صداع اسمه أردوغان!

حجم الخط
40

نجح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في أن «يدوِّخ» جيرانه والبعيدين. خلال السنوات العشر الأخيرة، فرض اسمه داخليا وخارجيا، بالسلب والإيجاب، بشكل فاق كبار قادة العالم. وهكذا يستطيع حلفاء أردوغان، في داخل تركيا وخارجها، أن يجدوا له مئة حسنة يمجّدونه بها. ويستطيع خصومه والحاقدون عليه أن يجدوا له مئة خطيئة يعاتبونه عليها. ولِكِلا المعسكرين مسوغات وحجج مقبولة إلى حد ما، إذا ما نُظر إليها بهدوء وواقعية.
لم يُقسِّم رئيسٌ الآراءَ في تركيا وحولها، منذ مصطفى كمال أتاتورك، مثلما يقسّمها أردوغان. ولم يضع رئيس تركي بلاده على خريطة أخبار العالم، منذ أتاتورك، مثلما يفعل أردوغان. قوة شخصية أردوغان واعتداده بنفسه والشعور بالعظمة والغرور الذاتي الذي يسكنه عوامل قادت إلى هذه النتيجة: لا توجد أزمة إقليمية اليوم إلا وأردوغان طرف فيها أو سبب. الأزمات التي لم يكن طرفا في إشعالها، التحق بها في مرحلة ما من مسارها ويحاول التأثير فيها وفق المتاح له. وكان منتظرا أن يترتب عن هذا الحضور الكثير من الإزعاج الدبلوماسي لتركيا، وثمن تدفعه.
أردوغان حوَّلَ تركيا إلى دولة أقرب إلى الاستبداد، يضيق فيها هامش الحريات والحقوق يوما بعد يوم. لكنه جعلها قوة اقتصادية واستراتيجية لا مفرَّ للقوى الدولية من الحساب معها. ومثلما فرَضَ أتاتورك العلمانية السياسية والإدارية بشكل حاد، يسير أردوغان نحو فرض قومية دينية خاصة به وبتركيا.
يشعر أردوغان بأن العالم كله ملعبه. لكن المنطقة العربية ملعبه المفضَّل. من المحيط إلى الخليج، تركيا موجودة اليوم، بأشكال مختلفة. أكيد أن حضورها أقوى وأكثر إثارة للجدل في سوريا وليبيا، لكنها موجودة في الدول الأخرى بشكل قد لا يقل تأثيرا، باستثناء الدول التي تعيش حالة عداء معها، أي السعودية والإمارات ومصر. وحتى هنا لا يُستبعد أن تركيا حاضرة بهدوء عبر شركاتها التجارية والاقتصادية.
الحضور التركي في أرض العرب نوعان: عسكري واقتصادي/استراتيجي. النوعان يكمل أحدهما الآخر ويُقوّيه. من كثرة ما لعب أردوغان في الملعب العربي، أصبحت شهادة العرب فيه مجروحة. هم طائفتان، واحدة تعشقه والأخرى تمقته، للأسباب ذاتها. حكم الإنسان العربي المهتم بالشأن العام على أردوغان تحدده الضفة التي يقف فيها صاحب الحكم، لكن من الصعب أن يبقى ملاحظ عربي من دون رأي فيه. بفضل (أو بسبب) سياسات أردوغان، أصبح العرب من العامة يهتمون بشؤون تركيا الداخلية. والدليل أنهم تفاعلوا مع القرار المتعلق بـ«آية صوفيا» أكثر من غيرهم، وانقسموا إلى صفين فرضتهما الأحكام المسبقة من أردوغان وتركيا: فئة هلّلت لتحويل المتحف إلى مسجد، وهؤلاء كانوا سيجدون لأردوغان الأعذار حتى لو امتنع عن توقيع القرار. ثم فئة انتقدت القرار، وهؤلاء كانوا سيجدون أسبابا للهجوم عليه، حتى لو حوَّل المتحف إلى كنيسة، فقط لأن صدر عن أردوغان.

