علي صباغ المدير التنفيذي لجمعية “السبيل”: تكفلنا بتأسيس ونشر المكتبات العامة لتشجيع المطالعة

زهرة مرعي
حجم الخط
0

بيروت-“القدس العربي”: قبل بدء الألفية الثالثة لم يكن لبيروت مكتبات عامة، وكذلك للمناطق اللبنانية كلها، فقد كانت محرومة من هذه الميزة الثقافية التفاعلية. قد تكون المعلومة مستغربة لأننا درسنا في كتب التاريخ بأن بيروت أم الشرائع، وأنها مطبعة العالم العربي الأنيقة والمفيدة.

مع عودة النهوض إلى بيروت في بداية التسعينيات أخذت جمعية “السبيل” على عاتقها تأسيس ونشر المكتبات العامة وإدارتها بالتعاون والشراكة مع بلدية بيروت وتقع في أملاك خاصة بها. كان البدء بمكتبة الباشورة في العام 2001. تلك المكتبة التي أضحت قبلة لعدد من المهتمين بالثقافة تقدم إلى جانب الكتب والصحيفة اليومية مجموعة نشاطات ثقافية جذّابة. ومن ثم نشأت تباعاً مكتبتا مونو والجعيتاوي. ففي المخطط المرسوم لتلك المكتبات أن تبلغ الـ12 لتلبي حاجة الأحياء الملاصقة لها، وأن تصبح مكان لقاء وتفاعل.

علي صباغ المدير التنفيذي لجمعية “السبيل” بشرنا بإحصاءات عالمية تقول بعودة الكتاب ليأخذ دوره بين البشر عالمياً ومحلياً، وأكد نجاح تجربة المكتبات العامة في بيروت، وأمِل بإزديادها.

معه هذا الحوار:

*كيف لنا توضيح التعاون القائم بين جمعية السبيل وبلدية بيروت في إطار المكتبات العامة في المدينة؟

**جمعية السبيل تدير المكتبات العامة لبلدية بيروت. نحن جمعية أهلية لا تبغي الربح، تأسست سنة 1997 بهدف التشجيع على المطالعة، وإتاحة أماكن عامة يمكن للناس أن تلتقي فيها من خلال نشاطات ثقافية. تلك المساحات العامة تسمح بالحوار بين الناس، وكذلك تمنحهم حق الوصول للمعرفة بحرية ومجانية ومن دون أي عوائق. ولهذا كان توجه الجمعية لإنشاء مكتبات عامة في لبنان وليس بيروت فقط. انطلق هذا الهدف من أهمية دور المكتبة العامة في المجتمع والذي يتمثل بالتنمية الثقافية والاجتماعية، ومحاولة الوصول إلى مواطن مستنير ومُطلع وقادر على المطالبة بحقوقه.

*المفارقة أنكم حللتم في بيروت بعد الحرب الأهلية فهل توسعت المهمات؟

**صحيح. تأسست الجمعية في مرحلة إعادة بناء ما دمرته الحرب، ولم تكن المكتبات في الوارد رغم حاجة لبنان المتعدد اجتماعياً لها. فتلك المكتبات تشكل الفضاء الحر المفتوح للقاء وللحوار سواء خلال نشاط ثقافي، أو أثناء اللقاء العفوي بهدف استعارة كتاب. يمكن للمكتبة العامة لعب هذا الدور بامتياز خاصة مع تمكنها من الحيادية. وتلك الحيادية تعني لا صبغة سياسية ولا دينية لها، وهكذا يرتاد الجميع هذا المكان.

*هل تأسست جمعية السبيل لتكون لها شراكة مع بلدية بيروت؟

**الفكرة الأساس دعم إنشاء مكتبات عامة على صعيد لبنان. والنشاط الأول للجمعية كان مؤتمر “المطالعة حق للجميع” سنة 1999 وقد دعيت إليه مجالس بلدية منتخبة. وإنطلاقاً منه تمّ التعاون مع بلدية بيروت، وعُرضت فكرة إنشاء مكتبات عامة في المدينة. فنحن لدينا خبراء في تأسيس المكتبات ويمكننا إدارة أي مشروع مماثل. وكانت بيننا اتفاقية ضمنت تأمين الأماكن من بين تلك التي تملكها بلدية بيروت ولا تشغلها.

*بنيت شراكة سريعة مع بلدية بيروت كما يبدو؟

**فعلاً، وكان البدء بالمكتبة العامة لبلدية بيروت في الباشورة. وهذا المبنى يعود للدفاع المدني وقد شغله سابقاً الإسعاف الشعبي، ويتألف من ثلاث طبقات، وخصص الطابق الثالث للمكتبة. مساحته 350 متراً مربعاً، وبعد التأكد من سلامة البناء تمّ تقسيمه هندسياً ليلبي حاجة المكتبة. وكان حفل الافتتاح سنة 2001 ومنذ البدء وحتى الآن نرى التجربة ناجحة جداً.

*كيف قرأتم ونفذتم في سنة 2000 حاجة سكان المدينة لهذه المكتبة؟

**ولأننا كنا حيال مساحة 350 مترا مربعا تمّ تصميم المكتبة كي تستقبل الأطفال، بحيث كانت لهم زوايا خاصة بهم. ووجدت قاعة للكبار والناشئة. وبموازاة ذلك تأمنت الكتب ولكافة الأعمار، مع الحرص على وجود أجهزة كمبيوتر موصولة إلى شبكة الإنترنت ليستخدمها رواد المكتبة. وفي الوقت عينه طالت النشاطات كل الأعمار. فالكتب والمراجع في المكتبة وكذلك النشاطات طالت كل الموضوعات والأعمار.

*هل كانت كتب مكتبة الباشورة وهي الأولى والأكبر هدايا؟

**جزء منه هدايا، وأخر تمّ شراؤه، وهناك من تبرّع بالمال لشراء ما تحتاجه المكتبة من كتب. نحن كجمعية مختصين بتأسيس المكتبات العامة، والتي تتم وفق منهج مدروس وأسس محددة. الإنطلاقة تبدأ من تحضير القاعدة الأساس للمكتبة العامة ومن خلال معرفة الجمهور المتوقع لاستخدامها. وهذا الجمهور يُفترض أن نراعي متطلباته من حيث اللغات والموضوعات التي يمكن أن تثير اهتمامه. وفي طليعة الكتب الأساسية لمكتبة عامة في لبنان كتب جبران خليل جبران، وغيره من أدب لبناني. إضافة لكتب نجيب محفوظ وسواه من الكلاسيكيات العربية. وكذلك كلاسيكيات الأدب الفرنسي والإنكليزي. وفي الكتب الطبية نحرص على الإرشادي منها. إلى جانب مراعاة التنوع من حيث العمر. وفي تأسيسنا للمكتبات العامة كان البدء بالتنفيذ يلي دراسة المحيط الذي ستكون فيه، ونتائجه تحتم محتواياتها.

*وماذا عن المكتبات الأخرى في مدينة بيروت؟ وهل جاءت نتيجة المكان المتوفر لدى البلدية؟

**في 2004 تأسست مكتبة مونو، وفي 2008 مكتبة الجيعتاوي. كما سبق القول تقييم المكان أثبت أن مكتبة الباشورة في مكان جيد. وبدراسة المحيط تبين أن مكتبة الباشورة محاطة بعدد كبير من المدارس الرسمية والخاصة. ولهذا حرصنا ومنذ افتتاحها على تخصيص الصفوف المدرسية ببرامج صباحية، وكان الإقبال كبيراً في البدايات بحيث وصل لحدود 25 ألف زائر سنوياً. وهذا ما شجعنا للبدء بمكتبة مونو، حتى وإن كان حجمها صغيراً، فالمبدء أننا بصدد مكتبات أحياء، وليس مكتبات ضخمة على مستوى مدينة. المكتبة في الأحياء السكنية تؤمن سهولة وصول إليها دون وسيلة نقل تفادياً لأزمة المواقف وزحمة السير في بيروت. ولهذا كان الهدف في البدء إيجاد شبكة من 12 مكتبة عامة تغطي بيروت الإدارية. وعندما كنا بصدد البدء بمكتبة الطريق الجديدة المفترض أن تكون الأكبر، وبعد إنجاز البناء وتبدل المجالس البلدية، وجد البعض الحاجة ملحة للخدمات الطبية، فتحول المكان إلى مستوصف تقدم من خلاله البلدية خدمات مجانية، وتأجلت المكتبة. وبالمناسبة فإن الدراسات الاجتماعية والهندسية للمكتبات الأخرى منجزة.

*وأين تقرر مكان المكتبات الثماني الأخرى؟

**في حديقة الصنائع وعلى غرار مكتبة الجعيتاوي الواقعة داخل حديقة اليسوعية ومساحتها مئة متر مربع، وهي فكرة مميزة. ومكتبات في مناطق الشحروري، وكرم الزيتون، وساحة ساسين، وعائشة بكار، والمتحف، وراس بيروت.

*هل من حضور سابق للمكتبات العامة في بيروت؟

**مكتبة الباشورة هي الأولى في تاريخ المدينة وبمبادرة من جمعية السبيل وبالتعاون مع بلدية بيروت. ولحسن الصدف أن وزير الثقافة سنة 2000 غسان سلامة جاء بمشروع من الوكالة الدولية للفرنكوفونية يقضي بانشاء 14 مكتبة عامة في المناطق تحت اسم “مراكز مطالعة وترشيد ثقافي”. وهذه المكتبات انطلقت بالتزامن مع مكتبة الباشورة. وإلى حينه في لبنان بحدود الـ120 مكتبة عامة.

*من خلال متابعة نشاط مكتبة الباشورة فهو يتراوح بين السينما والموسيقى ومناقشة كتاب وقراءة قصة للصغار إضافة للحكواتي. ما هو دور تلك الأنشطة في حياة المكتبة؟

**المكتبة العامة التي أردناها في أحياء متعددة من بيروت أن تكون كذلك مركزاً مجتمعياً حيادياً إلى جانب قراءة الكتاب أو استعارته. لهذا نحرص أيضاً لتقديم النشاط الثقافي والفني والاجتماعي. نشاطات مكتباتنا نوعية ومجانية وترتقي بذائقة الناس. ومن خلال تلك النشاطات نروج للمكتبات بشكل غير مباشر. فالجمهور الذي يقصدنا معجباً بفيلم أو بمخرجه يتحول بشكل غير مباشر إلى زائر للمكتبة. وكذلك الحال مع اللقاء الفني الشهري الذي يعده ويقدمه الباحث في الموسيقى العربية الياس سحاب.

*هل صوّبت العلاقة المباشرة مع الجمهور أمراً كان غائباً عنكم؟

**العلاقة ليست جافة مع الجمهور، بل يحدث دائماً تواصل وحوار مع أمين المكتبة. ومن المؤكد أن من يقصد المكتبة يرغب في من يستقبله بابتسامة. فن التواصل مع الجمهور هو جزء أساسي من التدريب الذي يتلقاه أمين المكتبة. نظمنا نشاطات ولمسنا عدم اهتمام الجمهور بها، كمثل التعريف بعمل الجمعيات الأهلية، الذي لم يستقطب حضوراً. وصرفنا النظر عنه.

*ما هي نسبة حضور الشباب بين عمر 15 و25 سنة إلى المكتبات العامة؟

**عمر المراهقة الممتد بين 15 و18 يعتبر مشكلة عالمية وخلاله يبتعد الشباب عن المكتبة العامة والمطالعة بشكل عام. إنما وبكل تأكيد من اعتاد المطالعة في صغره سيعود إليها بعد انقضاء تلك المرحلة من العمر. ولهذا نسعى لنشاطات تجذب هذه الفئة العمرية. وهي نشاطات لها صلة بالتعبير عن الذات كمثل المناظرة حول مشروع جدلي وضمن تقنيات معروفة. وهذا ما يُكسب هؤلاء الشباب ملكة الخطاب أو الإلقاء العلني، ومن ثم بناء الحجج والبراهين حول تأييد هذا العنوان أو رفضه. وهذا ما يدفعهم للبحث في المراجع. إذاً يتعلم الشاب من خلال تلك المناظرة، كيفية البحث، وكيفية بناء الحجة المنطقية، وأيضاً تقبل رأي الآخر. ومن أدبيات المناظرة أن نقول للآخر “احترم رأيك لكني أختلف معك في هذا وذاك” في الواقع نبني برامجنا وفقاً للتمويل الذي نتلقاه. والتمويل المريح يتيح لنا العمل على برنامج لسنتين، وعندها يمكن للبرنامج أن يكمل منفرداً.

*معروف عن بلدية بيروت أنها ذات ثراء مالي فما هي مساعداتها إلى جانب تأمين الأمكنة؟

**تدفع سنوياً بدلات العاملين في الإدارة وهي مكلفة جداً نظراً لوجود موظفين ثابتين وضمن دوام عمل طويل من 9 صباحاً وإلى السادسة مساء لخمسة أيام، إضافة إلى تنظيم نشاطات مسائية. ولهذا الموظفون مثبتون ومسجلون بالضمان الإجتماعي.

*إن كنتم على تواصل مع المكتبات العامة الـ120 المنتشرة في لبنان فكيف تنظرون إلى جدواها في المجتمع اللبناني؟

**نعم التواصل موجود. بالنسبة لمكتبات بيروت الثلاث سجلنا 30 ألف زائر خلال سنة. هو رقم مشجع ومُرضي خاصة أننا لسنا بصدد مكتبات ضخمة، بل مكتبات أحياء. ونطمح للمزيد. عمل المكتبات ممكنن وإحصاء إعارة الكتب سجل في حدود الـ20 ألف كتاب.

*وهل يمكننا القول لمن يندبون مصير الكتاب بأن يخففوا؟

**بالطبع. ونحن بصدد العودة إلى المكتبات حسب مقالات عالمية وخاصة في الولايات المتحدة.

*اكتساب قارئ جديد من أهدافكم فماذا عن نشاطاتكم الخاصة بالأطفال؟

**صحيح من يعتاد القراءة منذ الطفولة لن يتركها. لهذا يركز النشاط ويشدد على مفهوم القراءة للمتعة. ساعة القراءة للأطفال أسبوعية ونراعي أن تكون جميلة وجذّابة وحيوية ويقدمها مختص. ويمكن للطفل بعدها أن يُعبر عن رغبة استعارة القصة التي سمعها. وبشكل موازي لدينا برنامجاً خاصاً للمدارس الرسمية خاصة لأن طلابها هم الأقل حظاً. وفي الوقت عينه لا نرفض طلباً من مدرسة خاصة. هذا البرنامج يتضمن القراءة للمتعة، والتوعية بعيداً عن الوعظ أي عبر الإستعانة بالأفلام وسواها من وسائل وصولا للهدف.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية