عطفاً على مقال الأسبوع الماضي الذي حرك نقاشاً شائكاً وبناء على نقاشات أخرى سياسية دخلتُها خلال الأسبوع، تبدت ظاهرة عاطفة الشرق الأوسط «البليغة» واضحة صارخة، عاطفة تدفع بالجميع لأخذ موقع «قطبي»، عند أحد الطرفين المتطرفين للحوار، حتى كاد الوسط يختفي تماماً من الوجود. يرى البعض في منطقة الحياد مساحة للخيانة، فحتى تكون مؤمناً قوياً لا بد أن تهين كل من يصورهم ضميرك ضد الدين، وحتى تكون مناصراً سياسياً قوياً، لا بد أن تدافع عن «منصورك» حد العبادة وتنتقد أعداءه حد الإبادة. هكذا نحن دوماً، مثلما نخلق البطل الأمثل، نصنع العدو الأشمل، وننتظر هذا ليخلصنا، وذاك لنعلق عليه كل خيباتنا. لا نعرف كيف نساند بنقد، ولا أن ننتقد بمساندة، بل نعرف فقط كيف نُغرق في الموقف بكل عاطفتنا وبكل سلاطة ألسنتنا.
حتى تكون مؤمناً، لا يستوجب ذلك الذم بالمختلف ولا قذف من له أسلوب حياة متعاكس مع الذي لك. الإيمان لا يعني القسوة ولا يتطلب إهانة حتى تجاه من يكفرون تماماً بكل مبادئك وقيمك. الإيمان ليس رد فعل تجاه الآخر، بل هو فعل أصيل بداخلك، ينمو في جوانحك وينعكس على معاملتك والآخرين. ينطبق ذلك على أي وكل إيمان، وعلى أي وكل موقف، وعلى أي وكل رد فعل. وفي إظهار هذا الفعل الأصيل الذي بداخلك، تتجلى روعة إيمانك وعمق مبادئك والنوعية الحقيقي لما تؤمن به.
وحتى تكون مسانداً لسياسي، لا يتطلب ذلك القدح في خصومه والتشكيك في أخلاقياتهم، ولا تحتاج المساندة لرسم صورة بطولية للشخص المعني، ولا تستوجب تضخيم أناه لحد لا يحمد عقباه. لا أحد مثلنا، أبناء الشرق الأوسط، له تاريخ في صنع الديكتاتوريين، نحمدهم ونمجدهم ونضخم أناهم حتى يتحولوا إلى بالونات فارغة ينتهي الأمر بها لأن تنفجر في وجوهنا. في عالم السياسية، لا يوجد مثاليون ولا توجد أيديولوجيات مثالية، هناك أفراد يمارسون السياسة يستحقون من النقد الشديد ما يتفوق بمراحل على المديح، ومن المراقبة المشددة ما يفوق بدرجات عظيمة الثقة، ومن المحاسبة القاسية ما يتعدى بمستويات عظيمة تبرير الأخطاء. من لا يستطيع أن يكون في قالب من النقد والمحاسبة والسخرية والقسوة في التحليل أغلب الوقت، فلا يصلح لعالم السياسة، ولا يجب أن يضع قدماً واحدة فيه. لذا، وفي حين أن مساندة سياسي معين ستكون فقيرة جداً مع محاولة إظهاره بمظهر البطل المثالي، فإنها ستكون أكثر فقراً وأشد مع محاولة إظهار خصومه على أنهم شياطين، وستكون في قاع الفقر السياسي والعملي مع تجنب نقده ومحاسبته والقسوة عليه. نعم، من تساند هو الأولى بالنقد القاسي والمحاسبة الشديدة، ينطبق ذلك على السياسي كما على رجل الدين، كلاهما بشر غير معصوم على كل حال.
ويتعقد الأمر بمراحل حين يكون رجل الدين سياسياً كذلك، فمناصروه يقدسون مقامه الديني من جهة ويعظمون مواقفه السياسية من جهة أخرى، حتى يصبح تناوله بالنقد من أعظم المحرمات. تحضر هنا واقعة أنه كلما كتبنا ننتقد السيد حسن نصر الله، يذكروننا بمقامه الديني وبسلالته الشريفة، ولا أعرف ما علاقة المقام والسلالة بالعمل السياسي، وإذا ما كان شخصه، لأي سبب عرقي أو علمي أو مذهبي، مصوناً مقدساً، فما له والعمل السياسي؟ وكما يقول المثل الغربي: «لا يمكنك أن تحصل على الكعكة وتأكلها كذلك»، أي لا يمكنك أن تدخل المعترك السياسي وتحافظ على هيبة أيديولوجية دينية، فما إن تضع قدمك في الساحة السياسية حتى يصبح تدينك سياسياً، وسياستك دينية، تسقط الحواجز وتصبح كل تصرفاتك مشاعاً، وحقاً مصوناً للناس للتمحيص والنقد، بل والسخرية منها كذلك.
حقيق الأمر أننا شعوب تعشق الشماعات، شماعة نعلق عليها كل آمالنا، تلك التي للبطل المثالي، وشماعة نعلق عليها كل خيباتنا، تلك التي للعدو «المثالي» كذلك. إلى أن نحمل «خِرقنا» على أكتافنا، ونتحمل المسؤولية، وننقد زاويتنا قبل الزاوية المقابلة، ونكون واقعيين في منظورنا «لأبطالنا»، لن نحظى باعتدال نفسي وفكري مما سيترتب عليه اعوجاج الحياة بأكملها. لو أننا نبدأ برفع خرق الآمال والخيبات، ستعتدل الشماعة سريعاً، وسنراها على حقيقتها.. مجرد شماعة.
لا تنسي يا دكتورة بأن شخص واحد من غير الشرق الأوسط (هتلر) بدأ الحرب العالمية الثانية وقُتل بسببه مائة مليون شخص!
هناك أشخاص يصنعون التأريخ سواءً بالإيجاب أو بالسلب!! ولا حول ولا قوة الا بالله
ذكرتي يا دكتورة رجال الدين حين يدخلون السياسة, ولكن ماذا عن العسكر لو دخلوا السياسة؟
يجب أن يكون السياسي كحبل المطاط, يتحمل الشد والضغط!
ويجب أن يُبقي (شعرة معاوية) بينه وبين المختلفين معه!! ولا حول ولا قوة الا بالله
لا توجد مبادئ بالسياسة, ولكن توجد مصالح فقط!
فالصداقات تكون حسب المصالح, أي لا عاطفة بالسياسة!! ولا حول ولا قوة الا بالله
يوماً ما إتهمت رئيسة الحزب بالكذب, فأنكرت!
عندها عرفت بأن الكذب بالسياسة, كياسة!! ولا حول ولا قوة الا بالله
مشكلتي الوحيدة مع السياسة هي تمسكي بالمبادئ!
كان أعضاء حزبي يكذبون علي حتى أوافقهم على ما يقولون بالجلسات!! ولا حول ولا قوة الا بالله
أظن والله أعلم أن الإسلام لايوجد فيه رجل دين يملك الحرمان أو الغفران.ربما كان عند الشيعة من يعطي لعالم الدين شيئا من الخصوصية، ولكن الإسلام في صورته الصافية يجعل كل إنسان مسئولا عن أعماله وأفعاله، ومن ثم فالسياسة في المفهوم لإسلامي جزء من الحياة والشئون اليومية، وابن سينا يعرّف السياسةتعريفا بسيطا وسهلا ومقتعا بأنها علم تدبير لمنزل، والتشبيه واضح. كان الخلفاء الراشدون مثلا يحكمون المسلمين،ولم يكونوا رجال دين بالمعنى الكهنوتي، يصيبون ويخطئون في اجتهاداتهم،ولكنهم يتحاكمون إلى المنهج والنص القرآني والسلوك النبوي الشريف وأهل الذكر، ولم يكونوا بحاجةأبدا إلى العلمانية وفصل الدين عن الدولة.
في الواقع العربي الراهن ومنذ قرنين من الزمان تقريبا، تم شطب الإسلام من السياسة والحياة العملية، ولم يبق منه إلا العبادات الفردية،والجنائز والزواج والطلاق. ومع ذلك يصر بعض الناس على ضروروة الفصل بين الإسلام والحياة، بل إلغاء الإسلام، وما الدعوة المحمومة إلى تغيير الخطاب الديني الإسلامي إلا دعوة لتغيير الإسلام ومنهجه وقيمه، فلا شأن له بالسياسةأو الاقنصاد أو التعليم أو الثقافة،ولا مكان له في الجهاد والبيوع وأحوال المجتمع. يجب بمفهوم الداعين إلى تجديد الخطاب الديني الإسلامي أن يتقبلوا اللواط والسحاق، وأن يقلدوا الغربيين في الميراث، والعلاقات بين الرجل والمرأة،وأن يتخلوا عن الحياء والعفة،وأن يتحولوا إلى مجرد كائنات بيولوجية ليتحققق التنوير على الطريقة الغربية، أما الحريةوالعدل
والكرامةوالإنسانية،فمتروكةللطاغيةالعسكري والمنشاري والبرميلي.
نحن شعوب عاطفية؟وما العيب في ذلك؟يفترض أن تكون هناك مثل كل المجتمعات نخب عاقلة تفكر وتخطط وتنفذ، لكن واقع الأمة اليوم لا يسمح لهذه النخب العاقلةبالعمل أو الإنتاج، وليست هذه شماعة من الشماعات. إنه يحاصرها ويطاردها بوساطة وكلاء الغرب وموظفيه في بلادناالتعيسة،وهؤلاء الوكلاء الموظفون أشد وحشية وقسوة من الغرب نفسه،ولا يسمحون
بسلام داخلي أو خارجي، بل يعشقون الاستسلام للعدو، والتلذذ بإذلاله وسياطه أو ما يعرف بإيلام الذات أو المازوكية. ليتنا نجط شماعة نعلق عليها فشلنا وخيباتنا، وانتصاراتنا إن وجدت، ولكننا مهانون ضائعون،يلعب بنا أعداء الإسلام كل ألعاب القهر والبؤس والمذلة، وللأسف هناك نخب مصنعة تسهم معه في تنفيذ هذه المهمةالبشعة،ولا حول ولا قوة إلا بالله.
انتقاد حسن نصرالله وغيره ليس ممنوعا في الإسلام، بل هناك من الشيعة من ينتقده بضراوة من الشيخ الطفيلي،وقد تعرض للنقد والاستهجان حين تحول من المقاومة للعدو، إلى مجرد تابع للطائفة في طهران، وقام بعمليةالتطهير المذهبي الخسيس في سوريا، وراح يبحث عن المقام الزينبي قبل قبل مقام القدس والأقصى كما كان يدعي. لا
أحد معصوم إلا النبي صلى الله عليه وسم،ولا قداسةإلا للخالق الأعظم. والسؤال المهم للسادة العلمانيين: هل تريدون أن نشطب الإسلام تماما من حياتنا ونعتمدعلمانية السيد ماكرون المتعصبة ونطارد الطوائف غير الإسلامية ونؤيد الظالمين الذين يشاركوننا في المعتقد؟ مع تحياتي لكل من يفكرون ويناقشون يعلقون حتى الذين يرفضون الإسلام لعلهم يهتدون.
الدين حياض لا يمكن حمايته إلا بتكسير أيدي من يحاول هدمه.