رفع الحد الأدنى للأجور إلى 1200 جنيه شهريا هو الإنجاز الوحيد الذي ينتسب لمعنى الثورة في مصر إلى الآن، وبالطبع توجد إنجازات أخرى أصغر من نوع دفع ديون الغرامات والإعفاء من مصاريف التعليم ورسوم الكتب المدرسية، وكلها قرارات حكومية تقترب نسبيا من مجرى العدالة الاجتماعية، التي لم تقترب منها حكومة الرئيس المعزول محمد مرسي، وكانت سببا جوهريا لسقوطها بثورة شعبية عفوية، جاءت استطرادا للثورة الأولى في 25 يناير 2011.
صحيح أن هذه الإجراءات محدودة في أثرها، وأقرب إلى معنى حسن النية، لكنها قد لا تعني شيئا كثيرا، فرقم الألف ومئتي جنيه ـ شهريا ـ لموظف أو عامل لا ينهي مأساة الفقر الناهش في أعصاب وأبدان المصريين، ولا يكفل لأسرته سوى أن تعيش تحت خط الفقر الدولي، والمقدر بدولارين في اليوم للفرد الواحد، خاصة أن معدلات التضخم متصاعدة، والغلاء تتزايد معدلاته الفلكية، ويلتهم الزيادة في الأجور المقرر تنفيذها مع مطلع العام 2014، أضف إلى ذلك تفاقم البطالة التي تضخمت في سنة مرسي الكبيسة، وإغلاق آلاف المصانع الصغيرة، ثم استمرار غلق المصانع الكبرى التي جرت خصخصتها و’مصمصتها’، والتي أعاد القضاء الإداري بأحكامه القاطعة عددا منها إلى حوزة الدولة، وظلت الأحكام حبرا على ورق، فلم تنفذها حكومات مجلس طنطاوي وعنان، ولا حكومة الإخوان بعدها إلى يوم الموجة الثورية العظمى في 30 يونيو 2013. ولم تنفذها الإدارة الرئاسية وحكومة حازم الببلاوي الحالية، رغم أن التنفيذ يكفل إعادة تشغيل عشرات الآلاف من العمال، ويعيد إلى الاقتصاد المصري الهش بعضا من انتاجيته المفقودة، خاصة لو انتبهت الدولة إلى حل جذري لأوضاع مصانع قطاع النسيج، وهو الذي يضم الفئة الأكبر من عمال ما تبقى من القطاع العام، وهم في وضع البطالة المقنعة، ولأسباب تتصل بخلل جوهري مزمن في السياسات الحكومية، التي تفضل اقتصاد الريع و’اقتصاد التسول’ على اقتصاد الانتاج، وتهدم الزراعة والصناعة، وتجرف الطاقات الانتاجية، ولا تتخذ إجراءات حماية ضد إغراق السوق بسلع وبضائع مستوردة، لا تستفيد منها سوى طبقة النهب العام، وتزيد الفجوة في الميزان التجاري المختل لاقتصاد معتل، زادت أزمته مع ظروف تعيق قطاع الخدمات السياحية، وكادت تشله تماما.
والمعنى الذي نقصده ظاهر جدا، فلا يمكن تجاوز العلة بإعادة إنتاج العلة ذاتها، ولا فرصة لشفاء من الداء بالتي كانت هي الداء، فقد يكون قرار رفع الحد الأدنى للأجور خبرا مفرحا، لكنه يصدر عن حكومة كئيبة، وأصل الكآبة ليس في الطلعة البهية للدكتور حازم الببلاوي رئيس الحكومة، بل في مغزى هذه الحكومة ذاتها، صحيح أنها حكومة انتقالية، وصحيح أن البعض القليل من وجوهها قريب من روح الثورة، لكن غالبية الوزراء ليسوا كذلك، ورئيس الحكومة ـ بالقطع ـ ليس رجلا ثوريا، فهو ابن ونصير صيغة الاقتصاد المعتل الموروث عن المخلوع مبارك، وهو ـ أي الببلاوي ـ رجل يؤمن بما يسميه اقتصاد السوق الحر، الذي استقر في مصر على صيغة ‘رأسمالية المحاسيب’، التي احتذاها الإخوان في حكمهم حذو النعل بالنعل، وتحتذيها حكومة الببلاوي في عمومها، وهو ما يستثير شعورا بالكآبة العامة، ويزيد من إحباط الناس المتلهفين لرؤية أثر إيجابي لثورتهم الكبرى. فالناس تضيق بالظروف الاجتماعية والاقتصادية أكثر من الضيق بالظروف الأمنية، وقد لا تكون خريطة الطريق السياسية ملهمة لغالبية المصريين، وقد تكون نظرتهم إلى الدستور الذي يعد الآن على طريقة ‘دستور يا أسيادنا’، ثم أنهم لا يملكون ترف الانتظار حتى تتم انتخابات البرلمان وانتخابات الرئاسة، وقد جربوا الاستفتاءات والانتخابات من قبل، وأقبلوا عليها بكثافة، ثم تبين حجم الكارثة مع الفشل المذهل للذين حازوا الثقة التصويتية.
ولا نريد هنا أن نلبس مسوح الواعظين، ولا أن نؤكد ما هو بديهي، من نوع ارتباط أوضاع الاقتصاد بأوضاع السياسة، فهذا كله مفهوم عندنا، لكنه لا يقدم حلا تلقائيا، فمن الوارد جدا أن تتحسن ظروف الأمن، وأن يأتي رئيس منتخب وحكومة منتخبة، وأن تدور عجلة الاقتصاد كما كانت، ومــــن دون أن يتحقق معنى الثورة، أي من دون أن يتحقق معنى الانقلاب الشامل على اختيارات البؤس التي سادت عبر العقود الأربعة الأخيرة، وهـــذه هـــي سيـــرة المــحنة التي تصادف الثورة المصرية المعاصــــــرة، والتي لا تجعلها قادرة على إحراز إنجاز كبير مباشر يشعر به سواد المصريين. وعلى طريقة ما جرى مع ثورة الضباط الأحرار في 23 يوليو 1952، التي بدأت ضرباتها القوية في أسابيع الثورة الأولى، وشقت طريقا مختلفا عن الذي كان قبلها، ثم كان الانقلاب على طريق الثورة والنهوض بعد حرب 1973، ثم كان عهد الانحطاط المصري الطويل، الى أن جاءت الثورة الجديدة من 25 يناير 2011 إلى 30 يونيو 2013، وعبرت عن رغبة عارمة في الانقلاب على الانقلاب، وبحركة الناس الأحرار هذه المرة، وليس بحركة الضباط الأحرار.
ولأننا لا نشتري الثورات من ‘السوبر ماركت’، فقد ولدت لنا هذه المرة ثورة بسمات فريدة، فيها وهج الملايين في الشوارع والميادين، وفيها عجز الاكتمال من أول ضربة، وهو ما يفسر تعدد موجات الثورة، وكأنها ‘إيزيس’ في الأسطورة المصرية القديمة، التي تكدح سعيا في لم أشلاء زوجها وحبيبها المغدور ‘أوزوريس’، وحتى تصنع منها جسدا واحدا متحدا، تبعث فيه روح الحياة مجددا، وتعود فتحمل منه، وتلد ‘حورس’ كرمز وعنوان لمصر الجديدة، إنها رحلة العذاب العظيم التي تجتازها الثورة المصرية الآن، فقد ولدت الثورة بلا قيادة مطابقة، وهو ما يغري بالتحايل عليها، وعلى طريقة جماعة مبارك وجماعة الإخوان، وهما الجماعتان البارزتان في زمن الانحطاط المصري الممتد من أواخر سبعينيات القرن العشرين إلى الآن، ولم يكن بينهما من تناقض، بل كان التنافس، فقد كانتا تركبان ذات ‘الباص’، وتقصدان الوجهة نفسها، وتتزاحمان في عنف على رغبة في احتكار البؤس، وهو ما يفسر سعي كل جماعة إلى رمي الأخرى من النافذة، وكانت المفارقة أن الشعب المصري رمى الجماعتين من ذات النافذة، وربما إلى ذات المزبلة، لكن واقعة ‘الرمي’ لم تكن نهائية ونافذة، فقد تصورت جماعة الإخوان أن 25 يناير 2011 فرصة لوراثة جماعة مبارك، فيما تصورت الأخيرة أن 30 يونيو 2013 فرصة لإزاحة الإخوان عن مقعدها المفقود.
وفيما بدت الثورة نفسها في حالة يتم ظاهر، فهي ثورة تقوم ولا تحكم، وتبدو كأنها استعراض باهر لقوة الناس في مشاهد تدوم لأيام، ثم يعود الناس إلى بيوتهم، وتأكل فئران السياسة رداء الثورة، وتقوم حكومات تتغير فيها الأسماء، لكن الجوهر يبقى على حاله، وتمشي البلد في الحذاء نفسه، فلا محاكمات ثورية، ولا مصادرة للأموال المنهوبة، ولا عزل سياسي لجماعتي البؤس، ولا تغير في الاختيارات الجوهرية، لا تغير في اختيارات الولاء للأمريكيين وحفظ أمن إسرائيل ورعاية مصالح ‘رأسمالية المحاسيب’، أي أننا نظل بصدد ثورة تقوم، ثم تأتي حكومات ‘ثورة مضادة’ لتحكم بعدها وباسمها، وهذه هي الصفة المشتركة لحكومات مجلس طنطاوي وعنان وحكومات الإخوان، وحتى حكومة ما بعد 30 يونيو إلى الآن، والخوف أن نصادف ذات المعنى البائس في ما بعد، خاصة لو جرت انتخابات البرلمان بالنظام الفردي، وتمت الخيانة الكاملة للثورة المغدورة.
