شعار رابعة والمشهد السياسي المصري

حجم الخط
0

تبدو الصورة في مصر أكثر تعقيدا وتداخلا عما كانت عليه في أي لحظة زمنية، منذ بداية الثورة في يناير 2011. ففي حين اتسمت الأوضاع في مصر منذ بدأت الثورة بالتنوع مع اختلاف الرؤى، تتجه التطورات منذ الموجه الثورية الثالثة التي بدأت مع نهاية يونيو 2013 نحو المزيد من التنميط والعمل على إعلاء صوت واحد وهتاف واحد على غيره من الأصوات والهتافات.
وفي هذا الإطار أصبح شعار رابعة، بما يثيره من جدل مثالا واضحا على حالة التنميط القائمة في الواقع المصري مقارنة مع غيره. وأصبح جزء أساسي من الجدل حول تجريم جماعة الإخوان من عدمه داخل المجتمع المصري، والتمييز بين رفض سياسات الجماعة وأسلوب التعامل معها ومع أنصارها، وبين إقالة مرسي وسياسات ما بعد إقالته، أو رفض الإقالة ذاتها.
وخلال الفترة ما بين فض اعتصام رابعة في القاهرة والنهضة في الجيزة، ومع ارتفاع عدد ضحايا عملية الفض في رابعة، بدأ استخدام شعار رابعة وزاد بشكل ملحوظ في ظل سياسات ما بعد الرئيس المقال محمد مرسي. وتحول الشعار في المرحلة الحالية إلى مساحة خلاف واضحة بين من يراه تعبيرا عن الصمود والشرعية، ومن يراه تعبيرا عن الخيانة وتفضيل الجماعة على الوطن. ولكن على الرغم من الاهتمام الذى يحصل عليه شعار رابعة ومن يستخدمه لدى الأطراف المختلفة في المشهد المصري، فإنه ليس الشعار الوحيد الموجود على الساحة، حيث توجد على الطرف الآخر شعارات تخص الجيش أو وزير الدفاع، بوصفها التعريف الحقيقي للوطن والوطنية، أو النقيض لشعارات رابعة ومن يستخدمها.
وفي هذا المشهد الذي تسيطر فيه السياسة على حياة المصريين، ويزداد فيه
استخدام الشعارات، يقف شعار رابعة وحده غريبا ويثار حوله الجدل بأكثر مما يثار حول غيره. جدل حول الشعار إلى هدف للسلطة الحاكمة وما يحيط بها ومن يدعمها كصوت واحد مقبول للوطن، لدرجة الحديث عن تغيير اسم الميدان والمطالبة بتجريم كل من يرفع شعار رابعة.
ولعل من الأمثلة الواضحة على التناقض في التعامل مع الشعار ما شهدته مصر مؤخرا من جدل حول لاعب النادي الأهلي أحمد عبد الظاهر لرفعه شعار رابعة، ومحمد أبو تريكه لرفضه تسلم ميدالية الفوز من وزير الرياضة المصري، خاصة مع شعبية اللعبة والنادي والمباراة، مقارنة بغيرها من الحالات السابقة واللاحقة التي تم فيها رفع الشعار من قبل لاعبين مصريين.
وجاء ما حدث بعد المباراة النهائية لكأس أفريقيا بمثابة نموذج للمستقبل قابل للتعميم على كل من يرفع الشعار، حيث تم شن حملة رفض وتشويه ضد اللاعبين لم تتوقف عند موقفهم السياسي فقط، ولكنها تجاوزت هذا إلى المساس بالشخص وحياته بشكل فيه الكثير من التجريح، ورفعت ضدهم الاتهامات الجاهزة في ما يخص الولاء والانتماء، مع العديد من العقوبات الأخرى في ما يخص المهنة والحقوق المالية وغيرها. وتم التعامل مع تلك الأحداث من قبل وزير الرياضة وكثير من المتخصصين والمحللين بوصفها خلطا مرفوضا بين السياسة والرياضة.
