شكراً إبراهيم عيسى

«إحنا محتاجين قانون يحقق العدل، مش قانون ظالم يتطبق بالعدل»، هكذا قالت فاتن أمل حربي في آخر حلقة من المسلسل الذي يحمل ذات الاسم، هذا المسلسل الذي أحدث ضجة أجبرت الأزهر على الرد ببيان شديد اللهجة دفاعاً عن «عالم الدين الإسلامي بعمامته الأزهرية البيضاء» دون تكلف التعامل مع المصائب والخروقات الإنسانية الشنيعة التي استعرضها المسلسل بوضوح وشجاعة، والتي تعاني منها النساء في العالم الإسلامي بشكل يومي كتبعات لقوانين الأحوال الشخصية المبنية على القراءات والتفاسير للنصوص الدينية والتي يعتبر الأزهر أحد أهم وأكبر المسؤولين عنها.
غضب الأزهر مؤكداً أن «لا كهنوتية في الإسلام»، في حين أن غضبة هذه المؤسسة واللهجة الصارمة شبه التهديدية لبيانها يدلّان على هذه الطبيعة الكهنوتية المفروضة فرضاً على الدين، التي من تبعاتها الجمود التام للتشريعات الدينية، مما يجعلها عصية على إعادة القراءة وإعادة التفسير والصياغة بما يتناسب ومفاهيم العصر الحديث والمبادئ الإنسانية التي تحكمه. الأزهر وغيره من المؤسسات الدينية السنية منها والشيعية، قد أسست لفكرة الكهنوت الديني الإسلامي بدءاً في الواقع من فكرة قيامها كمؤسسات تصدر بيانات وفتاوى وتفصل في الحلال والحرام ولفتاواها وآرائها تبعات خطرة على مؤسسات الدول وأفرادها، وما هي الكهنوتية بعد ذلك؟ كلما تساءل مسلم عن مسألة لم تعد منطقية في الزمن الحديث، وكلما أنَّت مسلمة من تبعات القراءات الذكورية الأبوية الحارقة للنصوص الدينية، قيل لهما: الدين لأهل الاختصاص، لا حق لكما التساؤل المتشكِّك ولا الاعتراض، لكما الاستفسار والتساؤل المهذب، ومن بعده الطاعة العمياء، وما هذا سوى كهنوتية قمعية صارمة؟ نعم، «لا كهنوتية في الإسلام»، لكنكم أنتم من دسستموها دساً في صياغة فقهه وعقيدته حجة وحاجة واستفادة.
غضب الأزهر من إظهار المسلسل لرجل الدين «بصورة غير لائقة» ولم يتفاعل مع مشاهده الواقعية المليئة بالذل والقهر، التي لا يمكن أن ينكرها واع، والتي تعانيها المرأة المسلمة، فهل يستحق رجل الدين «الفزعة» وملايين النساء المسلمات ليس لهن أي استحقاق؟ وما مشكلة نقد رجل الدين؟ هل يا ترى كل رجال الدين معصومون؟ هل كل أزهري متمم لمكارم الأخلاق، معصوم، يقف في مصاف الأنبياء؟ أليس بين رجال الدين فاسدون؟ أليس في الأزهر كما في الحوزات الشيعية كما في كل المؤسسات الدينية البشرية، وصوليون، أم أن «الرجال» يدخلون هذه المؤسسات بشراً وينتهون فيها إلى ملائكة؟
أغضبكم المسلسل، سواء كمؤسسات دينية أو كشوارع إسلامية عامة، ساءكم أن يضع أمام أعينكم الحقيقة عارية، كأنها جسد محروق مشوه. نحن مجتمعات الستر، مجتمعات المرأة التي تحافظ على بيتها ولو على حساب روحها وكرامتها بل وأمنها وحياتها، نحن مجتمعات العيب الذي لا تتسبب فيه سوى المرأة والطمطمة على الفضيحة التي لا تتحقق إلا على حسابها. أغضبكم، مؤسسات وجماعات وفرادى، استعراض تبعات قوانين الأحوال الشخصية، تلك التبعات المتطابقة في بشاعتها في معظم المجتمعات الإسلامية إلى حد كبير، فأنتم لا تريدون مواجهة الجريمة، لا تريدون النظر في عين القهر والذل والألم. تريدون للأسى أن يبقى في أروقة المحاكم حيث القانون يلبس المسؤولية. أما الدين، كمصدر رئيسي من مصادر التشريع، فتريدونه أن يبقى بعناوين الرحمة والعدالة و»الرفق بالقوارير» صورياً، كمثاليات تتداولونها من على المنابر وعلى ألسنتكم في الشوارع دون أن تحققوا، قراءة وتفسيراً وتحليلاً، روحها، ودون أن تتبينوا مدى إمكانية تطبيقها من خلال قراءاتكم الحالية، دون أن تكلفوا أنفسكم تبين تداعيات التشريعات بصورتها الحالية على «الأم والأخت والزوجة»، الصفات التي تتشدقون بها مراراً وتكراراً في جملكم الكليشيهية مفرغة المعنى.
بداية من موضوع فرض الحجاب، إلى تغطية الصغيرات، إلى ولاية الأب على ابنته البكر، إلى وصاية الأب على أبنائه، إلى حرمان الأم من الحضانة في حال تزوجت مجدداً، إلى غيرها من القضايا التي أسست لها القراءات الدينية وصاغتها القوانين العربية تآمراً مع هذه القراءات الأبوية. كل هذه تجلت في هذا العمل الفني الرائع صوراً حقيقية وواقعية من المجتمع المصري، والتي تعكس إلى حد كبير نفسها في المجتمعات العربية الإسلامية بالعموم. قضايا خارقة القهر، بشعة الظلم تبدت في مشهد بعد الآخر في المسلسل بشكل طبيعي غير متكلف، قضايا لا يستطيع عاقل أن ينفيها أو يدعي عكسها وهي تملأ الحياة الواقعية ببيوتها ومحاكمها ودور رعايتها، وأخيراً مدافنها بعد أن تموت النساء قهراً أو قتلاً. فماذا فعل أبطال الأمة الإسلامية، من مؤسسات وأفراد، بعد عرض المسلسل؟ اعترضوا على «تعديه» على الدين ورجالاته، الكهنوت بحد ذاته الذي ينفونه. وعوضاً عن معالجة الخروقات الفاحشة التي بينها المسلسل بشكل لا يقبل النفي، تجاهلوا هذه المظالم والفواحش، بل وأمعنوا في تثبيتها بنفي مسؤولية المجتمع والقراءات الدينية والقوانين عنها، فعلى كل حال هي كلها مصابات النساء، والنساء درجة ثانية في مجتمعاتنا الفاضلة. المهم التركيز على مصاب المؤسسات الدينية ورجالات الدين جراء نقدهم هذا المسلسل، ننقذ هؤلاء أولاً ولتذهب النساء إلى الجحيم.
نرفع لكم القبعة، صناع المسلسل وأبطاله، هي خطوة مهمة على طريق طويل. كل «علماء الدين» ومتخصصيه وحراسه لم يجرؤوا على أن يناقشوا القصورات، دع عنك أن يقولوا قولكم، في حين أنكم أنتم، أهل الفن، المشخصاتية، استطعتم أن تطرقوا أثقل الأبواب وأعتاها. رسالتكم عظيمة ومجهودكم يشرف كل إنسان يرفض الظلم. حين تغلق كل الأبواب، علينا بأهمها وأنقاها وأكثرها رحابة واتساعاً، باب الإبداع والأدب والفن، فهو المنقذ مراراً وتكراراً وعلى مدار التاريخ البشري للبشر أنفسهم من شرورهم ومظالمهم. شكراً إبراهيم عيسى، سلم قلمك.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    عزيزي سلام , بعد التحية ونيابة عن العزيز دكتور منير حفظه الله أقول :
    لا تضيع وقتنا بالبحث المتكرر عن ما تريده بالقرآن والسُنة ,
    لأنك تعرف تماماً ماذا يوجد بهما من أحكام وشرائع عن حقوق النساء !
    الرجل رجل , والمرأة مرأة , جمع الله بينهما بكثير من الأمور المشتركة , وفرق بيننهما بالقليل من الأمور !!
    المرأة التي لا تتقبل أحكام الله ورسوله حرة في إختيارها , وحسابها عند ربها فقط , ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول اثير الشيخلي - العراق:

    مصيبة اي انسان و آفته هي الجهل!
    و تتعاظم هذه المصيبة حين بحاول ان يتظاهر مثل هذا الإنسان انه عالم بما يتفوه به و في الحقيقة هو أجهل من عقرب كما يقال!
    فهناك من ينُظر بمعاني مصطلحات لغوية وفق المعنى الشائع لديه و كما يظن ان ذلك معناه و ليس كما هو معناه الحقيقي في اللغة و بالتالي في كتاب الله، فيطالب الآخرين ان يقصروا فهمهم على فهمه الخاطئ هو و تصوره الباطل و ينصب من نفسه حاكماً على مراد الله في كتابه!
    .
    ثم يأتي جهل من نوع اخر فتجد من يبرأ المشكور منه من انه بعيد عن السياسة في حين انه يتكلم فيها يوميا في برنامجه البائس و هو ممن طرح نفسه معارضا لمبارك ثم شهد زوراً لصالحه، ثم حاور السيسي قبل توليه الرئاسة و حين تجاوز خط احمر في الأسئلة عنفه السيسي و اسكته بطريقة مخجلة و كأنه طفل في الروضة، لم يحر معها إجابة و لم تنتفخ اوداجه كما يفعل يوميا في برنامجه على من يهاجمهم و انكمش كالفأر المبلل أمامه، ثم يأتي من يقول ان الرجل لا يتكلم في السياسة
    .
    ثم يتم شكره وهو المطبل الأكبر للدكتاتور و المبرِر القمئ لقمعه و إجرامه، رغم ادعاء من يشكره انه مع حقوق الإنسان و ضد الدكتاتورية و مع الديمقراطية!
    اسمع كلامك اصدقك اشوف عمايلك استعجب!
    نعوذ بالله من الجهل و التلون و من جلود الثعابين!

  3. يقول سلام عادل(المانيا):

    عزيزي الكروي دائما الاخوة المعلثون يرددون ان الاسلام احسن وافضل من اعطى حقوقا للمراة ولكن لا احد يوما اعطى مثالا مدعما بالنصوص الدينية وانت فعلت نفس الامر لو كنت عددت لنا حقوق المراة في الاسلام لكان افضل ولكن ان نقول امرا ولا نعرف عنه شيئا فتلك هي المصيبة واتمنى منك او من الاخرين الاجابة على طلبي ممن يعرفون جيدا حقوق المراة لنرى ونقارن هل كانت المراة في زمن حمورابي وتشريعاته افضل حظا ام الاسلام كرمها اكثر من حمورابي ولا نقول التشريعات الحديثة في ايامنا

  4. يقول عبد الكريم البيضاوي:

    اثير الشيخلي – العراق

    أظن لسنا في حاجة للمز والغمز , أو إلصاق التهم بالجهل أو غيره. للأسف الإخوة العرب الذين يعيشون في الأوطان العربية ـ لن يلاموا – أنهم لم يجربوا الطريقة الديمقراطية في الحوار والنقاش حيث الشخص لامكان له في الإعراب بل الموضوع الذي يناقش وليس القول مثلا:” يأتي من يقول أن السيد ابراهيم عيسى لايتكلم في السياسة ” ” أو ” يأتي من يشكر إبراهيم عيسى”. لايهمني الشخص بل أبدي رأيي ولايهمني القائل إلا إذا كان الرد مباشرا كسؤال وجواب مثلا.

  5. يقول عبد الكريم البيضاوي:

    أثير الشيخلي تتمة :

    أنا أشكر إبراهيم عيسى مرات ومرات , وهذا مايسمى بحرية الرأي والتعبير , هناك من يشكر و هناك من يدم. وليس لأحد الحجر على رأي الآخر , هي الديمقراطية التي ينشدها كل مواطن في دولة ناطقة بالعربية. لكن للأسف مغزى هذه الديمقراطية لايدريها إلا من يعايشها لأنها ليست نظرية خيالية ومبتغى يتمناه الفرد , الديمقراطية صعبة المراس ياأستاذ أثير.

    أن السيد ابراهيم عيسى لايود أن ينتقد فلان أو علان في السياسة , ذاك شأنه وهو أدرى به, لماذا سأرغمه أنا أن ينتقد أناسا هو لايود في الوقت الذي يتحدث فيه هو عن الدين , هذه الطريقة للأسف معروفة عند الإخوة المتدينين , الهروب إلى الأمام ,وهي إما الطعن في الشخصية أو القول بعدم الإلمام والجهل من طرف المناظر أو التكفير والزندقة والقصص كثيرة. هذا لايجري في الحوارات الديمقراطية , فلا جهل ولاتكفير ولاتخوين ولازندقة بينما الفكرة تقارع أختها والسر المقدس هو احترام الفرد ورأيه ولو لم يرق لك.

  6. يقول امل يونس:

    منذ فترة وجيزة وعن طريق الصدفة تعرفت على ابرنامجين تلفزيونين، الاول بعنوان ‘مختلف علية’ للاستاذ الكبير السيد ابراهيم عيسى والآخر هو برنامج يتفكرون. فمنذ ذلك الحين استثمرت بعض الوقت بمشاهدة هاذين البرنامجين والاستماع لضيوفهما ذوي المعرفة العظيمة بكل ما يتعلق بالاسلام.
    رغم ان ضيوف تلك البرامج، كما ذكرت، هم وهن ذوي كفاءات عالية، الا ان الاستاذ المفكر الكبير، وخليفة ابن رشد، يوسف الصديق هو جوهرة ذلك التاج المكون هؤلاء المفكرون والمفكرات الذين سبق ذكرهم.
    اخيرا اود ان اوجة نداء لكل من يقرأ هذا التعليق:
    الرجاء مساعدتي بايجاد كتاب ‘هل قرأنا القرآن ام على قلوب اقفالها’؟
    شكرا

1 2 3 4

إشترك في قائمتنا البريدية