إنها مفارقات التناقض بين مشهد الثورة ومشهد السياسة، فنحن بصدد ثورة هائلة، وبصدد خيانة هائلة تعاند الثورة وتخاتلها، بصدد شمس هائلة تشرق على ‘كوم زبالة’ هائل، شمس هائلة تشرق على ‘مخزن كراكيب’، وإلى أن يتم الحسم الثوري برفع مخلفات جماعتي مبارك والإخوان، وبنهوض حزب للثورة لم يقم بعد.
‘ كاتب مصري
توصيف مذهل
لا يعرف الإنصاف.
شكرا للكاتب على مجهوده ومقاله المفيد .
لا شك فيه : أنّ المواطن المصري البسيط بحاجة الى تحسين ظروفه
وتحسين وضعه الإقتصادي المريض .
المشكلة : لن يتحسن الإقتصاد …إلاّ اذا ساد الأمن والأمان ربوع مصر
وهذا …ما تعمل عليه الحكومة الآن .
الصبر …الصبر …يا مصريين …الفرج قادم …بحول الله .
شكرا .
مبروك عليك ثوره ٣٠ يويو ومبروك عليك ألريس القائد السيسي وهوه الذي يمسك بخيوط اليويو اليويو لعبه مكسيكية ان لم تكن تعرف والسيسي هوه جزء من هذه العبه لا يقدر على ان يترك الخيوط لانه يعرف انه سوف يواجه العدالة وسيكون الحبل على الرقبه لذالك فسوف يضحي بمصر المحروس من اجل الفرار من العدالة ومبروك عليك القائد الفذ
مقال رائع للدكتور قنديل و لكنه بالطبع سوف يكون عصى على فهم من كان فى قلبه مرض
خلي السيسي ينفعك
لكن الأرقام المقارنة للاقتصاد المصري ، يا استاذ قنديل ، بين العام الماضي “فترة مرسي ” وبين فترة عقب ” هوجة ” 30 يونيو و الانقلاب العسكري في 3 يوليو ..
تشير جميعها : بأن خط مسار الاقتصادي المصري بفترة الرئيس مرسي كان تصاعديا ..
بينما الآن صار تراجعيا الى الوراء وبتسارع لافت ..!!
في هذا اليوم، أجلسوني في مكان مظلم بجوار حجرة من حجرات التحقيق و على مقربة مني كان يقف شمس بدران يحدث الرائد محمد عبد الفتاح السيسي الذي كان متهما بالسرقة و التهريب باسم المشير. فقد كان يعمل في مكتبه. و كم كان في مكتبه من اللصوص و الجلادين الذين أساؤوا إلى مصر.
هذا مقطع قرأته بالصدفة من كتاب أحمد رائف : صفحات من تاريخ الإخوان – التاريخ السري للمعتقل – مطابع المختار الإسلامية ص 197. الذي ألف في الخمسينيات أو الستينيات من القرن الماضي. و أتمنى من الإخوة المصريين أن يفيدونا بشأن حيثيات ورود اسم السيسي في هذا الكتاب للفائدة التاريخية.
يتمسكن حتى يتمكن !!!
إن لم تضبط الأمور بقوانين شعبية تملك حريتها بسماع صوتها
واحترام صناديقها ونظافتها دون أي تدخل القوة الغاشمة
لن يستقر اقتصاد ولا يوجد عدل يحترم الانسان وحقوقه .
الاخت منى من المغرب ……. حضرتك بتقولى ورد اسم اليسيسى فى كتاب من الخمسينات او الستينات و كان رائد يعنى كان عمر الشخص ده وقتها فى حدود 35 سنه مما يعنى ان عمره الان فوق 75 سنه و الفريق عبد الفتاح السيسى القائد الاعلى للقوات المسلحه المصريه الان و له كل الحب و الاحترام و التقدير من كل المصريين باستثناء الاخوان و من على شاكلتهم اعتقد انه قد تعدى عمره الخمسين عاما بقليل فمستحيل طبعا ان يكون نفس الشخص الذى ورد اسمه بالكتاب