في عام 1968، أي بعد عام من النكسة، وعشرين عاما على ميلاد حركة الشعر الحر، أصدر الناقد المصري غالي شكري كتابه ذائع الصيت «شعرنا الحديث.. إلى أين؟»، وقد قامت أطروحته الأساسية على اعتبار أن الحداثة ليست واحدة على صعد المفهوم والمرحلة التاريخية والريادة، وأنها تمس الرؤية الشعرية للعالم. بعد أكثر من نصف عقد، جرت مياه كثيرة تحت جسر الشعر العربي، والحداثة الشعرية لم تعد حكرًا على المراكز، بل عمت الأطراف أكثر فأكثر، ولكن الكتاب ـ مع ذلك – لم يفقد قيمته لكونه طرح الأسئلة في صميم الثقافة العربية.
نعود اليوم لنطرح السؤال: شعرنا المعاصر.. إلى أين؟ ليس بحثًا عن أجوبة جاهزة ومتلهفة، ولكن لتجسير مسافة بيننا وبين ما يحدث في الشعر العربي كسؤال بحد ذاته، وكخطاب جمالي وعلامة ثقافية على مورفولوجيا الروح.
الشعر في الجزائر
مثله مثل باقي الشعر المغاربي، ليس حديث عهد، بل هو يضرب بجذوره في التاريخ الثقافي ويشتمل على فسيفساء لغوي وجمالي متنوع، ولكن المركزية الشرقية صورته كذلك وأقصته من اهتمام النقد والنقاد، عدا تهميشه من الخطاب الاستعماري. وقد عرف الشعر الجزائري تحولات كبيرة منذ عصر النهضة، وظل جزءًا من المدونة الشعرية العربية الحديثة، بكل تقاطعاتها السوسيوثقافية، وتعرض للتأثير قبل أن يشب عن الطوق، ويفرض نفسه اليوم على الدارسين بما صار يقتدر عليه من صنيع الموهبة وجدة الوعي.
عبد الله العشي: تحولات القصيدة الجزائرية
نشأ الشعر الجزائري الحديث في سياقين مختلفين ومتزامنين؛ فمن جهة، ثمة سياق أدبي، تمثل في تقاليد عصر النهضة الأدبية العربية، التي فرضت أنظمة بلاغية ودلالية في التعبير الشعري، ومن جهة أخرى، ثمة سياق محلي خاص، تمثل في المقاومة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي؛ فمن خلال هذين السياقين تشكلت حركة الشعر الجزائري الحديث، فجاءت استجابة لمطالب النهضة البلاغية، ولمطالب المقاومة من حيث الفعل الاجتماعي السياسي. حين نعتمد ظاهرة الأمير عبد القادر مبدأ لميلاد الحداثة الشعرية الجزائرية، فسوف نجد كل خصائص السياقين السابقين، وسوف نجد امتدادهما على مسار الثقافة الجزائرية في القرنين التاسع عشر والعشرين، ففي هذه المرحلة تشكلت الكلاسيكية الشعرية، وخليفتها الكلاسيكية الجديدة، ثم حفيدتهما الرومانسية، وتجذرت رؤيتها الجمالية ونظريتها في الكتابة. ويعد كتاب الزاهري عن شعراء الجزائر في العصر الحاضر 1926 ـ 1927، وثيقة أدبية أرّختْ بالنصوص لتلك المرحلة.
مع ظهور جمعية العلماء الجزائريين في مطلع ثلاثينيات القرن العشرين، بوصفها حركة إصلاح شامل، تحلقت حولها نخب ثقافية عديدة، فكانت حالة ازدهار أدبي وثقافي شامل، وجد الشعر فضاءه الواسع في صحف الجمعية وأنشطتها المختلفة، فتفجرت ينابيع الشعر، مستثمرة التحولات الشعرية في العالم العربي والمهجر، واتخذت من المقاومة ضد الاستعمار موضوعا وهدفا، تواصل حتى الاستقلال الوطني.
