شارون والجلطة القاتلة
شارون والجلطة القاتلة ليس غريبا ان يعبر بعض الفلسطينيين المحبطين عن فرحتهم بالجلطة الدموية الدماغية التي اصابت آرييل شارون رئيس الوزراء الاسرائيلي بتوزيع الحلوي، فالرجل كان كابوسا دمويا مرعبا بالنسبة الي الفلسطينيين داخل الاراضي المحتلة وخارجها، ويقترن اسمه في اذهانهم بالمجازر الرهيبة، وخاصة مجزرتي صبرا وشاتيلا في لبنان.ومن المفارقة ان معظم الزعماء العالميين الذين ابدوا قلقا واضحا بعد توارد انباء نقله الي المستشفي في حالة اعياء شديد، وصفوه بانه رجل سلام رغم ان سجل افعاله يقول عكس ذلك تماما. فالرجل عارض اتفاقات كامب ديفيد المصرية ـ الاسرائيلية، مثلما صوت ضد اتفاقات اوسلو في الكنيست الاسرائيلي، وهندس غزو لبنان من موقعه كوزير للدفاع، واعاد احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة، وتعمد زيارة المسجد الاقصي لافشال مساعي السلام التي كانت تقودها حكومة باراك العمالية، وهي الزيارة التي اشعلت فتيل الانتفاضة.خروج شارون من الحياة السياسة الاسرائيلية بات مؤكدا، حتي لو تحققت المعجزة التي يصلي من اجلها بعض الحاخامات قرب حائط المبكي في القدس، وكتبت له الحياة لبضعة اسابيع او اشهر. فقد اكد الاطباء استحالة عودته الي العمل بسبب الاضرار الفادحة التي لحقت به من جراء النزيف الداخلي في المخ. وهذا الخروج سيعني نهاية مرحلة وبداية اخري في العملية السياسية الاسرائيلية.فمرحلة شارون جسدت حكم الجنرالات خريجي المؤسسة العسكرية التي قامت علي اكتافها الدولة العبرية، واستمرت بفضلها حوالي ستين عاما. وما زال من غير المعروف كيف ستكون ملامح المرحلة الجديدة. فالاحزاب السياسية الاسرائيلية تعيش حاليا مرحلة من الضبابية وانعدام الوزن. وهذه هي المرة الاولي في تاريخ الدولة العبرية التي لا تكون فيها مسـألة الخـلافة علي مستوي القمة محسومة بشكل دقيق.وربما يكون بنيامين نتنياهو زعيم حزب الليكود هو المستفيد الاكبر من الغياب السياسي النهائي لشارون، وتراجع فرص حزبه الجديد كاديما في الفوز في الانتخابات المقبلة، ولكن نتنياهو، المجرب سابقا، لن يكون عنصر توحيد للاسرائيليين، وقد يكون من الصعب عليه الفوز بثقة غالبيتهم، لسبب بسيط لان هؤلاء يبحثون دائما عن رجل قوي يخاطب عقدة اللاأمان المتغلغلة في نفوسهم.الاسرائيليون، وبسبب عقدة الخوف هذه، يفضلون الجنرالات حكاما، لانهم يدركون جيدا في قرارة انفسهم انهم اغتصبوا هذه الارض من اصحابها بالقوة، ولا يمكن الحفاظ عليها الا بالاسلوب نفسه، ولهذا يتوقعون ان يظلوا في حالة حرب الي الابد.فالدولة العبرية هي الوحيدة التي قامت علي ايديولوجية ظهرت في القرن التاسع عشر، اي قبل قرنين تقريبا، فقد انهارت جميع الايديولوجيات الاخري المماثلة، مثل الايديولوجيات القومية والشيوعية، مثلما انهارت الامبراطوريات والدول التي قامت علي اساسها، وسبب هذا البقاء هو الدعم العسكري والمالي الغربي القوي، وضعف العالمين العربي والاسلامي.موت شارون السياسي، وربما الجسماني، قد يؤرخ لبداية انهيار الفكرة الصهيونية، وظهور ايديولوجية جديدة تقوم علي الواقعية والتسامح والمشاركة والتعايش مع اهل الارض الاصليين، لان شارون هو آخر الزعماء الايديولوجيين، وان لم يكن اولهم.اختفاء شارون ربما يخدم العملية السلمية علي عكس ما يتوقع الكثيرون، وان علي المدي البعيد، فقد كان كبرياؤه يمنعه من تقديم التنازلات الحقيقية اللازمة لتحقيق السلام، لانه ظل دائما مشدودا لماضيه كمحارب قديم، واكتفي بتقديم تنازلات سطحية مرفوقة بمجازر وحمامات دماء علي الجانب الفلسطيني.شارون اراد ان يموت بعد خصمه ياسر عرفات، وقد تحققت ارادته فعلا، ولكن لوقت قصير، بل اقصر كثيرا مما توقع، ولم يتمتع من تخلصه من خصمه الا بضعة اشهر فقط، ودون ان ينتصر علي الفلسطينيين ويفرض سلامه هو لا سلام الشرعية الدولية، فالانسحاب من غزة انقلب وبالا علي الدولة العبرية، وتحولت الاراضي الجديدة المحررة الي جنوب لبنان آخر تنطلق منها الصواريخ لتصيب العمق الاسرائيلي. وربما كانت هذه التطورات هي التي اصابت شارون بالجلطة القاتلة.9