«شيّاب تركيا» يدلون بدلوهم

حجم الخط
6

نشرت مجموعة من المثقفين والفنانين والصحافيين والعلماء والسياسيين الأتراك بياناً دعت فيه الجيل الشاب في تركيا إلى أخذ زمام المبادرة وتجاوز ما يفرض عليهم من استقطابات زائفة ورفع الصوت عالياً دفاعاً عن حرياتهم وحقوقهم ونمط حياتهم. «إن نور المستقبل هو في أيديكم، ونحن الشيّاب نريد أن نراه يتحقق ونحن على قيد الحياة».
وقدّم الشيّاب المئة وواحداً تشريحاً وجيزاً للأوضاع القائمة من وجهة نظرهم، فقالوا في بيانهم إن تركيا لم تشهد طوال تاريخها الحديث ما يشبه الظلام الحالي وانعدام العدالة وتفسخ النسيج الاجتماعي والعزلة وتدهور السمعة الدوليين. فالدستور ـ حسب البيان ـ معلَّق عملياً، والقضاء الذي يفترض به الاستقلال والحياد هو تحت إمرة القصر، ومثله الجهاز الأمني. ويتم تعطيل كل المؤسسات الضامنة للنظام الجمهوري. كما انتقد البيان تضييق الحكومة على حرية التعبير وعلى حق المجتمع في الحصول على المعلومات.
وحذر البيان من إشغال المجتمع بتخندقات مصطنعة بين متدينين وعلمانيين، سنيين وعلويين، يمينيين ويساريين، تركاً وكرداً، شيباً وشباباً، كي لا يتوحدوا ويعلنوا رفضهم للمسار المتدهور حسب رأي الشياب الموقعين عليه.
ونبّه البيان الحكومة من الاعتماد على قوة الدولة لفرض ما تشاء على المجتمع، بدلاً من إقناعه. وقال إن قطاعات واسعة من الشعب تشعر بالقلق وعدم الرضى، وأن صمتها يعود إلى الخوف واليأس، لا إلى ما تظنه الحكومة تأييداً لها. وحذر البيان الحكومة من أن المعارضة الصامتة لا بد أن تتسع وتنعكس، في مقبل الأيام، على نتائج صناديق الاقتراع، فيقول الناخب قف لسير الأمور. «قد لا ترون اقتراب هذا اليوم المفترض، لكننا نراه».
ووجه البيان نقده لأحزاب المعارضة التي فشلت، إلى اليوم، في تقديم بديل، قائلاً إن التحالف الحاكم المكون من حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية يستمد قوته من تشتت المعارضة. «شعبنا اليائس والمحتار يبحث عن خيار موثوق يمكن الاعتماد عليه». ودعا البيان المعارضة إلى إقامة التحالف الديمقراطي من غير إبطاء.
الواقع أن هذه الانتقادات للحكومة وسياساتها وإجراءاتها ليست بالجديدة، تعبر عنها يومياً بعض الأقلام المعارضة فيما يمكن تسميته بـ«الإعلام البديل» المكون من مواقع أو صحف إلكترونية أو قنوات يوتيوب أو محطات تلفزيون تبث على شبكة الإنترنت، بعدما استتبعت السلطة تسعين في المئة من وسائل الإعلام المطبوعة والمرئية، بل وقسماً من الصحافة الالكترونية أيضاً. تلك الأقلام والقنوات المعارضة قد تكون أكثر فعالية وتأثيراً في الرأي العام من أحزاب المعارضة المقيدة بخط سياسي.

إذا كان من جهة تستحق اللوم على طول أمد أردوغان وحزبه في السلطة فهي المعارضة التي لا تعرف من السياسة غير نقد الحكم، في حين أن الأخير يعمل ويعرف كيف يحصل على أصوات الناخب

غير أن الجديد في هذا البيان هو ربما شعور الموقعين عليه بالعجز الناتج عن تقدمهم في العمر، الأمر الذي يكشفه وصفهم لأنفسهم بالشيّاب. صحيح أنهم عبروا في البيان عن عدم فقدانهم للأمل، لكنهم علقوا هذا الأمل على الجيل الشاب الذي تعشموا فيه القدرة على التغيير.
قد يكون الدافع المباشر لإطلاق هذا البيان، بهذه الصياغة «الجيلية» إذا جاز التعبير، هو ما حدث في لقاء افتراضي بين رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان وتلامذة المدارس المتقدمين لامتحانات القبول في الجامعات، الشهر الماضي. فقد فوجئت أوساط السلطة بردة فعل سلبية جداً من جيل ستكون الانتخابات القادمة أول تجربة انتخابية له في حياته. فكانت هناك ردود أفعال سلبية صادمة من أولئك التلاميذ الذين قالوا: «لن تنال أصواتنا في الانتخابات».
ولكن من جهة «الشيّاب» أنفسهم يبقى أنهم يصدرون عن عجز وسم كامل المعارضة الحزبية والثقافية في مواجهة قائد شعبوي يعرف كيف ينجح في كل عملية انتخابية يخوضها، بحيث بدا لكثيرين من معارضيه وكأنه قدر تركيا الذي لا فكاك منه. الواقع أنه لم يأتِ بانقلاب عسكري، بل العكس هو الصحيح، أعني أنه تعرض، أثناء حكمه، لمحاولتين انقلابيتين على الأقل، في 2007 و2016، بصرف النظر عن ملابسات كل منهما، وبخاصة الثانية التي تدور بشأنها شبهات إلى الآن.
فإذا كان من جهة تستحق اللوم على طول أمد أردوغان وحزبه في السلطة فهي المعارضة التي لا تعرف من السياسة غير نقد الحكم، في حين أن الأخير يعمل ويعرف كيف يحصل على أصوات الناخب. صحيح كل ما تقوله المعارضة بشأن التضييق على الحريات أو استلحاق القضاء بالسلطة التنفيذية وغيرها من إجراءات سلطوية، لكن الحكم يفعل كل ذلك بواسطة تأويلات قانونية مهما بلغ بها الشطط، ويحرص على الحفاظ على القاعدة الانتخابية لأنها وسيلته للبقاء في السلطة.
الحق أن انتخابات العام الماضي المحلية، وبخاصة انتخاب رئيس بلدية إسطنبول، قد شكلت جرس إنذار للحكم، ولم يتقبلها إلى اليوم. معروف أن الرئيس أردوغان يطلب إجراء استطلاعات رأي بكثرة لمعرفة حال شعبيته وشعبية حكومته، ولا تنشر نتائج تلك الاستطلاعات ما لم تكن إيجابية من وجهة نظر الحكم. ويتوقع محللون أن نتائج الاستطلاعات الأسبوعية التي يتم إجراؤها تثير مخاوف جدية لدى الرئيس من تدهور شعبيته، ويبنون على ذلك توقعهم بأن تدعو الحكومة إلى انتخابات مبكرة في الخريف القادم، تجنباً للأسوأ إذا ترك الانتخابات إلى موعدها العادي في العام 2023.

كاتب سوري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول سليم:

    من يعيش في تركيا يعلم ان المقال غير واقعي وان حجم الانجازات التي قامت بها الحكومة ابهرت الجميع في الداخل والخارج وخصوصا مكافحة وباء كورونا والامتنان في اعلى درجاته من الشباب والشياب الا بعض الاصوات الحاقدة والحاسدة
    والتي لا تمتلك اية رؤية للمستقبل الا نقد حزب العدالة لا لشىء الا لانه واجهة اسلامية ناجحة

  2. يقول اسملعيل:

    إذا كان من جهة تستحق اللوم على طول أمد أردوغان وحزبه في السلطة فهي المعارضة التي لا تعرف من السياسة غير نقد الحكم، في حين أن الأخير يعمل ويعرف كيف يحصل على أصوات الناخب…اذن المطلوب من هذه المعارضة التوجه الى الشعب لكسب الشرعية وليس التوجه الى اعداء تركيا لكسب التاييد.الديمقراطية ليست حزبا ولكن طريقة حكم بمعنى الانتخاب …..

  3. يقول سلام عادل(المانيا):

    وهل الكاتب يعيش في دمشق او بغداد فالرجل احد اهم من كتب عن احداث سوريا وعلاقة تركية بها

  4. يقول بن تاشفين:

    على هؤلاء الذين يفترون على الحزب الحاكم أن يخرجوا إلى الشارع للاعتراف بقتل عدنان مندريس الذي انتُخب ديموقراطيا وإغراق تركيا في ظلمات وطلب العفو والسماح من رئيسهم أردوغان … أين كان هؤلاء عندما كانت تركيا تغوص في الظلام قبل مجيء أردوغان. إنشاء الله قريبا ستُغلق حاناتهم لعل ذلك يفيقهم من سكرتهم. … زرت تركيا ثلاث مرات واحدة قبل مجيء أردوغان وإثنتين بعد حكمه وسيان ما بين حقبة الظلام ـ قبل ـ وحقبة النور ـ بعد.

  5. يقول سلام عادل(المانيا):

    اردوغان هو رئيس وزراء منذ عام 2003 وهي فترة ليست طويلة نسبيا بعمر الدول ولكن فترة حكمه اتسمت بالكثير من الاحداث ولكنه داخليا استطاع في البداية ان يكسب جماهيرية كبيرة هو وحزبه بسبب وجود عبد الله غول رفيق دربه وكذلك احمد داود اوغلو ولكن منذ ان سقط في مستنقع الحرب السورية انقلبت تركيا واقتصادها راسا على عقب وبسببها خسر الانتخابات البلدية في اكبر المدن والان يواجه مشكلة في ليبيا فان خسر الحرب هناك فهذا يعني نهايته كسياسي وهناك مشكلة قادمة في الانتخابات القادمة حيث سيواجه رفاقه القدامى ان لم يستطيع تسوية الامر وتبقى سياسة اردوغان مقلقة للعراق وسوريا بسبب اطماع الدولة التركية عموما ببعض مناطقهما ولكن اردوغان ترجم المطامع الى وقائع فله في العراق تواجد عسكري وفي سوريا استطاع ان يحتل مدن ومساحات حدودية ولا احد يعلم ان كان هو او من ياتي بعده سينسحب منها ام تبقى على حالها

  6. يقول أحمد - لندن:

    و هل جاء أردوغان للحكم على ظهر دبابة او سقط بمظلة أمريكية ؟ ألم يكسب انتخابات الرئاسة بنسبة ٥١٪؜ فقط. ألم يخسر حزبة بلدية إسطنبول للمعارضة مؤخرا؟
    اذا كان اردوغان دكتاتورا فمرحبا بهكذا دكتاتور!

إشترك في قائمتنا البريدية