مع الاستقلال، سيحدث تحولٌ شاملٌ في نظام الكتابة، كما حدث في نظام المجتمع، فقد، كما عرفها المشرق العربي، التي شكلت نصوصها الأولى ثورة شاملة على مستوى الرؤية والبنية واللغة والبلاغة والمعنى والقراءة، وكان طبيعيا أن تنخرط الشعرية الجزائرية، مثل سواها، في هذه الحركة، فاستأنفت قصيدة التفعيلة مسيرتها التي بدأتها في الخمسينيات، ولكن في سياق جديد، هو سياق الثورة الاشتراكية التي اتخذت كمشروع شامل للثقافة والمجتمع، فانشغل الشعراء بالمضامين ذات الطبيعة الاجتماعية السياسية، وأرختْ للوجدان الجماعي والفردي بكثير من الحماسة والخطابية، وتأسست كطبقة اجتماعية متجانسة، إلى حد كبير.
ثم حدث تحول سياسي قاد إلى الانفتاح، فتراجع المشروع الاشتراكي، وتقهقرت ثقافته، وعدل مثقفوه ورموزه مواقعهم أو غيروها، وفضل كثير من الشعراء التحول إلى مسارات ثقافية أخرى، كالإعلام والتعليم والإدارة، فتقلصت مساحة الشعرية السبعينية الاشتراكية، وظهرت حركة شعرية راهنت على الكتابة بوصفها فعلا جماليا، واشتغلت على نظام القصيدة في بلاغتها وبنيتها وهواجسها الخاصة، وتخلصتْ من ثقل الموضوعات الكبرى التي حولت القصيدة إلى خطاب إيديولوجي.
سمحت هذه التجربة الجديدة، التي برزت في الثمانينيات، بحكم انفتاحها وتخلصها من عبء الإيديولوجي، أن تتوالد الأشكال والموضوعات والنصوص والتجارب، فتعايشت القصائد جميعا في سياق من القبول والتسامح؛ فقد تطورت القصيدة العمودية وسعت إلى تحديث نفسها بصور حداثية مغايرة مفارقة، مع الإبقاء على نظامها العروضي وبعض تقاليدها البلاغية والأسلوبية، وواصلت قصيدة النثر مسارها في حريتها المعتادة، كاشفة عن الموضوعات الجديدة التي لم يمسسها الشعر من قبل، وقد أسهمت المرأة الشاعرة في تطوير هذه القصيدة، بإخلاصها لها وإثرائها بموضوعاتها الخاصة الشفافة، وبالتالي أسهمت في تطوير الحركة الشعرية الجزائرية، حتى إنه ليمكن الآن أن نتحدث عن هوية أنثوية للقصيدة، وما تزال قصيدة التفعيلة سيدة القصائد، تحاول أن تجمع بين الحسنيين، حسن العمودية وحسن النثرية. انفتحت قصيدة التفعيلة على التجارب الفكرية، المجاورة للشعر، التصوف والفلسفة خاصة، بحثا عن ثقل معرفي يحول القصيدة إلى رؤية، ويمنحها العمق الفكري ويخلصها من هواجس الذات وإكراهاتها. ظهرت بعض التجارب الشعري مثل الهايكو، غير أنها بقيت هوامش لم تقو على مزاحمة القصيدة، ولم تتمكن بعد من خلق جمهورها القارئ، وقد يطول بحثها عن قارئ مؤمن بها.
يعد ما يكتب حاليا في الجزائر من شعر، من أجمل ما يكتب في الشعر العربي، على الرغم من الحصار غير المبرر الذي يعيشه الشعر بشكل عام، فمقولة الرواية ديوان العصر، فهمت بما يعيق الشعر، فانصرفت الدراسات النقدية الأكاديمية وغير الأكاديمية إلى الرواية، واتجه القراء أو كثير منهم إلى الانشغال بالرواية، بل تحول عدد من الشعراء إلى الرواية، بحثا عن شيء فقدوه في الشعر. سيظل الشعر حاجة إنسانية دائمة، يعبر عن حاضر الإنسان ومستقبله، كما كان قد عبر عن ماضيه.
