أحدق في بياض الورقة أمامي، أستحضر المشهد، أتراجع، أكتب، أستحضر بازوليني وحادثة اغتياله بسبب أفكاره. أفلام أخرى لمخرجين، منعت من العرض في الصالات، أغلقت معارض للوحات وصور فوتوغرافية، ظلت لوحات كأصل العالم قابعة في الظلمة خوفا على مشاعر الجماهير.
كتاب وصحافيون ما زالوا تحت التعذيب، والبقية يستحضرون ماضيهم وسنوات قضوها خلف قضبان الطغاة. في الأزمنة كلها وفي الديانات وعند الطبقات الاجتماعية كافة، البرجوازية قبل الفقيرة، قتل وعذب وقمع كل من يحث العقل على التفكير.
اليوم انطلقت الرصاصات الحانقة لتترك جثثا تغرق في الدماء. جثث لرسامين لم يرتكبوا ذنبا سوى الرسم للضحك والسخرية. أجل لم يكن أي منهم مجرم ولم يحمل أي منهم سلاحا، بل كانوا وكما يوصفون رجالا في مقتبل العمر بقلوب وروح طفولية.
لم أتمالك نفسي حين رأيت تعليقات سأصفها باللا إنسانية «يستاهلوا» «هم جابوا لحالهم»، مبررين القتل والجريمة. إلى أي حد وصلت فينا البشاعة، والى أي حد بتنا نحول ديننا وأخلاقنا كيف نشاء، أكان الرسول الكريم سيرضى أن يقتل أبرياء بإسمه؟ وهل من آية قرآنية تبرر القتل وإزهاق الأرواح؟
ما حدث لا يعبر إلا عن بشاعة وما أقرأه من تعليقات وتدوينات وتغريدات مثل «خليهن يدوقوا شوي» لا يمت للدين الإسلامي بصلة ولا حتى لأي أخلاق ولا سلوكيات إنسانية.
دعوني هنا، وحكم كوني فرنسية وعربية، صحافية ومطلعة على ما يدور في فرنسا في ما يخص العرب والمسلمين في فرنسا، ومن خلال دراستي الأكاديمية ومن خلال عملي في المجال الثقافي، أن أرد على هؤلاء الوحشيين قائلة إن لا تبرير للجريمة، حتى لو فقدنا ضحايا من المسلمين يوميا في الحروب المستهدفة ضدهم، وحتى لو أزهقت حكومات أمريكا وأوروبا أرواحا بريئة فإن هذا لا يبرر جريمة قتل بحق أبرياء.
أمي مسلمة وأبي كان مسلما أيضا، عشت في مجتمع مسلم، ولم أسمع في حياتي عن أي تبرير لجريمة قتل أيا كانت الضحية. فكيف لي اليوم وبعد سنين عدة عشتها هنا في فرنسا أن أبرر جريمة ومجزرة بإسم ديننا!
لا يلزمنا سوى الصمت للتضامن!
لقد انتظرت طويلا لكتابة المقال، انتظرت طويلا حتى يزول الغضب وتهدأ المشاعر والعواطف. ولم أرغب أبدا في التهور وإطلاق الأحكام والتحليلات التي سأدلي بها عبر سطوري.
لقد استمعت إلى الكثير من الآراء والحوارات واللقاءات وألصقت وجهي بشاشة التلفاز خلال الأيام الأخيرة، ورأيت الملايين الغاضبة في الشوارع تحمل لافتات «أنا مع شارلي»، عدت إلى المنزل وأغلقت النوافذ جميعها، أطفأت المذياع والتلفاز وشاشة الكمبيوتر، حاولت الابتعاد عن «شارلي» وعن كل ما يمت للخبر بصلة، ذهبت لعملي كالمعتاد، لتأتيني إمرأة على عجلة صارخة كمجنونة «مدام هل لديك انترنت» أجبتها نعم، لتسألني «هل قتلوهم»؟ «هل قتلوا المجرمين»؟!
أخبرتها بأني لا أعرف وترددت كثيرا في أن أجيبها لم يعد يهمني في أن أعرف، ولكن خطر ببالي فورا «لون بشرتي السمراء» وملامحي العربية ستقضي علي في هذا الوقت الحرج، حيث توجه أصابع الاتهام لي ويطالبني السياسيون والإعلاميون بإثبات أنني «مسلمة متمدنة» ومتحضرة ولا أمت لهذه الفوضى بصلة، فأجبتها سأرى النتيجة فورا واتجهت للإنترنت وأثلجت صدرها بمقتلهم. عدت إلى المنزل، حاولت النوم، ولكن دون جدوى. دفنت رأسي في الوسادة، فشاهدت وجوههم «شارب» أحد الضحايا ورئيس تحرير الجريدة كان زميلا لي في العمل، يعمل رساما في السينما التي أعمل بها، كابو لم أعرفه شخصيا ولم ألتق به وآخرون كنت قد هجرتهم وقاطعت رسوماتهم بسبب سياسة فيليب فال، رئيس التحرير السابق العنصرية، والتي تحرض على الإسلاموفوبيا وتعترف باسرائيل كدولة ديمقراطية!
فيليب فال الذي ينادي اليوم بحرية التعبير طرد الرسام العجوز سينه من جريدته لأنه تجرأ وانتقد ابن الرئيس ساركوزي، واتهم سينيه بمعاداة السامية لأنه سخر من زواج ابن ساركوزي من يهودية!
ولم يتوقف فال عند هذا الحد، بل طرد فورا وخلال عمله لدى «راديو فرانس أنتير» الفكاهي ستيفان جيون بسبب سخرية الأخير من الرئيس ساركوزي، وكذلك قام بطرد الصحافي والفكاهي ديدير بورت من «فرانس أنتير» أيضا بسبب تهكمه على الرئيس ساركوزي.
ردود فعل
ما حدث كان وما زال صدمة ولطمة في وجه ما تسميه فرنسا بالجمهورية، إن أردت الحديث من نظرة متشائمة للأمور، فلم تعد المحطات تتحدث عن ضحايا ورسامين بل صارت كببغاوات تردد عبارات خطرة مثل «حرب حضارات» كالتي تحدث عنها ساركوزي، و»حرب بربرية ضد الرجل الأبيض» وأخرى «حرب ضد حقنا في التعبير» وحرب ضد «الجمهورية»، وذهب بالبعض إلى الحديث عن أحداث «11 سبتمبر» ونادى لوبين الأب بانتخاب ابنته.
لقد اختلط الحابل بالنابل وأصبح من بين المتظاهرين من يردد «نحن شرطة ومع شارلي» مشيدين بدور الشرطة في الإطاحة بالمجرمين، متناسين خطر الاحتفاء بالعسكر والشرطة وجو التحقيقات والذعر، الذي لن يطالهم بالطبع فهو موجه لكل ما هو مشتبه به «عربي، اسمر، ملتح، منقبة، محجبة»، متناسين قصة الشاب ريمي فريس قبل أسابيع قليلة، والذي قتل على يد الشرطة؟! ومن بين المتظاهرين كانت لافتات «نحن يهود ومع شارلي» ليصطاد نتينياهو في الماء العكر ويدعو الفرنسيين إلى اللجوء لاسرائيل، ويتظاهر وبكل وقاحة ويدعو أيضا لمحاربة الإرهاب! ولن أتحدث عن هموم أخرى استخدمت فيها جثث الضحايا للمصالح السياسية والإعلامية السامة والتي لا غرض لها سوى خلق جو الكره والمقت في المجتمع الفرنسي!
وإن أردت رؤية الأمور بإيجابية سأتحدث عن ملايين من الفرنسيين ممن شعروا بما لن نشعر به أبدا في بلادنا العربية وهو الشعور بالـ»مواطنة» والتحرك الجماهيري لمواجهة ما يمكن أن يهددها ويمس بها!
أجل الإنسان الفرنسي هنا يشعر بقيمة صوته، ولقد أوضح للعالم بأسره مدى أهمية حقوقه وخاصة حق التعبير بحرية ومن دون خوف.
ماذا عن المجرم؟
ما حدث من بشاعة لا يبرر كما ذكرت، ولكن وبعد التضامن وبعد أن ابتدأت الغيوم في التبدد شيئا فشيئا، لنسلط الضوء على المجرمين الأخوين، ولنسلط الضوء على الأسباب التي دعت بشباب في عمر الزهور إلى إرتكاب مثل هذه الجريمة البشعة والقتل بدم بارد.
شخصيا كنت أتوقع وبمجرد ذكر الخبر بأن يكون المتهم كما تصفه المحطات الفرنسية «مسلم»، ورغم أنني دعيت في سري بأن لا يكونا كذلك لكي يشعر الإعلام الفرنسي ولو لمرة بالخزي! ولكن الإخوان بددوا أدعيتي وصرخوا عاليا «الله أكبر» و»لقد انتقمنا للنبي».
إذا الجريمة ارتكبت باسم الدين ولتنتقم من رسمة مسيئة لمشاعر المسلمين واعتقد بأن الإساءة لا يمكن أن ترد بالإساءة ولا تبرر قتل أبرياء. وكم وددت لو أعلم من هم الأوغاد الذين استخدموا «مأساة» شابين في مقتبل العمر لتحويلهما لآلة قتل مدمرة تردد «الله أكبر»!
ولن أتساءل عن سبب لجوء مثل هؤلاء الشباب لأحضان ارهابيين، لأن الأسباب واضحة جدا، وكم مل القراء من مقالاتي عن أحوال الفرنسيين العرب والمسلمين من سياسة الحكومة الفرنسية العنصرية المتبعة مؤخرا ضدهم.
ولم تكن المرة الأولى التي تصفع فيها فرنسا وتضطر إلى رؤية نتاج ماضيها الاستعماري وسياستها البوستكولنيالية الحالية المتبعة ضد المسلمين.
لم تتخل أي محطة تلفزيونية فرنسية عن دعوة العنصري زومور ولا العنصرية الحاقدة كارولين فوريست، وحقق كتاب زومور مبيعات كبيرة، رغم عنصريته ومغالطاته التاريخية، وظهر لنا ميشيل وولبيك بفكرة كتاب جديد عن «أمير مسلم سيحكم فرنسا» وأعي تماما بأنه لا يتوجب على الحكم قبل قراءته، فالمتهم بريء حتى تثبت إدانته. ومن الجدير بالذكر أن «شارلي إبدو» كانت على وشك عرض رسمة تسخر من وولبيك وكتابه!
ما أردت الحديث عنه هو مشاكل فرنسا في دمج «الإختلاف» فبعد رفض المجتمع الفرنسي لزواج المثليين بسبب رغبتهم في المحافظة على بنية المجتمع المحافظ وبعد سنوات معاداة اليهود في الثلاثينات ها هي فترة «معاداة المسلمين» تأتي لتستغل من قبل أوغاد يعزفون على وتر هوية «شباب الضواحي» التائهة وعدم الرغبة في دمجهم في المجتمع الفرنسي ليلاقوا في رسالة «الأمة» والمتطرفين «مجتمعا» أو انتماء لجماعة تحميهم من «خطر» من «يشتمون دينهم» و»يدمرون مقدساتهم»!
