“شهيد” أم “مهرّب”؟ مقتل البائع المتجوّل محسن الزيّاني يثير جدلاً واسعاً في تونس- (فيديو)

حجم الخط
0

تونس- “القدس العربي”: انشغلت الساحة السياسية التونسية بخبر مقتل البائع المتجول محسن الزيّاني وسط العاصمة برصاص قوات الجمارك، فبينما نددت المعارضة بعنف “دولة البوليس”، معتبرة أن الزياني هو آخر ضحايا عنف قوات الأمن التونسية، قدمت السلطات رواية مغايرة “تبرر” فيها قتل الزياني، على اعتبار أنه “مهرب” اعتدى على قوات الأمن.

وبدأت السلطات التونسية التحقيق بحادثة مقتل الزياني في منطقة “الباساج” وسط العاصمة التونسية خلال مناوشات بين قوات للجمارك وباعة متجولين حيث تسببت الحادثة بحالة احتقان أمام مستشفى “شارل نيكول” في العاصمة، والذي نُقل إليه الزياني قبل وفاته.

وأكد مصدر من النيابة العامة أنها بدأت التحقيق في الحادثة، مشيرا إلى أنها قررت الاحتفاظ بثلاثة عناصر من الجمارك، يُشتبه في تورطهم بالحادثة. كما أشار إلى أن أحد عناصر الجمارك أجرى عملية جراحية عاجلة، عقب إصابته في الاشتباكات، وحالته مستقرة.

وسارعت إدارة الجمارك إلى إصدار “توضيح” حول الحادثة، أكدت فيه أن “الوقائع التي توصلت إليها الأبحاث الإدارية في أن مصالح الحرس الديواني بتونس تحصلت على معلومات حول تواجد سيارة محملة بكمية كبيرة من السجائر المهربة في جهة الباساج فتمّ توجيه دورية على متن سيارة نظامية على عين المكان أين تمّ ضبط السيارة المشبوهة وسائقها وتمت مباشرة اجراءات حجزها، إلا أن مجموعة كبيرة من المهربين تجمهرت على عين المكان واعتدت على الدورية بالعنف وبالمقذوفات لمساعدة سيارة التهريب على الفرار”.

وأضاف البلاغ “وقد نتج عن هذا الاعتداء إصابة أحد أعوان الدورية إصابة بالغة على مستوى الرأس سقط على إثرها أرضا، وحاول سائق سيارة التهريب دهسه ممّا أجبر أحد زملائه على إطلاق أعيرة نارية تحذيرية في الهواء وعلى عجلات السيارة أصابت إحداها السائق. وقد أذنت النيابة العمومية بفتح بحث تحقيقي في الحادثة تعهّدت به المصالح الأمنية المختصة، وتمّ للغرض الاحتفاظ بأعوان الدورية على ذمة الأبحاث، في حين تمّ إخضاع عون الديوانة المصاب إلى تدخّل جراحي بعد أن تبيّن حصول كسور على مستوى الجمجمة والأنف والفكّين وأضرار على مستوى شبكيّة العين”.

غير أن الرواية التي قدمتها السلطات لم تقنع أغلب التونسيين، إذ أصدر حزب العمال بيانا بعنوان “حكومة “الشعب يريد” تقتل أبناء الشعب”، حمّل فيه الرئيس قيس سعيد والحكومة “مسؤولية هذه الجريمة وغيرها من الجرائم في حق الشباب في تينجة ودوار هيشر وحي التضامن والانطلاقة وكل جهات البلاد مع التأكيد أن هذه الجرائم لن تسقط لا بالتقادم ولا تحت أي عنوان كان”، معتبرا أن “الخيارات الاقتصادية الموروثة عن كل منظومات الحكم السابقة والتي دمرت الاقتصاد التونسي وحولت حياة الشعب التونسي إلى جحيم وتدفع بالشباب إلى الأعمال الهشة و”الحرقة” والمخدرات ستزداد خطورة مع إقدام حكومة “الشعب يريد” على عقد صفقة التفريط في تونس وفي مصالح الشعب التونسي في إطار “الإصلاحات” وإملاءات صندوق النقد الدولي”.

واعتبر الحزب أن سعيد “لا يهتم الا بكيفية احتكار السلطة والنفوذ ولا يعير حياة التونسيات والتونسيين أية أهمية، وقد انكشف على حقيقته وافتضحت شعاراته الكاذبة وعليه أن يتنحى قبل أن تغرق البلاد بشكل تام ونهائي”، داعيا “كل الشباب وجميع جماهير الشعب للنهوض دفاعا عن مصالحهم والضغط من أجل التعجيل بتخليص البلاد من منظومة التفقير والتجويع والقتل العمد برئاسة الحاكم بأمره قيس سعيد وإرساء منظومة السيادة الوطنية والعدالة الاجتماعية والحريات العامة والفردية”.

فيما أكد الحزب الجمهوري أن “استعمال السلاح الناري من قبل القوات الحاملة له يبقى مقيدا بضوابط صارمة وفي حالات استثنائية لا ترتقي في كل الأحوال الى مراقبة التجارة الموازية في وضح النهار وفي قلب العاصمة”، معبرا عن “قلقه من تزايد وتيرة التجاوزات في حق المواطنين و خاصة أبناء الفئات الهشة والمهمشة وتواصل سياسة الإفلات من العقاب في حق مرتكبي تلك التجاوزات في ظل حكم فردي يعمل في غياب أي سلطة تعديلية أو رقابية يمكن أن تقف في وجه تجاوزاته والحد منها”.

كما اعتبر أن “الأداء الكارثي لسلطة الأمر الواقع وأجهزتها وافتقادها للحلول والتصورات الكفيلة بإخراج البلاد من أزمتها سيزيد من مخاطر الانفجار الاجتماعي وتداعياته الخطيرة على السلم الأهلي”، مطالبا بـ”الكشف عن نتائج كل التحقيقات السابقة في ما تعرض له المواطنون من تجاوزات وانتهاكات و تسليط كل الأضواء على هذه الحادثة الأليمة في مختلف محطاتها ومراحلها إنصافا للضحايا وتكريسا لسياسة الإفلات من العقاب”.

وكتب عبد الوهاب الهاني رئيس حزب المجد “رحم الله الشَّهيد محسن الزَّيَّاني “شهيد المَمَرّ/الباسَّاج” التَّاجر المُتجوِّل الَّذي اغتاله رصاص أحد أعوان “الحرس الدِّيواني” في قلب العاصمة اليوم 7 سبتمبر 2022، مع سابقيَّة الإصرار والتَّرصُّد، وفرار القاتل بعد تصويب مسدَّسه وسط صراخ وإدانة المارَّة، وارتمائه في المقاعد الخلفيَّة لسيَّارة رسميَّة تحمل شعار الدّولة كانت بانتظاره، وبتشجيع من بعض زملائه، في ما وثَّقته فيديوات إعلام المواطنة.. يا قاتل الرُّوح وين تروح”.

وأضاف “وجب فتح تحقيق عاجل في أسباب وملابسات الحادث وملابسات استعمال السِّلاح تحت سلطان التَّدابير الاستثنائيَّة سارية المفعول. يتحمَّل وزير داخليَّة التَّدابير الاستثنائيَّة ورئيس الجمهوريَّة المسؤوليَّة السِّياسيَّة والأخلاقيَّة كاملة في ما حدث وهو الَّذي أصرَّ على رئاسة والقيادة العُليا لكافَّة القوَّات الحاملة للسِّلاح العسكريَّة والأمنيَّة”.

وفنّد بسام الطريفي، نائب رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان، الرواية التي قدمتها الجمارك حول الحادثة، مؤكدا أن “عضوا من الرابطة كان موجودا في الباساج، وعاين الواقعة وأكّد عدم وجود إطلاق نار على العجلات وإنما الرصاص كان موجها نحو بلّور السيارة والأشخاص الموجودين داخلها”، مضيفا “ما حصل جريمة قتل، وكميات السجائر المهربة لا تساوي الروح البشرية”.

وكتب غازي الشواشي، الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي “استعمال الرصاص الحي في وضح النهار وفي قلب العاصمة ضد الشباب الذي يشتغل في التجارة الموازية هو جريمة دولة يتحمل مسؤوليتها -رأسا وبمفرده- الحاكم بأمره بصفته يتحكم في كل السلطات وبالتالي يتحمل كل المسؤوليات”.

وطالبت جبهة الخلاص الوطني (أكبر تكتل معارض) “بكشف الحقيقة كاملة حول ملابسات الواقعة وتسليط العقاب المناسب على من تثبت مسؤوليّته، محملة سلطة الانقلاب مسؤولية تصاعد العنف ضدّ المواطنين وتكريسها سياسة الإفلات من العقاب في مقابل توظيف الأجهزة الأمنيّة لملاحقة معارضيها وتلفيق قضايا كيديّة ضدّهم”.

كما حذرت، في بيان الخميس، من “مغبة انتهاج منحى العنف من قبل سلطة الأمر الواقع في مواجهة الحراك الشّعبيّ المتصاعد احتجاجا على غلاء المعيشة وتردّي الأوضاع الماديّة لقطاعات واسعة من الشّعب التّونسي”، معتبرة أن “إصرار رئيس الدّولة على التّفرّد بالقرار والاستئثار بجميع السّلط وعدم اهتمامه بمشاغل مواطنيه ومعاناتهم يحمّله المسؤوليّة الشّخصيّة عن التّبعات الكارثيّة لانسداد الافق السّياسي في البلاد والتردّي المتواصل للأوضاع الاقتصاديّة والاجتماعيّة”.

وتأتي حادثة مقتل الزياني بعد أيام من مقتل الشاب كريم السياري في مدينة “تينجة” التابعة لولاية بنزرت (شمال) خلال مطاردة أمنية، وهو ما تسبب بحالة احتقان قام خلالها محتجون بإغلاق عدد من الطرقات والصدام مع قوات الأمن بعد اتهامها بقتل السياري، فيما أكدت السلطات أن الراحل “ابتلع مادة مخدرة” تسببت في وفاته لاحقا داخل المستشفى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية