مئة سنة من الاحتلال العسكري، مئة سنة من جرائم الحرب، مئة سنة من تشريد أهل البلاد طرداً من بيوتهم ثم تعذيباً وتنكيلاً وملاحقة لهم إلى خارج البلد كلها، ليس معهم سوى مفاتيح للبيوت القديمة معلقة على صدور امتلأت بآهات الفقد والفراق، مئة سنة من نقاط تفتيش مهينة على حدود لم تكن موجودة، حدود صنعها احتلال عسكري ثم ثبتها بجدران فصل عنصري آثمة يتساقط عندها أهل البلد برصاص الغدر بتهمة الانتقال عبرها، عبر خط وهمي رسمه المعتدي على أرض لا يملكها، مئة سنة من التطهير العرقي، من تدنيس المقدس، من حرمان الطفولة من أمن نوم الليل ومن أمان مقعد الدراسة، مئة سنة من سرقة خيرات الأرض بعد سرقة الأرواح والبيوت، مئة سنة من الكذب الصريح والتسويق الحقير لسلام لا يتحقق في عرف هؤلاء الإرهابيين سوى على جثث الأطفال، مئة سنة من غسيل دماغ للعالم كله، من إقناع العالم بإرهابية المعتدى عليه، بخطيئته في دفاعه عن بيته وشرفه، مئة سنة من كل هذا وأكثر، ثم يتساءل العالم: لماذا هذه الضربة «المفاجئة» من حماس؟ فعلاً؟ أنتم متفاجئون؟
يخرج الإعلام الإرهابي، هذا الإعلام المأجور الحقير المستميت في دفاعه عن القاتل وفي تبريره للقتل والسرقة والاغتصاب والاعتقال، متسائلاً على خلفية مصورة من الدمار الأحمر، دمار يسجله هذا الإعلام في حد ذاته ويوثقه ثم يحكيه قصة كاذبة يعكس فيها، وبكل وقاحة وعلى مرئى من العالم، أدوار الإرهابي والضحية، فتجد في الخلفية جسد طفل فلسطيني خالياً من الحياة، وفي البث الرئيسي عزاء «للضحايا الإسرائيليين». أقول يخرج هذا الإعلام الدنس فيسائل ضيوفه من المسؤولين والدبلوماسيين الفلسطينيين: «هل يرضيكم مقتل المدنيين؟ ألا تعتبرون ما تقوم به حماس عملاً إرهابياً؟» تتعاظم المصيبة في مرأى هذه الوجوه «الجادة» التي تسأل، وجوه حزينة ناعية موت المدنيين الإسرائيليين، وجوه تتلبس صورة إنسان وهي في حقيقتها وجوه لشياطين مأجورة ملقنة، تقول ما يملى عليها، تخلق «حقائق» غير موجودة، تقلب الموازين وتعكس الأدوار وتجعل من الذئب نعجة بريئة، وجوه تظهر على القنوات الأمريكية والأوروبية، ومن مبانيها الفخمة الأنيقة ومن أمام كاميراتها التكنولوجية الحديثة، تقتل الأبرياء بالكلمات، بتكرار الأكاذيب يوماً بعد يوم، وفبركة الصور يوماً بعد يوم، وترديد ذات التعابير المشوهة القذرة يوماً بعد يوم، حتى تتحول الأكاذيب والصور المفبركة والتعابير المشوهة إلى حقائق راسخة في ضمير العالم، فيموت الأبرياء. شاهت هكذا وجوه..
يقول بنيامين نتنياهو «سوف ندفعهم ثمناً سيتذكرونه هم وأعداء إسرائيل الآخرون لعقود مقبلة»، وها هو يقبض الثمن فعلاً من أرواح الأبرياء.
«هل يرضينا مقتل المدنيين؟» تتجرأون فتسألون؟ وماذا عن الفلسطينيين الذين يقتلون لهم مئة سنة إلى الآن؟ كلهم جنود مسلحون؟ ماذا عن الاقتحامات المستمرة، الجرارات والجرافات المجرمة، الأسر التي تطرد من بيوت سكنتها عبر أجيال «بأحكام محكمة» على مرأى ومسمع من العالم، الأطفال الذين يدفنون كل يوم تحت أنقاض المباني، الشابات والشباب الذين يتساقطون عند الجدران العازلة ونقاط التفتيش، الصغار الذين يعتقلون ويرمون في السجون للتعذيب والاغتصاب، النساء اللواتي يستبحن، والمقدسات التي تدنس، والأرض التي تسرق، والاستيطانات «النذلة» التي تتحقق باتساع وصفاقة دون أن يحرك العالم ساكناً… ماذا عن كل ذلك؟ فقط في الأيام السابقة، وعلى سبيل المثال لا الحصر، قُتل المئات، إن لم يكن الآلاف، من الفلسطينيين في معبر رفح وحي الشيخ رضوان وحي الرمال ومخيم جباليا وحتى الجامعة الإسلامية في غزة، وهل من مكان مدني أكثر من جامعة، بصواريخ صهيونية. أيرضيكم؟ إن أرضاكم، فسؤالكم الأخلاقي ساقط سقوط أقنعتكم، وبشع بشاعة ضمائركم.
يقول بنيامين نتنياهو «سوف ندفعهم ثمناً سيتذكرونه هم وأعداء إسرائيل الآخرون لعقود مقبلة»، وها هو يقبض الثمن فعلاً من أرواح الأبرياء. فبعد أن تباكى هو وحكومته السفاحة على المدنيين المساكين، ضرب دون عقل أو منطق وعلى مرأى ومسمع من العالم وبلا أي رادع أخلاقي ادعاه حقاً لمدنييه دوناً عن أي مدنيين آخرين، ضرب أكثر المناطق اكتظاظاً وشعبية في غزة والمناطق المحيطة. المدنيون لا ذنب لهم في كل مكان وزمان، نعم، لكن ألم تسمعوا نداءات الفلسطينيين ومحاولاتهم المستمرة لجعل «الحكومة الإسرائيلية» تتجاوب والقرارات الدولية، ألم تسمعوا شكواهم المتلاحقة من اختراقات هؤلاء الصهاينة لكل قرار دولي بشأن القضية ولكل قانون عالمي بشأن قواعد الحرب؟ ألم تنصتوا لتحذيرات عقلاء العالم وهم يصرخون أن استمرار قهر وقتل والتنكيل بالفلسطينيين لن يحقق لكم «السلام» الذي ترفعون شعاره كأنه خرقة قذرة كلكم تعرفون قذارتها واستحالة تنظيفها؟ مدنيو أوكرانيا خط أحمر، ومدنيو الصهاينة خط أحمر، ومدنيو فلسطين ماذا؟ ليسوا ببشر؟
ليست حماس بمنظمة إرهابية، وحتى أقصى الأطراف ابتعاداً عن أيديولوجيتها، نفسي مثالاً، لا نرى في رد فعلهم تطرفاً أو إرهابية، لماذا؟ لأن ما يحدث الآن ليس صنع أياديهم ولا من تدبيرهم، ما تقوم به حماس هو مجرد رد فعل، بل ورد فعل متأخر، عن كل جرائم الصهاينة على مدى قرن من الزمان، جرائم متزامنة مع صمت من عالم تحكمه المصالح والاتفاقات التي تُكتب بدم الأبرياء وترتفع على جثث الأطفال. ألا عليكم وإعلامكم لعنات السماء والأرض، شاهت وجوهكم ونفقت أرواحكم أمام كاميراتكم وأنت تقتلون الأطفال بأكاذيبكم وبتزويركم للحقائق وبوضعكم الضحايا لقمة سائغة في أفواه المجرمين. تحيا المقاومة ويحيا الشعب الفلسطيني الأبي.