ما يتوجب علينا نحن وبعيدا عن الـ»فيسبوك» و»تويتر» هو معالجة اجتماعية جادة من خلال الأبحاث الاجتماعية وعلم النفس وعلم الأعصاب في محاولة لفهم ذواتنا وتركيبتنا كأفراد لتحليل سلوكياتنا ومعالجة مشاكلنا المتعلقة بمفهوم الحرية والمواطنة والديمقراطية لكي لا يقع شبابنا ضحايا في يد الإرهابيين، ولكي لا تقع شعوبنا في فخ المطالبة إما «ببسطار العسكر» أو الفهم الخطأ للدين كبديل وحيد للمطالبة بالحرية.
إعلامية فلسطينية تقيم في فرنسا
أسمى العطاونة
الشماتة عند الموت هواحط ما قد يصل اليه الانسان…ليست(ولن تكون ) من اخلاقنا…القضية فرنسية بالاساس ولست مجبرا كمسلم على اعلان برائتى ..كما ان ضحاينا لابواكى لهم( مجرد ارقام)…خلال العشرية السوداء فى الجزائر(قتل اكثر من 100صحفى وعشرات الاف من الضحايا ) لم نشهد اى تضامن لا غربى ولا عربى مما خلق نوع من البرودة فى التعامل مع الاحداث…النمودج الفرنسى وصل الى حدوده والقادم اسوأ
من يعرف قصة المغربي عمر الردّاد أكيد لا أحد …..قصة عمر تلخص حالة كل عربي في فرنسا وحالة القضاء الفرنسي بالخصوص …قصة نوعا قديمة ولكنها ذات عبرة …أدعوكم بالبحث عنها فلن أرويها لكم
هناك، في أغلب التعليقات، خلط واضح بين الحدث الفردي والحدث الجمعي. ليس هناك، من حيث المبدأ، من أساء إلى سمعة الأخت أسمى العطاونة حتى تجد من يصفها بأبشع الصفات ويشتمها بأشنع الشتائم بالحجج التي أُثيرت –هذا إذا استثنينا كافة الجهلاء والمغرضين، بطبيعة الحال. على النقيض من ذلك، هناك الكثير الكثير ممن شوهوا صورة الإسلام، في واقع الأمر (وأقصد الكثير الكثير من العرب والمسلمين، على وجه التحديد)، مما جعل الغرب وغيره يسخر، بشكل أو بآخر، من صورة مبثوثة بثًّا اعتباطيًّا ومتلقاة تلقيًا أكثر اعتباطيةً، ولكنها صورة ليست من الإسلام الحقيقي في شيء.
ألا تعلمون، يا أيها الذين آمنوا، أن الرسول الكريم نفسه كان يسامح حتى من حاربوه أضرس الحروب ومن كادوا له أدهى المكائد، وإلى حد القتل بأقبح أشكاله –ناهيكم عن الوصف والشتم القبيحين؟ ألا تعلمون أن هذا التسامحُ الأَرْيَحِيُّ كان قد حدث في عصر ساد فعلاً ردحًا من الزمن منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا؟ حقيقة، كل من يخول لنفسه قتل النفس بسبب من عمل أدبي أو رسم كاريكاتوري ظُنَّ أنه أساء إلى دين ما أو نبي ما، إنما يخول لإيديولوجيا مشحونة بعصبية شوهاء عمياء لا تنتمي إلا إلى عصور جاهلية ظلامية سبقت ذلك العصر بمئات السنين، إن لم نقل بآلاف السنين.
بارك الله فيكِ، يا أخت أسمى، وسدَّد خطاكِ أينما حللتِ وأينما نزلت.
اليسو هؤلاء الذين قاموا بالعمليه فرنسيون؟؟ الا يحملون الجنسيه الفرنسيه؟؟ لو قاموا بها يهود فرنسيون هل كان على اسرائيل ان تعتذر؟؟ لو قام بالامر ابن ساركوزي ذو الاصول الهنغاريه او البلغاريه – لا ادري ما اصله بالضبط – فهل على هنغاريا او بلغاريا لاعتذار؟؟
شكرا جزيلا لكم