نجح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في أن «يدوِّخ» جيرانه والبعيدين. خلال السنوات العشر الأخيرة، فرض اسمه داخليا وخارجيا، بالسلب والإيجاب، بشكل فاق كبار قادة العالم. وهكذا يستطيع حلفاء أردوغان، في داخل تركيا وخارجها، أن يجدوا له مئة حسنة يمجّدونه بها. ويستطيع خصومه والحاقدون عليه أن يجدوا له مئة خطيئة يعاتبونه عليها. ولِكِلا المعسكرين مسوغات وحجج مقبولة إلى حد ما، إذا ما نُظر إليها بهدوء وواقعية.
لم يُقسِّم رئيسٌ الآراءَ في تركيا وحولها، منذ مصطفى كمال أتاتورك، مثلما يقسّمها أردوغان. ولم يضع رئيس تركي بلاده على خريطة أخبار العالم، منذ أتاتورك، مثلما يفعل أردوغان. قوة شخصية أردوغان واعتداده بنفسه والشعور بالعظمة والغرور الذاتي الذي يسكنه عوامل قادت إلى هذه النتيجة: لا توجد أزمة إقليمية اليوم إلا وأردوغان طرف فيها أو سبب. الأزمات التي لم يكن طرفا في إشعالها، التحق بها في مرحلة ما من مسارها ويحاول التأثير فيها وفق المتاح له. وكان منتظرا أن يترتب عن هذا الحضور الكثير من الإزعاج الدبلوماسي لتركيا، وثمن تدفعه.
أردوغان حوَّلَ تركيا إلى دولة أقرب إلى الاستبداد، يضيق فيها هامش الحريات والحقوق يوما بعد يوم. لكنه جعلها قوة اقتصادية واستراتيجية لا مفرَّ للقوى الدولية من الحساب معها. ومثلما فرَضَ أتاتورك العلمانية السياسية والإدارية بشكل حاد، يسير أردوغان نحو فرض قومية دينية خاصة به وبتركيا.
يشعر أردوغان بأن العالم كله ملعبه. لكن المنطقة العربية ملعبه المفضَّل. من المحيط إلى الخليج، تركيا موجودة اليوم، بأشكال مختلفة. أكيد أن حضورها أقوى وأكثر إثارة للجدل في سوريا وليبيا، لكنها موجودة في الدول الأخرى بشكل قد لا يقل تأثيرا، باستثناء الدول التي تعيش حالة عداء معها، أي السعودية والإمارات ومصر. وحتى هنا لا يُستبعد أن تركيا حاضرة بهدوء عبر شركاتها التجارية والاقتصادية.
الحضور التركي في أرض العرب نوعان: عسكري واقتصادي/استراتيجي. النوعان يكمل أحدهما الآخر ويُقوّيه. من كثرة ما لعب أردوغان في الملعب العربي، أصبحت شهادة العرب فيه مجروحة. هم طائفتان، واحدة تعشقه والأخرى تمقته، للأسباب ذاتها. حكم الإنسان العربي المهتم بالشأن العام على أردوغان تحدده الضفة التي يقف فيها صاحب الحكم، لكن من الصعب أن يبقى ملاحظ عربي من دون رأي فيه. بفضل (أو بسبب) سياسات أردوغان، أصبح العرب من العامة يهتمون بشؤون تركيا الداخلية. والدليل أنهم تفاعلوا مع القرار المتعلق بـ«آية صوفيا» أكثر من غيرهم، وانقسموا إلى صفين فرضتهما الأحكام المسبقة من أردوغان وتركيا: فئة هلّلت لتحويل المتحف إلى مسجد، وهؤلاء كانوا سيجدون لأردوغان الأعذار حتى لو امتنع عن توقيع القرار. ثم فئة انتقدت القرار، وهؤلاء كانوا سيجدون أسبابا للهجوم عليه، حتى لو حوَّل المتحف إلى كنيسة، فقط لأن صدر عن أردوغان.
أردوغان حوَّلَ تركيا إلى دولة أقرب إلى الاستبداد، يضيق فيها هامش الحريات والحقوق يوما بعد يوم. لكنه جعلها قوة اقتصادية واستراتيجية لا مفرَّ للقوى الدولية من الحساب معها
بحثتُ فلم أقرأ إلا القليل جدًا من الآراء العربية الهادئة مع أو ضد قرار «آية صوفيا». كل هذا لأن المواقف العربية من تركيا محكومة بالذاتية ومشحونة بالعواطف والمصالح. فلا غرابة أنه بينما يعيش بعض العرب قصة حب فريدة من نوعها مع «تركيا الأردوغانية»، يخوض بعضهم الآخر ضدها حربا خفية ومتعددة الأوجه (بلا نتيجة واضحة لحد الآن).
سياسات أردوغان وشخصيته تشكل أيضا صداعا لأوروبا والغرب. فرنسا تنفرد بهوس خاص من تركيا ورئيسها. نظرة باريس لتركيا مشحونة بعواطف وأحكام مسبقة عمرها مئة سنة. نظرة سريعة على المواقع الإخبارية والصحف والمطبوعات الفرنسية هذه الأيام (وقبلها) تكفي للوقوف على ماذا تعني تركيا لفرنسا. مساحات واسعة وكمٌّ كبير من الانتقادات، وغياب للموضوعية في التحليلات والأراء. الصحافة الفرنسية مؤشر قوي على أن كابوس فرنسا الجديد اسمه تركيا أردوغان.
العداء الفرنسي لتركيا قديم ومتجذر، لكن سياسات أردوغان زادته وقودا واشتعالا. تركيا وأردوغان، بالنسبة لفرنسا ونُخبها السياسية والثقافية والإعلامية، هما زيمبابوي وروبرت موغابي لـ«المؤسسة» السياسية/الإعلامية في بريطانيا ـ مع حفظ الفروق. والصراخ الفرنسي دليل على أن تركيا تزعج بشدة السياسات الفرنسية وأطماعها. ليبيا هي القطرة التي أفاضت الكأس. المشاحنات الفرنسية التركية بسبب ليبيا اقتربت من حافة الحرب في مياه البحر الأبيض المتوسط الشهر الماضي. لكن باريس تعرَّضت للإذلال عندما نقلت شكواها إلى مقر حلف شمال الأطلسي ببروكسل، فلم يدعمها من أعضائه الثلاثين سوى ثمانية، ليس بينهم أمريكا، على الرغم من أن شعبية أردوغان بين قادة حلف الناتو منعدمة.
تركيا تزاحم فرنسا كذلك في الملعب الإفريقي، وتستحوذ، في صمت، على مساحات كانت تقليديا فرنسية بلا منافس، مثل الجزائر. أحد فصول هذا «الإزعاج» نجاح شركات تركية مملوكة لمقرّبين من أردوغان في تجريد شركات فرنسية من صفقات تجهيز جيوش إفريقية بألبسة الجنود والمستلزمات اليومية الأخرى.
اتضح إذًا، أن صراخ فرنسا من تركيا ليس سببه عناد أردوغان ومغامراته السياسية والدبلوماسية، بقدر ما هو حيرة وبكاء على مصالح تفقدها في ميادين بعضها بعيد عن الأضواء.
أخطاء أردوغان كثيرة. سياساته وقراراته مدفوعة بقدر كبير من العناد والشعبوية. حركاته محسوبة بالمصلحة قبل غيرها (هذه المصلحة منعته أثناء زيارة للصين الصيف الماضي عن انتقاد اضطهادها المسلمين الإيغور في إقليم شينغيانغ). ورغم كل ذلك، توجد شعوب كثيرة تتمنى أن يكون لديها رئيس مثله.. عنيد يحمل مصالحها في القارات الخمس، ويدرك نقاط ضعف القادة الكبار في هذا العالم، بمن فيهم ترامب، فيتوقف عن الخوف منهم ويلاعبهم وفق ذلك. (وفق كتاب جون بولتون، حاول أردوغان باستماتة مقايضة ترامب: القس الأمريكي أندرو برونسون مقابل قضية «خلق بنك» العمومي التركي الذي كان معرضا لعقوبات أمريكية بسبب إيران).
كاتب صحافي جزائري
القائد أردوغان رجل و الرجَال قليلون في زماننا.
عاش الرئيس رجب طيب أردوغان حبيب الملايين …..
عاشت تركيا الأردوغانية حرة أبية شامخة.
أردوغان العزة و الشموخ.
هذا الرجل فرأ التاريخ بعينيه الإثنتين و قلبه فقط … افعلوا ربع ما قام به من نهضة أيها الأعراب..
أخي الكريم توفيق
بعد إذنك أغير عنوان مقالك إلى “قائد بطل اسمه أردوغان”
زرت تركيا السنة الماضية و انبهرت بتقدمها و حضارتها و عمرانها و نظافتها …….
و اكتملت عندي الصورة أن ربَّان السفينة بطل مغوار …..
من فاز بالاستفتاء الرئاسي بنسبة ٥١٪ و من خسر بلدية إسطنبول للمعارضة لا يمكن ان يكون استبدادي و دكتاتوري
سيد توفيق، عندما تقول أن العرب طائفتان، واحدة تعشقأردوغان والأخرى تمقته، وأن فئة هللت لأيا صوفيا وفئة إنتقدت، هذا صحيح ولكنه أيضا من طبائع الأمور، فمن غير الوارد أن يجمع الناس كلهم على أي شخص كائنا من كان.
المهم هو كم هي نسبة من يعشق الرجل ونسبة من يمقته؟ وأعتقد أن أي إستطلاع راي محايد سيجد أن 75% أي ثلاثة أرباع الشعب العربي تؤيده، هذا إن لم تزد النسبة عن ذلك.
الصحيح فهو أن العرب ضعفاء يثقون بالغرب ثقة عمياء
وأما الخطأ فإن أردوغان وإن كان مساره ديني فهو غير مسار وطنه
والأمة العادلة وإن كانت غير مسلمة يعيش أفرادها في امان ورخاء