناطق المحررة مناطق عازلة على المغرب أن ينسحب منها ؟

  8. يقول محمد عبد الرحمن:

    تتصدر تونس عنوان بن الاخبار. فهل من مقال عنها.

  9. يقول اسلامة حمدي:

    مثلما خرج الاسبان سيخرج اي محتل اخر من الصحراء الغربية

    1. يقول واقعي:

      احلموا واكثروا من الاحلام فلم يبقى لكم الا ان تحلموا أحلاما مملوء بالورود.

  10. يقول مغاربة:

    ذكر الكاتب “لكن ماذا لو عرض عليهم، وفي إطار خطة أممية شاملة لتسوية المشكل الصحراوي، أن يسحبوا قواتهم من هناك مقابل تخلي قوات البوليساريو عن بعض المناطق الصحراوية، التي تسيطر عليها وتدعوها بالمحررة، في ما تصفها الأمم المتحدة بالعازلة؟ هل سيصبح الأمر في تلك الحالة ممكنا؟”، وهذا خطأ لان المغرب قلب الموازين بعد تدخله بالكركرات و فرض واقعا جديدا و هو ان اي دخول للمرتزقة للمنطقة العازلة يقابله المغرب بتدخل مميت، وما مقتل المسؤول الكبير بتلك المليشيا المدعو” الداه البندير” ببعيد. اي بعبارة اخرى لم يعد للمرتزقة اي شيء يفاوضوا بشأنه. المغرب لا يتكلم كثيرا ولكن اذا تكلم نفذ. هذا ديدننا و هذا تاريخنا و لذلك كوننا الامبراطوريات بهذا البلد الحبيب التي امتدت من جنوب اسبانيا الى نهر السنغال، و حافظنا على استقلالنا كبلد وحيد في شمال افريقيا امام المد العثماني.

1 2 3 4 5

إشترك في قائمتنا البريدية