راوية يحياوي: الوعي الشعر الجديد
يعرف راهن الشعر الجزائري تراكُمًا إبداعيا ملحوظا، وتنوعًا في الحساسيات الجمالية، إلى درجة إمكانية متابعة السيْرورات الكبرى للأشكال الشعرية، والوقوف عند المنعطفات الكبرى له.
وإذا تتبعناه ضمن الرؤية الشمولية بالتبئير الجشطالتي، يمكن اختزال تحولاته وفق مجموعة من القضايا، إلا أننا نُؤطر هذه الرؤية بعبور هذا الشعر من مفرد القصيدة إلى متعدد الأشكال الشعرية، ومن شعرية أسلوبية مرتبطة بخصائص قارة، إلى حساسيات جمالية مختلفة ومتغايرة، نتيجة تنوع الرؤى، وتنوع أدواتها.
وإذا جزأنا هذه «الكلية» في تاريخها، ووقفنا عند أهم المنعطفات المفصلية، يمكننا أن نقول إنه عبر من الموضوعات الكبرى والاحتفاء بالأيديولوجي والاعتناء بالمضامين، إلى مرحلة تقويض الأيديولوجي والوعي الجمالي الشعري، الذي يؤمن بالتعدد وببنية النصوص الشعرية، ثم مرحلة التجريب في الألفية الثالثة إلى درجة ظهور الوعي الفلسفي الجمالي. لقد راهن الوعي الشعري في الألفية الثالثة، على التملص من كل أيديولوجي ومن أحادية الرؤية، وغامر في التعدد والاختلاف، لهذا يمكننا الحديث عن اتجاهات شعرية، وعن حساسيات جمالية، وعن أشكال شعرية، كأن نجد حساسية جمالية توغل في التخييل والبلاغة الجديدة، وفي تكثيف الرؤى داخل متصورات مركبة، إلى جانبها حساسية جمالية تحتفي باليومي، بعيدًا عن البلاغة وتراهن على اقتناص اللحظة الشعرية الوامضة. وأهم لحظة تحول هي العبور المختلف، وتراهن في اختيار الوجود والموجود ظاهراتيا. وعندما نقول الذات، علينا أن نتجاوز بعدها الوجداني الرومانسي، إلى الذات كطاقة رؤياوية في التجريب، مع مراعاة أن تلك الذات تملك عينها الثالثة، وحواسها تتجاوز الخمس حواس، لأنها انفتحت على كل الجهات.
قد لا تختلف حالة راهن الشعر في الجزائر كثيرا عن حالة راهنه في البلدان العربية الأخرى، نظرا لما يجمع حالة الكتابة الشعرية من عناصر خارج نصية تتعدى ما يمكن أن يكون خصوصية تجربة تميز بلدا عربيا بعينه عن بلد عربي آخر.
وأهم ميزة لشعر الأجيال الجديدة هي التنوع والتعدد والاختلاف، لأنه شعر اختبار الذات لجهات رؤيوية، لم يعرفها الشعر الجزائري سابقا، كذهابها إلى طاقة الهامشي، والموجودات المتناهية في الصغر، وكأن هذه الذات تختبر كل ممكناتها في الحس المُركب وفي التقاطها لِما لم يُلْتَقَط، كأنه الرهان في خصوصية إبداعية خارج وصاية ما أنتجته الذات المشرقية، والمختبر الشعري العام، فَجَربَتْ هذه الذات كل الأشكال الشعرية من قصيدة النثر إلى الومضة والشذرة، إلى الهايكو والقصيدة الرقمية، إلى القصيدة الدرامية وقصيدة السيرة الذاتية، إلخ.
ويمكننا أن نقف عند الشعر النسائي الجزائري كرافد مهم، شكل خصوصياته وعرف تاريخه تحولات تستحق أن تدرس، خاصة بعد التراكم والتنوع الذي عرفه في الألفية الثالثة، ولن نذهب إلى البدايات لأنها شكلت شعر الهواجس الذي هو أقرب إلى الخواطر، لأن الضمائر النسوية المستترة التي كان تقديرها «هن» تحولت إلى ضمائر منفصلة وفاعلة «أنا أكتب» فقالت في بداياتها الإصرار على الكتابة الكينونة «أنا أكتب إذن أنا موجودة»، أما في الألفية الثالثة فقد شكلت القصيدة النسائية رهانها في التعدد والتنوع أيضا، وأسست لحساسياتها الجمالية –أيضا- داخل الأشكال الشعرية المختلفة من قصيدة النثر والومضة والشذرة والهايكو، وراهنت حتى في تحديث القصيدة العمودية، لأن الذات الأنثوية اختبرت رهاناتها الإبداعية فذهبت إلى أقصى أسئلة وجودها، فخرجت من الهواجس البسيطة إلى عمق الكينونة، وقالت ذاتها المختلفة من خلال رؤاها وجسدها إلى درجة ظهور الذات الأنثوية الصوفية كتجربة مختلفة، لذا يمكننا أن نقف عند الرؤيا في الشعر النسائي لأنها تشكلت وفق أدواتها الخاصة ورؤيتها للعالم والوجود والعبور عبر عوالم مختلفة، انطلاقا من الذات التي قوضت السلطة، إلى الذات التي تتذكر متملصة من الاستنساخ، إلى الذات التي تكتب إشراقاتها وجسدها وتجاوزت الوجع والألم إلى كينونة تفلسف هذه الهواجس وتحولها إلى كينونة متخلصة من ضعفها لأنها تستقوى بالكتابة فخلقت عوالم إبداعية بديلة.
في الأخير، يمكننا أن نقول إن راهن الشعر الجزائري عرف رهانات كثيرة كموضوع الشعر ورهان التقنية، وموضوع الشعر ورهان المعرفة المركبة، وفي المُتحول الجمالي عرف رهان الأجناسية، خاصة في سَرْدَنَةِ الشعر أو تسريده، وفي اختبار الأشكال الشعرية الجديدة، وهنا نثير أهمية حاجتنا إلى منظرين يربطون حركية الشعر الجزائري بالحالة الاجتماعية، وبالوضع العام حتى نفهم بعض الرهانات في سياقاتها، ثم إن وعينا بهذا التعدد والتنوع، لن يتأتى إلا بوقفات تنظيرية، تعي خصوصية كل شكل من هذه الأشكال، خارج الانخراط في النظرة الأحادية، داخل جماليات القصيدة لا غير، في حين أن هذا التعدد يتطلب وعيا تنظيريا لكل شكل.
عبد القادر رابحي: الراهن الشعر.. بسرعتين
قد لا تختلف حالة راهن الشعر في الجزائر كثيرا عن حالة راهنه في البلدان العربية الأخرى، نظرا لما يجمع حالة الكتابة الشعرية من عناصر خارج نصية تتعدى ما يمكن أن يكون خصوصية تجربة تميز بلدا عربيا بعينه عن بلد عربي آخر. ولعل هذه العناصر الجامعة في تأثيرها، السلبي والإيجابي، على منحى الكتابة الشعرية العام، هي ما يتعلق بواقع راهن الشعر المرتبط بما صارت تتيحه وسائل الاتصال المعاصرة، من سهولة انتشار للنصوص أصبح بموجبها الحديثُ عن حالة الشعر في بلد ما، مرتبطا بما تقدمه وسائط العصر من نماذج نصية، تتحدى الرؤى النقدية التقليدية، التي حاولت ولا تزال تحاول ركْنَ النص الشعري في قوالب جمالية وشكلية معينة، بناءً على تصورات نقدية دوغمائية لم تخل من تمركز أيديولوجي، ولم يعد الواقع الشعري، كما يظهر في النشر الورقي والإلكتروني، يطمئن لها كثيرا أو يعتمد عليها في تسيير رؤيته للكتابة الشعرية في عصر الثورة الرقمية. لقد كانت الكتابة الشعرية الجزائرية لصيقة جدا إلى وقت قريب بهذه التصورات النقدية الثابتة التي توارثها المبدعون والشعراء من الزخم الثوري، الذي أحدثته حركة التجديد الشعري في النصف الأول من القرن الماضي، التي تظهر الآن وكأنها ثورة أشكال، بما يحمله مفهوم الشكل من أبعاد فلسفية تتجاوز المفهوم السطحي للشكل/ الغلاف، الذي خيم على العديد من التنظيرات الشعرية التي صاحبت انتقال القصيدة العربية من بنية تساوي الشطرين (القصيدة العمودية) إلى بنية الشطر الشعري (قصيدة التفعيلة).
