الجزائر- “القدس العربي”:
لم تتوقف متاعب الكاتب الفرنسي- الجزائري المثير للجدل كمال داود، بعد رواياته الأخيرة “حوريات” الفائزة بجائزة غونكور الفرنسية المرموقة، حيث خرجت شقيقته هذه المرة، بتصريحات لافتة تؤكد أن الكاتب يتعمد تسويق مغالطات عن عائلته ليوافق ذلك ما يريد تسويقه من كليشيهات للفرنسيين حول المجتمع الجزائري.
وفي حوار على قناة جزائرية، وجهت وسيلة داود، شقيقة الكاتب كمال داود، انتقادات حادة لشقيقها بسبب تصريحاته ومواقفه التي اعتبرتها مسيئة للجزائر ولعائلتهم، لدرجة وصفه بأنه “مختطف ومغرر به فكريا”. وعبّرت عن أسفها للطريق الذي يسلكه كمال، قائلة إنها تتمنى أن يعود إلى رشده لأنه أصبح “مختطفا فكريا ومغررا به”. وأضافت أن الجزائر ليست كما يصفها على المنابر الفرنسية، واعتبرت أن تصريحاته أضرت بسمعة والدهم الذي كان دركيا، مؤكدة أنه لو كان حيا لما سمح له بالإساءة إلى شعبه وبلده.
وتحدثت شقيقة داود التي كانت ترتدي الحجاب وتتكلم بطلاقة كبيرة، عن القطيعة العائلية التي تسبب بها كمال، مشيرة إلى أنه نسي عائلته ولم يلتزم بوصية والده الذي كان يوصيه برعاية الأسرة. وأوضحت أن والدتهم المريضة، كانت ستعيش صدمة كبيرة بسبب مواقفه وتصريحاته لو كانت واعية لما يجري، حيث إنها مصابة حاليا بالزهايمر.
وفي مقطع لافت من تصريحاتها، نفت وسيلة أن تكون أسرتهم قد عاشت في الفقر أو الحرمان، حيث كانت الأسرة تقيم في بيت واسع به حديقة بمنطقة ماسرة في مستغانم شمال غرب الجزائر، مؤكدة أن والدهم كان يوفر لهم حياة كريمة ولم يعانوا من أي شكل من أشكال الديكتاتورية داخل العائلة.
وأعربت وسيلة داود عن استغرابها من تصريحات شقيقها حول كونه الوحيد المتعلم في الأسرة، مشيرة إلى أن جميع أفراد العائلة قد بلغوا مستويات جامعية. كما انتقدت الاتهامات التي طالت العائلة بوصفها “حركى” (المتعاونون مع الاستعمار الفرنسي وقت الثورة)، محملة كمال مسؤولية هذه النظرة الخاطئة. وأكدت أن والدهم غرس فيهم حب الوطن منذ الصغر، واصفة ما يفعله كمال بأنه خروج عن ذلك النهج.
وذكرت أن عائلتها كانت تضم مجاهدين في فترة الثورة، وهي بعيدة كل البعد عما توحي به تصريحات كمال داود المتماهية مع الطروحات اليمينية في فرنسا. كما أشارت إلى الضرر الكبير الذي عاد على العائلة التي بات البعض يشكك في هويتها الدينية وينعتها باليهودية، في إشارة إلى تصريحات شقيقها الداعمة للرواية الإسرائيلية. وأكدت في السياق، أن العائلة ملتزمة بالدين الإسلامي وأن والدهم كان حريصا على تلقينهم الصلاة والشعائر الدينية.
وعلى الرغم من الاستهجان الكبير الذي تثيره مواقف داود، إلا أن خروج شقيقته لم ينجح في تحقيق الإجماع، حيث اعتبره البعض وسيلة غير أخلاقية للضغط على الكاتب بدل مقارعة أفكاره بالحجج. بينما اعتبر آخرون عكس ذلك، أن هذه السيدة أعادت الأمور إلى نصابها، بكشفها كذب داود الذي كان يردد في كل مناسبة أنه عاش فقيرا ومحروما، وأن ما يعيشه اليوم من “نجاح” هو انتصار على ذلك الماضي.
وذكر الكاتب الصحفي محمد علواش، في هذا السياق، أن تصريحات وسيلة “قضية عائلية” لا جديد فيها، لأن الخلافات الأيديولوجية والسياسية داخل العائلات أمر طبيعي. لكنه انتقد محاولة الإعلام الجزائري تصوير نفسه كإعلام حر ومستقل على خلفية إتاحته الفرصة لشقيقة داود للتعبير، مشيرا إلى ما وصفه بـ”بهتان إعلامي” لتلميع الصورة بطريقة لا تعكس الواقع.
على الجانب الآخر، أثار الكاتب محمد كمون في منشور على فيسبوك، إشكالية ازدواجية المعايير الإعلامية، عبر سؤال افتراضي عن ردود الفعل لو أن قناة فرنسية استضافت وسيلة داود لتهاجم أخاها وتنتقد الجزائر، مشيرا إلى أن بعض الأطراف كانت ستصف الأمر حينها بحرية التعبير وبالبطولة النسوية.
أما الصحافي يونس صابر شريف، الذي أجرى الحوار مع وسيلة داود، فدافع عن قراره باستضافتها، موضحا أن حضورها جاء بمبادرة شخصية للدفاع عن العائلة، بعدما شعرت بالإساءة المتكررة بسبب تصريحات كمال. وأصر صابر شريف على أن وسيلة لها الحق في التعبير عن موقفها تماما كما يملك كمال حق الحديث عن عائلته، معتبرا أن الحوار لا يمثل هجوما شخصيا بل محاولة لتصحيح مفاهيم يراها أفراد عائلة داود مغلوطة.
ويأتي هذا الظهور الإعلامي لشقيقة كمال داود، في وقت تتزايد فيه الأزمات المحيطة بالكاتب، خاصة بعد اتهامه بالسطو على قصة سعادة عربان، وهي ناجية من مجزرة خلال العشرية السوداء في الجزائر، واستخدامها في روايته “حوريات” التي فاز بها بجائزة غونكور الفرنسية.
وقالت عربان في حوار صحافي، إنها كانت تروي تفاصيل حياتها لزوجة داود، الطبيبة النفسية التي كانت تعالجها، وأنها رفضت سابقا طلبا باستغلال قصتها. لكنها صُدمت كانت عندما اكتشفت أن رواية داود تتقاطع مع أحداث حياتها بشكل واضح. وأثار كل ذلك موجة تضامن مع سعادة عربان على وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة أن زوجة داود متهمة بإفشاء السرّ الطبي لمريضة، بينما نفى داود تماما أن يكون قد روى قصتها.
وتدور رواية حوريات، حول فتاة تُدعى “فجر” نجت من مجزرة وهي في الخامسة من العمر، وبقيت آثار محاولة الذبح على رقبتها. ويتخيل الكاتب في الرواية حوارا بين هذه الفتاة وابنتها القادمة للحياة، مع تفاصيل كثيرة بعضها يدغدغ الكليشهات الغربية عن الإسلام والمرأة والجنس في المجتمع الجزائري.
وساهمت خلفية داود ومواقفه المستمرة منذ سنوات في إشعال هذا الجدل، حيث يراه البعض مروجا لأطروحات نيوكولونيالية، تغوص في أفكار احتقار الذات والانبهار بالغرب، حتى بات ينعت نفسه بأنه “فرنسي أكثر من الفرنسيين”. وما زاد الطين بلة، مواقفه بعد عملية طوفان الأقصى، وتماهيه التام مع الأطروحة الإسرائيلية، حتى أنه كتب مقالا على مجلة لوبوان اليمينية، يعتذر فيه لمن يصفه بـ”صديقه الإسرائيلي”.