سي السيد…كاتبا!
سي السيد…كاتبا! وهل هناك أشهر من سي السيد…. بطل ثلاثية نجيب محفوظ، وهو ليس من اختراع الاْديب الكبير، فكل مافعله المبدع أن اكتشف الشخصية، فوضعها تحت المجهر، ثم عرضها فصارت المرآة – الصدمة، لعقود طويلة، يري فيها العربي ذاته التائهة بين مثاليات سامية وواقع مهشم، فسي السيد، في الرواية وفي الواقع، هو الاْب العربي، وقد منح لمظهره وحركاته وكلامه ومايظهر من سلوكه، كل معاني التدين والاْخلاق الحميدة والاستقامة، بينما وجد مساحة ضيقة لا يطالها النظر، ليمارس فيها حقيقة ما ينهش قلبه وعقله.لابد من الاشارة، بسرور طبعا، الي أن سي السيد في طريقه الي الرحيل عن عالمنا، ليس فقط بشاربيه – الرمز، بل وأيضا بعقليته ذات الاداء المزدوج، وبانفصامه المريع، مفسحا المجال لشخصية وسيطة، قبل أن تطغي الشخصية المتعولمة، الشفافة، والديمقراطية. الشخصية التي ستظهر في النهاية علي أنقاض كم هائل من الرياء والزيف والنفاق الاجتماعي والبلاهة السياسية، وكل مظاهر عصر الانحطاط العربي الذي نعيش، والحمد لله، سنواته الاْخيرة، تفاؤل..نعم، تفاؤل، ليس بحسن النوايا، ولكن بسنن التغيير الطبيعي في الكون، وبثورة الاتصالات التي ستخطف من بيننا شخصية سي السيد، غير المأسوف عليها.وسي السيد، ليس العمدة فقط..وليس الاْب الحازم، بل انه أيضا، يمارس، أعمالا مختلفة، من ضمنها الكتابة…يكتب المقالات ويزور مواقع الانترنت، ويرتعد اذا انتقده أحد خارج النص… انه يقدم للقراء نصه الرصين، الحريص علي أنبل المعاني السياسية والاْخلاقية، فهو مع الوحدة الوطنية والقومية وعابرة القارات، وهو مع الاسلام الذي لا يثير نقمة أحد، ومع الثورية التي يتقبلها أكثر الناس خوفا، وهو مع الطهارة والصلاح والاصلاح، يقدم نصا جاهزا للاشتباك، بدون تبعات تذكر، أما ان أشرت الي نفاقه، وفساده، وعدم انسجام ما يكتب مع ما تعرف عنه، فانه يثور طبعا، لاْنك ببساطة، تقول له : قف ياسي السيد.سي السيد الكاتب، لا يرغب في أن يري أي تعليق أو رد علي ما يكتب، وهو طامع دائما بثناء قراء لا يعرفون سوي نص يرضيهم، وهو يتقن هذه اللعبة، فان كتب لاسلاميين، يبالغ في الصلاة علي النبي وفي تعزيز رأيه بما تيسر من الذكر الحكيم، وان كتب لقوميين، فلا بأس من ادعاء صلة تاريخية بالفكر القومي والترحم علي جمال عبد الناصر وميشيل عفلق، وان كتب ليساريين، نحت ما طاب له من خشب اللغة السوفييتية البائدة، وبذلك فهو يتميز عن سي السيد في الثلاثية، بقدرته علي تقمص أكثر من شخصية وقورة، فهو اسلامي متنور، وقومي معتدل، ويساري بانسانية عالية، وعلماني لا يتنكر للدين.وهو في كل شخصياته التي يعرضها، مترفع عن الصغائر، كبير علي جروح اليوم، عصي علي اغضاب الاخرين، هو نص وقور فحسب، نص لا يرغب من ربطه بغير اسمه، منفصل تماما عن سلوكه، ونفسيته، وأفكاره الحقيقية. وسي السيد الكاتب في حقيقته، ليس وطنيا، ولا قوميا ولا متدينا ولا يساريا، وهو لا يوالي ولا يعارض الا بقدر مصلحته الشخصية جدا، وهو وان ادعي الزهد في نصوصه، فانما للتغطية علي نهم بكل ما في الدنيا من متع لم يهذبها العصر الصناعي، فظلت حبيسة الزراعة البدائية، والتقاليد الحيوانية.سي السيد الكاتب، ليس شخصا واحدا، وليس نموذجا منعزلا، ولو حدق مئات الكتاب العرب في مرآة الضمير، لوجدوا سي السيد متمددا علي مساحتها بوضوح يزعجهم.سي السيد الكاتب، في طريقه الي الرحيل أيضا، مثل توأمه سي سيد الثلاثية، ذلك أن القراء العرب، يهرولون اليوم بعزم، الي محاسبة من اعتقدوا أنهم الطليعة…والقراء العرب اليوم يقتربون أكثر من دور جديد : انهم كتاب أيضا، بتعليقاتهم القصيرة، وبملاحظتهم، وقد قرأت تعليقا لقاريْ عربي يعلق فيه علي مقال لكاتب مشهور، فرأيت في سطوره القليلة جمالا وصدقا، فكان تعليقه هو المقال..بل فصل المقال.د. زياد أبوالهيجاءرسالة علي البريد الالكتروني6