إسطنبول – «القدس العربي» : مع اقتراب النظام السوري مدعوماً بالميليشيات الإيرانية والغطاء الجوي الروسي رويداً رويداً من السيطرة على منطقة خان شيخون أبرز مناطق ريف إدلب الجنوبي تصبح نقطة المراقبة التركية المتواجدة في «مورك» في وضع محاصر، الأمر الذي سيفرض تحديات غير مسبوقة على أنقرة ويضع الجيش التركي أمام سيناريوهات تتراوح بين الصعبة والخطيرة.
فخلال الأيام الأخيرة، حقق النظام السوري تقدماً برياً لافتاً في المناطق المحاذية لمدينة خان شيخون من محوري «سكيك» و»الهبيط» واقترب أكثر من المدينة التي يتوقع أن يتمكن من السيطرة عليها بفعل كثافة النيران والغطاء الجوي الروسي، وهو ما يعني محاصرة مناطق عدة أبرزها اللطامنة وكفرزيتا ومورك التي تتواجد فيها إحدى النقاط التركية المنتشرة في إدلب ومحيطها بموجب اتفاق خفض التصعيد بين روسيا وتركيا وإيران.
أحدها تقديم دعم عسكري نوعي للمعارضة السورية وقلب موازين القوى
وطوال الأسابيع الماضية، لم تتمكن كل الجهود التركية الدبلوماسية من وقف هجوم النظام السوري المدعوم من روسيا على إدلب ومحيطها والمستمر منذ نحو أربعة أشهر، وفشلت محاولات عدة للتهدئة ووقف إطلاق النار كان آخرها عقب الجولة الأخيرة من مباحثات أستانة، حيث لم يصمد اتفاق وقف إطلاق نار أكثر من 24 ساعة فقط.
وفي ظل فشل الجهود الدبلوماسية، اكتفت تركيا طوال الأشهر الماضية بالرد المحدود على هجمات النظام السوري التي تكررت على نقاط المراقبة التركية في إدلب وريف حماة، والتهديد المتكرر بالرد بقوة في حال كرر النظام مهاجمته لنقاط المراقبة التركية. لكن هذه المرة يبدو الأمر مختلفاً والتحديات أصعب أمام أنقرة، حيث يتوقع أن يتمكن النظام من محاصرة إحدى نقاط المراقبة لأول مرة، حتى وإن كان ذلك من دون مهاجمة النقطة التركية التي ستصبح داخل مناطق سيطرة النظام السوري الذي سيتمكن من قطع الإمدادات البرية للنقطة والقيام باستفزازات كبيرة في محيطها.
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، فالنقاط التركية متواجدة في إدلب بموجب تفاهمات أستانة واتفاق مناطق خفض التصعيد، وبالتالي فإن سيطرة النظام على المنطقة المحيطة يعني انتفاء فكرة وجود النقطة التركية، ونسفاً كاملاً لمغزى الاتفاق وجوهره، وما يعني ذلك من انتقاص كبير في هيبة الجيش التركي وأثر ذلك على صورته وقدرة الردع الذي يسعى أي جيش في العالم للحفاظ عليها.
ويبدو أن الجيش التركي ومن خلفه المستوى السياسي في أنقرة أمام سيناريوهات صعبة لتجنب عواقب ربما تكون خطيرة خلال الأيام المقبلة، حيث تسعى تركيا بالدرجة الأولى لتجنب حصول تقدم أكبر للنظام السوري نحو خان شيخون وبالتالي منع محاصرة النقطة التركية. لكن الجهود التركية الدبلوماسية التي فشلت طوال الأشهر الماضية في وقف هجوم النظام على إدلب لا يوجد أي مؤشر حتى الآن على أنها سوف تنجح في وقف الهجوم على خان شيخون لا سيما في ظل إصرار النظام على التقدم براً ودعم روسيا له بحجة أنه يهاجم التنظيمات الإرهابية واتهام تركيا بعدم الالتزام بتعهداتها ضمن اتفاق المنطقة منزوعة السلاح.
وفي خيار آخر، يرى مراقبون ضرورة أن تزيد تركيا من دعمها العسكري لفصائل المعارضة السورية في المنطقة، وتقدم لها دعماً عسكرياً نوعياً يمكنها من قلب موازين القوى العسكرية على الأرض لصالحها وهو أمر يمكن أن يعزز صمود المقاتلين في خان شيخون لكنه لا يضمن صمودهم على المدى المتوسط أو البعيد وذلك في ظل شراسة هجوم النظام وكثافة الغطاء الجوي الروسي. ومن المتوقع أن يظهر مدى تطبيق ونجاعة هذا الخيار في الأيام القليلة المقبلة لا سيما مع الحديث عن توجه فرق عسكرية تابعة للمعارضة المدعومة من تركيا من مناطق درع الفرات إلى جبهات القتال في إدلب.
وعن إمكانية تدخل تركيا عسكرياً بشكل مباشر لمنع النظام السوري من محاصرة نقطة المراقبة في مورك، يبدو أن هذا الخيار الأخطر على الإطلاق حيث أنه من الممكن أن يضع الجيش التركي في مواجهة مباشرة مع النظام السوري قد يتطور بشكل خطير وغير محسوب، لكن الأخطر هو انعكاسات هذه المواجهة – إن حصلت – على العلاقات التركية – الروسية وإمكانية دخول أنقرة في أزمات سياسية وعسكرية خطيرة مع روسيا، وهو أمر لا تفضل أنقرة الدخول فيه على الإطلاق لا سيما في هذه المرحلة.
وتمر العلاقات التركية الروسية بمرحلة حساسة فيما يتعلق في الملف السوري، وذلك في ظل بدء أنقرة وواشنطن العمل على إقامة منطقة آمنة في شرقي نهر الفرات شمالي سوريا بدون التنسيق مع روسيا التي يمكن أن تصب جام غضبها على أنقرة وترفض أي جهود دبلوماسية لتركيا من أجل وقف هجوم النظام على خان شيخون، ويمكن ان تدفع موسكو لتشجيع النظام على التضييق على نقاط المراقبة التركية بشكل أكبر، ودعمه في حال دخوله في مواجهة عسكرية مع تركيا.
ولكن على الرغم من التعقيدات والمخاطر السابقة، ستكون آثار محاصرة النقطة التركية كارثية على مكانة وسمعة الجيش التركي، الذي يخشى أيضاً من أن تسليمه بالواقع على الأرض وتفكيك النقطة العسكرية في مورك سيكون مقدمة مشجعة للنظام من أجل مواصلة التقدم والضغط من أجل تفكيك النقاط التركية الأخرى في إدلب ومحيطها. ويبدو أن الخيارات تنحصر بشكل تدريجي أمام أنقرة التي ربما ستكون أمام سيناريوهات تتعلق بالتوصل لتفاهم ما مع روسيا يمكنها من منع محاصرة النقطة التركية، أو نقلها إلى نقطة متقدمة في محور آخر ترغب تركيا أن تكون تل رفعت، أو تجنب المخاطر العسكرية والسياسية التركية وتفكيك النقطة وسحب الجيش التركي من مورك، وكلها سيناريوهات صعبة وخطيرة ستتضح مآلاتها خلال الأيام القليلة المقبلة.