لم يشابه المخرج الكبير الراحل كمال الشيخ أيا من مُخرجي جيله، ولم يسع إلى تقليد أستاذه نيازي مصطفى، رغم اعتزازه الشديد به وانتمائه إلى مدرسته السينمائية المهمة، فهو صاحب أسلوب خاص في التعبير والطرح ومُتفرد في أدواته وإمكانياته كمبدع.
بدأ كمال الشيخ مشواره السينمائي مونتير، فاكتسب خبرة واسعة في حرفة المونتاج وفنيته، ثم عمل مساعد مخرج مع نيازي مصطفى، ما أهله بعد ذلك ليكون مُخرجاً له وجهة نظر فنية وتكنيكية، فهو لم يدرس الفن السينمائي في أكاديميات مُتخصصة، لكنه تمرس فيه وأجاد توظيف خبراته المُكتسبة عبر سنوات التكوين، التي قضاها في ستوديو مصر إلى أن واتته الفرصة ليُقدم أولى تجاربه كمخرج في فيلم «منزل رقم 13» عام 1952 بطولة عماد حمدي ومحمود المليجي، الذي اعتمد في إخراجه على الغموض والإثارة الذهنية، ليجعل المُتلقي في حالة ترقب مستمر، لاسيما أن القصة كانت تسمح بذلك، فالأحداث تدور حول الطبيب محمود المليجي الذي ينجح في إيهام صديقة عماد حمدي بارتكابه جريمة قتل في لحظة غير واعية منه، ومن ثم تمكن من السيطرة عليه وتوجيهه كما يشاء، وتشكيكه في قواه العقلية واستمرأ اللعبة فارتكب عدة جرائم من خلاله.
هذا الأسلوب بدا جديداً في حينه على السينما المصرية، التي كانت قد تعودت على طرح القضايا البوليسية من منظور تقليدي، وظلت لفترة طويلة على هذه الحال، بينما غاير فيلم كمال الشيخ الطريقة النمطية وأضاف بُعداً فلسفياً للجريمة، بل أنه أدخل علم النفس طرفاً في الحدوتة الدرامية، فكثف عناصر الإثارة وزاد من اهتمام الجمهور فنجح الفيلم نجاحاً لافتاً كان له أثر بالغ في تسليط الضوء على المخرج الموهوب ورؤاه السينمائية المُختلفة. قدم كمال الشيخ عدة أفلام أثارت جدلاً واسعاً على المستوى الفني والسياسي فمن أفلامه المهمة فيلم، «الهارب» الذي هاجم فيه ما سُمي بمراكز القوى في فترة الستينيات، فأثار حفيظة الرقابة العامة على المُصنفات الفنية التي طالبته بحذف بعض المشاهد، وتغيير سياق الأحداث، فاستجاب لإحساسه بدقة الظرف الذي أنتج فيه الفيلم، حيث كانت أجواء حرب أكتوبر/تشرين الأول 73 لا تزال باقية ولم يكن مُستحباً إثارة أي موضوعات سياسية من شأنها خلخلة الثقة بين الشعب ونظام الحُكم مهما كانت المآخذ وأياً كانت المراحل التاريخية المقصودة.
وبالفعل أعاد المخرج تعديل المشاهد المقصودة وتغيير سياقاتها وتمكن من عرض الفيلم، الذي كان باكورة إنتاج الشركة التي أسسها عام 1974 مع صديقة المخرج رأفت الميهي، ونجح الفيلم الذي جمع بين شادية وكمال الشناوي وحسين فهمي نجاحاً ملحوظاً. ومن علامات تميز كمال الشيخ كمخرج فيلم «الصعود إلى الهاوية» القائم على إبراز دور المخابرات المصرية في إحباط محاولة التجسس وتجنيد طالبة جامعة السوربون هبة سليم، التي تم رصدها والقبض عليها وتقديمها للمحاكمة في مصر، وهي قصة واقعية جسدت فيها دور البطولة لأول مرة مديحة كامل أمام محمود ياسين وجميل راتب، وقد اتبع الشيخ أسلوبه السينمائي المُعتاد في التشويق والإثارة، وتمكن من بلورة الفكرة على نحو متميز للغاية، غير أنه منح الفرصة كاملة لجميل راتب، ليلعب دور البطولة المُطلقة بالتساوي مع محمود ياسين ليؤكد موهبته كممثل له كاريزما وطريقة أداء خاصة. ومنذ نجاح فيلمه «حياة أو موت» عام 1954 مع عماد حمدي ومديحة يسري وحسين رياض ويوسف وهبي صار كمال الشيخ معروفاً بلونه الدرامي البوليسي الفارق، لذا أطلق علية لقب هتشكوك مصر، نظراً لتأثره الشديد بأسلوب المخرج البريطاني ألفريد جوزيف هتشكوك الذي كان رائداً في سينما التشويق والإثارة النفسية، ومولعاً بأجواء الغموض والتأثير التقني.
وقد استثمر المخرج الراحل موهبته في إنجاز عدة أفلام اعتبرها النقاد والسينمائيين المُتخصصين أيقونات حقيقية، يُشار بها للسينما المصرية، من بينها فيلم «اللص والكلاب» المأخوذ عن رواية نجيب محفوظ الشهيرة والتي دارت أحداثها أيضاً حول اللص أمين سليمان «شكري سرحان» الذي تورط في عدد من جرائم القتل فأصبح سفاحاً، والرواية مستوحاة من وقائع حقيقية نُشرت تفاصيلها في صفحات الحوادث في الجرائد المصرية، إبان وقوعها. وكما لفتت شخصية السفاح نظر الكاتب، فكتب الرواية لفتت الرواية كذلك نظر المخرج فحولها إلى فيلم، ولم يكن بالطبع هو الفيلم الوحيد الذي تم الاتفاق على جودته وأهميته، لكن هناك أفلاماً أخرى على المستوى نفسه من الإتقان منها فيلم «غروب وشروق» على سبيل المثال بطولة رشدي أباظة وسُعاد حسني ومحمود المليجي وصلاح ذو الفقار وفيلم «ميراما»ر بطولة شادية ويوسف شعبان وعبد المنعم إبراهيم، بالإضافة إلى مجموعة أخرى كـ»شيء في صدري» و»على من نُطلق الرصاص» و»الرجل الذي فقد ظله» و»بئر الحرمان».
كل هذه النوعيات المُوقعة باسم كمال الشيخ شكّلت الوعي الثقافي والإبداعي للمواطن المصري والعربي، وساهمت في ثراء الحركة السينمائية بشكل واف ومتميز.