ولكن المشكلة في التعامل مع تلك الأحداث أنها لا تتسق مع الصورة الكلية في ما يخص طريقـــة التعامل والمواقف من الشعارات السياسية الموجودة في المشهد السياسي المصري. ففي الوقت الذي يتم فيه رفض شعار رابعة بتلك الصورة، يتم الترحيب أو تجاهل من يرفع شعارات أخرى تدعم وزير الدفاع المصري أو الجيش، وكأنها لا تخلط بين السياسة والرياضة. ويتجاوز الوضع تناول وسائل الإعلام إلى الموقف الرسمي الذي عبر عنه وزير الرياضة، فبعد مطالبته النادي باتخاذ اللازم في التعامل مع اللاعب وإشارة رابعة، أكد في لقاء تلفزيوني على الاختلاف بين حالة رفع صورة
لشخصية وطنية عليها إجماع وطني ويسعد المصريين، مثل وزير الدفاع ورفع شعار جماعة محظورة بحكم القانون. وهو الخط الذي تبناه عدد من المعلقين على من يرفع شعار رابعة ومن يرفع صورة السيسي أو يضع كلمات مثل تسلم الأيادي.
وبهذا يتضح حجم التداخل الموجود في المشهد، فمن ناحية يتم إطلاق مفاهيم كبرى والتمسك بما يفترض أنها مبادئ للتحرك عندما يتعلق الأمر برفع شعار رابعة أو صورة مرسي، ويتم الاستثناء من تلك المفاهيم والمبادئ المعلنة عندما يتعلق الأمر بشعارات السيسي والجيش.
ويتضح هذا التداخل في الرياضة، كما هو في التعليم وفي كل المجالات المحيطة بالأحداث في مصر. فيتم عقاب طالب أو أستاذ لرفعه الشعار أو ارتداء ما يعبر عنه بدعاوى الخلط بين التعليم والسياسة، في حين يتم الإشادة بطالب أو أستاذ اخر لرفعه للشعارات الأخرى، ويصل الأمر إلى إشادة وسائل الإعلام بطالب لأنه اخترع ما سمى اشعار ثالثةب ليقف ضد شعار رابعة.. فالتنميط هو شعار المرحلة، والحوار ممكن ما دام يتم في سياق محدد سلفا ويدفع في اتجاه التنميط المطلوب.
يلعب الإعلام دورا قويا في تركيز الضوء على تلك الحالات، وفقا لمنظار خاص يرى في الشعار الأول العداء للوطن وتهديد أمنه، وفي الشعار الثاني وطنية وحماية للوطن. في حين يدخل استخدام الدين للقضية بين من يحرمه ويعتبر من يرفعه مرتدا، ومن يحلله ويراه رمزا لا يخص الأديان..
ويتجاوز الموقف من شعار رابعة وغيرها من الشعارات السياسية حاضر مصر إلى مستقبلها. فشعار رابعة يتحول في الخطاب الرسمي والإعلامي مع الوقت إلى التجسيد الرمزي للإرهاب والترويع ونشر الخوف، في حــــين أن صــــور وشعارات عن وزير الدفاع أو الجيش، تتحــــــول إلى المعادل الموضوعى للأمن والاستقلال والسلامة الوطنية. وما دام الأول االتهديدب قائما فالثاني ‘المنقذب ضروريا ليس فقط في الحاضر ولكن في المستقبل.
وفي ظل هذا المشهد يطالب البعض بتجريم شعار رابعة لأنه يهدد الأمن القومي، ويرى البعض الآخر ان النظام الذي يهدده شعار رمزي نظام ضعيف لا يستطيع البقاء. وتقف الحقيقة كالعادة في مساحة مما يتداول ولكن ما يرسخ في ذهن الناس حول حرب الشعارات أنها حرب على مصر.
يتبرع البعض بتفسيرات لا تستند الى منطق واضح في تعريف معنى الشعار وما يرمز له، وفقا لفكرة المؤامرة الكبرى التي تجعل لكل شكل معاني أخرى مضرة بالبشرية والأوطان، ويقف البعض مع حق الشعار في الحياة، مثله مثل من يعبر عنهم وان يتم التعامل معه بتركه في المساحة العامة ليظل أو ليموت. يراه البعض جريمة، ويراه البعض حقا، ويراه البعض الآخر دليلا على جريمة ومرحلة تتجاوز الديمقراطية المستهدفة في مصر.