ولعل بعضا من هذه القضايا التي نعتبر أن النقد العربي قد حسم فيها نهائيا منذ الثمانينيات من القرن الماضي، لا تزال عالقة في المخيال الشعري الحالي للعديد من الشعراء في الجزائر، على غرار شعراء العالم العربي، بسبب ما تخلفه البنيات الاجتماعية والثقافية للمجتمعات العربية التي تنتج في الغالب الأعم نماذج حياتية لا تتيح للمخيال الإبداعي، أن يتماشى مع متطلبات العصر، نظرا للفارق الكبير بين الواقع الاجتماعي المنافح من داخل المعياريات التقليدية عن رؤيته الجمالية للشعر، وبين الواقع الثقافي العالمي المتغير بسرعة مذهلة، والذاهب نحو آفاق ثقافية مُعولمة مفتوحة على عوالم تجريبية لانهائية.
لقد كان تغير الجوانب الفنية في النص الشعري الجزائري مرتبطا بتغير الجوانب الثقافية المتأتية هي الأخرى مما حمله الزخم التاريخي من متغيرات جذرية، على مستوى البنيات العميقة أثناء الانتقال الفجائي للمجتمعات من وضعيات تاريخية إلى وضعيات تاريخية جديدة، من الاستعمار إلى الحرية، ومن البداوة إلى التحديث، ومن الأمية إلى التعليم. ولعل النص الشعري في الجزائر قد خضع إلى هذه القاعدة التاريخية، كما هو الحال في العديد من الدول العربية التي توفر لديها شرطُ الانتقال من حال إلى حال. لقد مرّ الشعر الجزائري، منذ عصر النهضة العربية، بما مرّ به الشعر العربي عموما. ولعله كان أكثر وفاء لخطية التطور ولسرعة تقدمها من العديد من الدول العربية الأخرى. لقد تزامنت الإحيائية المشرقية مع إحيائية شعر الأمير عبد القادر، كما تزامنت موجة الرومانسية مع حالة التحديث اللغوي في القصيدة العمودية، ثم انتقلت بسرعة البرق إلى قصيدة التفعيلة مع أبي القاسم سعدالله، وجربت قصيدة النثر في السبعينيات مع شعراء الجيل الجديد، وهي الآن تحاول أن تقدم أنموذجا لكتابة متماهية مع روح العصر، من خلال ترسيخ قصيدة النثر وتجريب الهايكو والشذرية، وما صار يسمى بالكتابة الإلكترونية في المدونة الشعرية بجرأة كبيرة وبدون عقدة أو خوف.
لكن، هل استطاعت الشعرية الجزائرية المعاصرة، كما غيرها من الشعريات العربية، أن تتجاوز إشكالات المسارات الثنائية في تقديم أنموذج ناصع لقصيدة تعكس جدل اللحظة، بما يتيحه العالم من ممكنات إبداع؟ وهل استطاعت أن تتجاوز عقدة الشكل/ الغلاف التي تربض في باحة الإبداع من خلال الحروب الكلامية، التي يخوضها الشعراء في كل جيل بين العمودي والحر، وبين القديم والجديد؟ أتصور أن طريقة نمو المجتمع وتطوره أنتجت خطين متوازيين لكتابة شعرية، يسيران في اتجاه واحد، ولكن بسرعتين مختلفتين. وقد انعكس هذا التوازي على الشعر وأثر في ترسيخ الرؤى التجديدية، التي لا تزال تعتقد أنها تكتب للمستقبل.
كاتب مغربي