برلين ـ “القدس العربي”: بعد أداء المستشار أولاف شولتز القسم وتسلمه المنصب من أنغيلا ميركل، بدأت في ألمانيا الأربعاء ملامح عهد سياسي جديد، يقوده تحالف ولأول مرة يجمع بين الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر والحزب الديمقراطي الحر، بعد زهاء 16 من تولي المستشارة الألمانية السابقة أنغيلا ميركل السلطة.
وخلال مراسم التسليم، قالت ميركل التي تنتمي للحزب المسيحي الديمقراطي، لشولتس:” تسلم هذا المنزل واعمل معه على تحقيق الأفضل لبلادنا”. وأضافت ميركل أنها تعرف من تجربتها الخاصة أن انتخاب شخص ما لهذا المنصب يمثل لحظة مؤثرة.
وأقسم السياسي المنتمي للحزب الاشتراكي الديمقراطي، من بين أمور أخرى، على أن يكرس طاقاته من أجل رفاهية الشعب الألماني، وزيادة منفعتهم، وإبعاد الضرر عنهم. وانتخب البرلمان الألماني في وقت سابق اليوم شولتس مستشارا تاسعا لجمهورية ألمانيا الاتحادية.
وحصل شولتس في الاقتراع السري على تأييد 395 صوتا من إجمالي 707 أصوات تم الإدلاء بها، ليتخطى بذلك الحد الأدنى من التأييد، وهو 369 صوتا.
مجلة دير شبيغل الألمانية وصفت الحدث بأنه تغيير سياسي هام طارحة السؤال: أي نوع من المستشارين سيكون أولاف شولتس؟
وترى المجلة الألمانية أن المستشار الجديد، ما زالت أمامه حواجز وعقبات كثيرة كي يتمكن من فرض نفسه سياسيا، كما ستكون معركته ضد كورونا محط أنظار الناس، من أجل تكوين صورة أوضح لطريقة حكمه. بيد أن المجلة أكدت أنه يريد التغيير، وأنه يريد بدء عهد جديد، وهو ما أكده شولتس نفسه، حيث تعهد خلال تسلمه السلطة من أنغيلا ميركل التي تنسحب من الحياة السياسية بعد 16 عامًا على رأس أكبر قوة اقتصادية في أوروبا ببداية عهد جديد. وقال الاشتراكي الديموقراطي البالغ من العمر 63 عاما، قبيل مغادرة ميركل للمستشارية، وسط تصفيق الموظفين “ستكون بداية جديدة لبلدنا. أريد أن أفعل كل شيء من أجل تحقيق ذلك”.
وتجنب شولتس استخدام كلمة الله أو أي كلمات لها دلالة دينية أثناء القسم. بعد إلقاء نظرة سريعة على هاتفه الخلوي ، وقف – شولتس ، جاهزًا لأداء اليمين كمستشار اتحادي جديد وقال : “أقسم أنني سأكرس طاقتي لرفاهية الشعب الألماني ، لزيادة المنافع ، لمنع الأذى عن الألمان، سأدافع عن القانون الأساسي والقوانين الفيدرالية ، وأؤدي واجباتي بضمير وممارسة العدالة أمام الجميع “. ويعيد هذا التصرف من شولتس موقف المستشار الاشتراكي السابق غيرهارد شرودر، الذي رفض القسم بوجود كلمات ذات دلالة دينية. بيد أن اللافت للنظر أن هذا التصرف من شولتس أتبعه تصرف مماثل من رئيسة حزب الخضر أنالينا بربوك وبعض الوزراء الأخرين مثل هابيك وأنه شبيغل وشتيفي ليميك وسفسنسا شولتسه.
مجلة شبيغل طمأنت الألمان قائلة أنه هذا ليس بالسيئ، فشولتس لا ينتسب للكنيسة، كما أنه سيقوم بالتفكير والتصرف من دوافعه الإنسانية، تماما كما يفعل أي منتسب للكنيسة، بحسب المجلة الألمانية.
وسيستهل المستشار الألماني الجديد جولاته الخارجية الرسمية عقب توليه مهام منصبه بزيارة باريس وبروكسل بعد غد الجمعة. وأعلن المكتب الصحافي الاتحادي في برلين اليوم الأربعاء أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سيستقبل شولتس في باريس بمراسم عسكرية.
وعقب ذلك يعتزم شولتس لقاء رئيسة مفوضية الاتحاد الأوروبي، أورزولا فون دير لاين، ورئيس مجلس الاتحاد الأوروبي، شارل ميشيل، في بروكسل. ومن المتوقع أن تتركز المحادثات حول التحضير لقمة الاتحاد الأوروبي المقررة الأسبوع المقبل.
ومن المقرر أن يجري شولتس مساء الجمعة محادثات مع الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) ينس ستولتنبرج. وبحسب بيان المكتب الصحفي، فإن الغرض من هذا اللقاء التأكيد على أهمية الحلف بالنسبة لأمن ألمانيا وأوروبا وعبر الأطلسي.
ويتسلم شولتس مقاليد السلطة على رأس أول حكومة تكافؤ في ألمانيا تتولى نساء فيها وزارات أساسية مع تعيين البيئية أنالينا بيربوك وزيرة للخارجية والاشتراكيتين الديموقراطيتين كريستين لامبريشت وزيرة للدفاع ونانسي فيسر وزيرة للداخلية.
كذلك تعتبر الحكومة سابقة من حيث تشكيلتها السياسية، إذ تضم للمرة الأولى منذ الخمسينيات ثلاثة مكونات هي الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر والحزب الديمقراطي الحر.
وبالرغم من الاختلاف لا بل التعارض أحيانا في برامج التشكيلات الثلاث، إلا أنها توصلت سريعا إلى الاتفاق على برنامج يرتكز إلى حماية البيئة والتقشف المالي وأوروبا.
وسيتولى زعيم الليبراليين كريستيان ليندنر المعروف بتمسكه بنهج التقشف، وزارة المال.
وسيواجه الوزراء فور تولي مهامهم الجديدة وضعا صحيا متأزما إلى حد غير مسبوق منذ ظهور كوفيد-19، إذ دفعت الموجة الجديدة من تفشي الوباء الحكومة إلى فرض قيود شديدة على غير الملقحين تتضمن منعهم من دخول المطاعم والمواقع الثقافية وحتى المتاجر غير الأساسية في بعض المناطق منها العاصمة برلين.
وأعلن الرئيس الألماني أن المستشار الجديد وحكومته يتحملان “مسؤولية كبرى” تقضي بمكافحة تفشي الوباء، ودعا مخاطبا شولتس ووزرائه إلى “عدم السماح للوباء بتقسيمنا بشكل دائم”.
وتقوم استراتيجية الحكومة الجديدة على فرض إلزامية التلقيح ضد كوفيد-19، وذلك اعتبارا من شباط/فبراير أو آذار/مارس.
وقرر شولتس، رئيس بلدية هامبورغ سابقا، أن يعهد بحقيبة الصحة إلى كارل لاوترباخ وهو بالأساس طبيب ويدعو إلى فرض قيود شديدة.
غير أن السلطات الجديدة قد تصطدم بمشاعر الغضب حيال التدابير الصحية في مناطق ألمانيا الشرقية سابقا التي تضم معاقل اليمين المتطرف وحيث تنتشر نظريات المؤامرة بين السكان الذين يرفضون تلقي اللقاح.
كذلك، تواجه الحكومة الجديدة ترقبا كبيرا في الملفات الدولية وسط التوتر الجيوسياسي مع روسيا والصين.
ولم يعلق شولتس على إعلان الولايات المتحدة مقاطعتها الدبلوماسية للألعاب الأولمبية الشتوية في بكين في شباط/فبراير والقرار المماثل الصادر لاحقا عن أستراليا أيضا، في وقت لم تستبعد وزيرة الخارجية الجديدة أن تحذو حذو واشنطن أيضا.
ووعدت بيربوك أيضا باعتماد سياسة أكثر صرامة من الحكومة السابقة تجاه موسكو، في وقت تحشد روسيا قوات ومدرعات عند حدود أوكرانيا، ما يثير مخاوف من شن هجوم على هذا البلد.