ومن المؤكد أن الشعار، جزء من سياق سياسي قائم في مصر في
تلك المرحلة، وهو تعبير عن ونتاج لسلوكيات تمت خلال تلك المرحلة. ولكنه كشعار لا يعيش وحده فهناك شعارات أخرى تنتج طوال الوقت لدعم الخطاب الرسمي القائم وتمثيله كمعبر وحيد عن الوطن.
كل تلك الشعارات حاليا لا تتعايش، ولكن تتحارب لأن جزءا كبيرا من الخطاب الدائر في مصر يقوم على الإقصاء والتنميط في اتجاه محدد يحركه من يملك الميكروفون والسلطة والقدرة على فرض الأجندات.
ولكن ينبغى هنا التوقف للحظة لأن الحديث عن شعارات الجيش ووزير الدفاع بوصفها، رموزا للوطن والأمن والحماية أمور لا أختلف معها شخصيا في المطلق، خاصة في ظل تقدير شخصي للقوات المسلحة المصرية، ولكن الخطاب الحالي في مصر والذي يتم تشكيله في الواقع المصري قائم على البعد السياسي الذي يجعل المعادلة المصرية، إما الإرهاب أو تولى الجيش المسؤولية، إما تدمير الوطن أو تولى وزير الدفاع
للسلطة، إما الترحيب بالخونة أو أعطاء المسؤولية لمن يستحقها بشكل منفرد ممثلا في وزير الدفاع المصري، بوصفه المنقذ والمخلص، وإما السكوت عن عودة نظام مبارك وكتابه في الحكم برموزه، وإما عودة الإخوان كإرهاب. وهو مرة أخرى حديث قريب من حديث مبارك عن الاختيار بينه وبين الفوضى، فالمواطن الرشيد القادر على الاختيار خارج المعادلة المطروحة.
وبهذا يمكن القول ان مشكلة تلك الصورة أنها تعيد تصنيع الحاكم المسيطر على الدولة بقوة لأنه ببساطة منقذ وليس مجرد شخص قوى يملك سلطة، ولأنه جزء من الحرب على الإرهاب، وليس جزءا من قمع سياسي، ولأنه يأتى نتاج حب ورغبة من الجماهير وليس نتاجا للقـــــوة التي يملكها.
المشكلة في تلك الرؤية أنها تخرج الفكر المصــــري من حالة تعترف بقيمة المواطن القادر على الفعل، كما ارتبط بالثورة، إلى حالة تعتمد على القائد القادر على القمع، ان لزم الأمر من أجل أبسط وأهم الحقوق الانسانية ممثلة في الحق في الأمن، كما تجعل الجميع شركاء في ما يحدث، بداية من التفويض وصولا إلى خطابات تطالب السلطة وعلى رأسها وزير الدفاع باستخدام القوة والمزيد من القوة مع الخصوم، والتركيز على استخدام مصطلح الإرهاب بقوة، وبالتالي من يستهدف إرهابيين وليسوا مواطنين وفقا لتلك الرؤية.
نجد أنفسنا أمام إعادة إخراج لمشهد قديم باسماء جديدة، والقاعدة واحدة وهي ألا صوت يعلو فوق صوت المعركة والمعركة في المشهد الحالي هي الإرهاب وفقا لما تعرفه السلطة، سواء اتفق المجتمع أو لم يتفق على هذا. الإرهاب والحرب عليه أولا، والقضاء على شعار رابعة ومن يرفعه أولا، ومطالب الثورة مؤجلة من أجل عودة كتاب مبارك في الحكم، ولكن بغلاف جديد يحمل شعار الحرب على الإرهاب والحاجة لمخلص.
ليست القضية هنا دفاعا عن الإخوان أو عن مرسي، ولا تجاوزا للاخطاء التي تمت خلال فترة رئاسته والتي بررت للبعض الوصول للمرحلة الحالية. ولكنها دفاع عن مصر مختلفة عن مصر مبارك ومصر مرسي ومصر الحاضر، دفاع عن صورة وطن مختلف يقدر فيه الانسان، وبريق من حلم ظهر واضحا في يناير ولازال قادرا على الحياة بأن تكون المعركة يوما معركة الديمقراطية والانسان ودولة القانون.

‘ صحافية مصرية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية