لم تبخل مخابرات بلدي سورية علي يوماً، فكانوا والشهادة لله حريصين أشد الحرص على استضافتي من حين لأخر في أقبيتهم ‘الساخنة’ وتنشيط الدورة الدموية في جسدي بواسطة كابلاتهم ولسعات عصيهم الكهربائية، ومن أكرم المستضيفين كانت ‘الأستخبارات الجوية’ المعروفة بـ’حفاوتها’ والتي آثرت لي البقاء زهاء السنة في أحضانها. لست بصدد التكلم عن ظروف الاعتــــقال في أقبية الأجهزة الأمنية السورية التي يعرفها القاصي والداني، وانما ما شاهدته من أمور تعكس مآل الأحداث التي عصفت بالثورة السورية وحرفتها عن مسارها.. انها’مافيا الثورة’ متجسدة في أبسط أشكالها في المعتقلات من خـــلال من بات يسمى في عرف المعتقلين بـ’الشاويش’.. وهي تسمية تعكس كل معـــاني الذل والنذالة التي يمارسها انسان يدعي الانتماء للحراك الشعبي ولا عجب أن تجد الأخير من القيادات الشعبية للثورة المناهضة للسلطة والأغرب من ذلك أنه يمعن في تعذيب واذلال المعتقلين لنيل بركات الجلاد وكسب رضاه وكثيرا ما يكون’عين الجلاد’ التي يرى بها و’أذنه’ التي يسمع من خلالها ويعي كل شيء عن خلفية المعتقل دونما الحاجة لمسه أو التنكيل به في سبيل نزع اعترافاته وحتى يده التي يبطش بها في مواطن عديدة. في الجماعية الرابعة في فرع الاستخبارات الجوية في حرستا بريف دمشق كنا حوالي المائة معتقل في مهجع لا يتسع لنصف العدد المذكور ومع ذلك فقد كان الشاويش وأتباعه من ‘ولاد البلد’ و’المعارف’ ينامون بكل حرية ويستلقون على ظهورهم في حين أن الآخرين لا يستطيعون حتى الجلوس عدا عن سرقة الطعام جهارا نهارا وعلى مرأى ومسمع الجميع، ناهيكم عن اذلال المعتقلين وسبهم في أعراضهم ودينهم وتقديمهم كـ’قرابين’ للسجان كي يشبع في داخله غريزة الحقد والانتقام. أنا هنا لا أتكلم عن هؤلاء بوصفهم طابعاً أو سمة للثورة السورية فمما لا شك فيه أنها من أعظم الثورات الشعبية على مر العصور، ولكن آفة هذه الثورة وداءها الذي ينهش جسدها ويعيقها عن الحركة والتقدم هي هذه العقلية المتأصلة في رؤوس هؤلاء والتي بالطبع لا تعدو كونها نتاجاَ لفكر اجرامي تسلطي يحكم البلاد منذ نصف قرن ولكن من أهم أسباب علاج المرض التشخيص وكشف العامل الممرض وهؤلاء بطبيعتهم المريضة وأساليبهم الرخيصة يشكلون خطرا على ثورة الشعب السوري مثل النظام ذاته من باب أن’ظلم ذوي القربة أشد مضاضةً’ فلا عتب اذا على النظام في الشراسة التي يبديها للحفاظ على ثروات بلد بأكلمه استباحها في حين أن ‘الشاويش’ ومن لف لفيفه يبدون نفس الشراسة للحصول على الفتات.. لست أبرىء النظام السوري الذي ذقت على يديه الويلات، ولكن جل ما أقصده أن من أهم أسباب التغيير أن نبدأ بتغيير ما بأنفسنا مصداقا لقوله تعالى’إن الله لا يغيرما بقوم حتى يغيرو ما بأنفسهم’. صدق الله العظيم. وكذلك بأن لا نملي على غيرنا مبادىء الحرية والديمقراطية ونتجاهل ما يعتري الثورة من فساد عبر اناس ادعوا تمثيلها وباتوا يقطنون الفنادق الفاخرة ويعيشون كأباطرة روما بأسمها وتحت رايتها في حين أن الشعب السوري البطل بات في القفر طريداً شريداً لا مأوى له ولا سكن وشبابه باتوا منتشرين في أصقاع الأرض بلا علم ولا عمل وهؤلاء بطغيانهم يعمهون باسم الثورة والوطن والشعب والحرية والعدالة.. فهل منا رجل رشيد؟