أردوغان حوَّلَ تركيا إلى دولة أقرب إلى الاستبداد، يضيق فيها هامش الحريات والحقوق يوما بعد يوم. لكنه جعلها قوة اقتصادية واستراتيجية لا مفرَّ للقوى الدولية من الحساب معها

بحثتُ فلم أقرأ إلا القليل جدًا من الآراء العربية الهادئة مع أو ضد قرار «آية صوفيا». كل هذا لأن المواقف العربية من تركيا محكومة بالذاتية ومشحونة بالعواطف والمصالح. فلا غرابة أنه بينما يعيش بعض العرب قصة حب فريدة من نوعها مع «تركيا الأردوغانية»، يخوض بعضهم الآخر ضدها حربا خفية ومتعددة الأوجه (بلا نتيجة واضحة لحد الآن).
سياسات أردوغان وشخصيته تشكل أيضا صداعا لأوروبا والغرب. فرنسا تنفرد بهوس خاص من تركيا ورئيسها. نظرة باريس لتركيا مشحونة بعواطف وأحكام مسبقة عمرها مئة سنة. نظرة سريعة على المواقع الإخبارية والصحف والمطبوعات الفرنسية هذه الأيام (وقبلها) تكفي للوقوف على ماذا تعني تركيا لفرنسا. مساحات واسعة وكمٌّ كبير من الانتقادات، وغياب للموضوعية في التحليلات والأراء. الصحافة الفرنسية مؤشر قوي على أن كابوس فرنسا الجديد اسمه تركيا أردوغان.
العداء الفرنسي لتركيا قديم ومتجذر، لكن سياسات أردوغان زادته وقودا واشتعالا. تركيا وأردوغان، بالنسبة لفرنسا ونُخبها السياسية والثقافية والإعلامية، هما زيمبابوي وروبرت موغابي لـ«المؤسسة» السياسية/الإعلامية في بريطانيا ـ مع حفظ الفروق. والصراخ الفرنسي دليل على أن تركيا تزعج بشدة السياسات الفرنسية وأطماعها. ليبيا هي القطرة التي أفاضت الكأس. المشاحنات الفرنسية التركية بسبب ليبيا اقتربت من حافة الحرب في مياه البحر الأبيض المتوسط الشهر الماضي. لكن باريس تعرَّضت للإذلال عندما نقلت شكواها إلى مقر حلف شمال الأطلسي ببروكسل، فلم يدعمها من أعضائه الثلاثين سوى ثمانية، ليس بينهم أمريكا، على الرغم من أن شعبية أردوغان بين قادة حلف الناتو منعدمة.
تركيا تزاحم فرنسا كذلك في الملعب الإفريقي، وتستحوذ، في صمت، على مساحات كانت تقليديا فرنسية بلا منافس، مثل الجزائر. أحد فصول هذا «الإزعاج» نجاح شركات تركية مملوكة لمقرّبين من أردوغان في تجريد شركات فرنسية من صفقات تجهيز جيوش إفريقية بألبسة الجنود والمستلزمات اليومية الأخرى.
اتضح إذًا، أن صراخ فرنسا من تركيا ليس سببه عناد أردوغان ومغامراته السياسية والدبلوماسية، بقدر ما هو حيرة وبكاء على مصالح تفقدها في ميادين بعضها بعيد عن الأضواء.
أخطاء أردوغان كثيرة. سياساته وقراراته مدفوعة بقدر كبير من العناد والشعبوية. حركاته محسوبة بالمصلحة قبل غيرها (هذه المصلحة منعته أثناء زيارة للصين الصيف الماضي عن انتقاد اضطهادها المسلمين الإيغور في إقليم شينغيانغ). ورغم كل ذلك، توجد شعوب كثيرة تتمنى أن يكون لديها رئيس مثله.. عنيد يحمل مصالحها في القارات الخمس، ويدرك نقاط ضعف القادة الكبار في هذا العالم، بمن فيهم ترامب، فيتوقف عن الخوف منهم ويلاعبهم وفق ذلك. (وفق كتاب جون بولتون، حاول أردوغان باستماتة مقايضة ترامب: القس الأمريكي أندرو برونسون مقابل قضية «خلق بنك» العمومي التركي الذي كان معرضا لعقوبات أمريكية بسبب إيران).

كاتب صحافي جزائري

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول صقر قريش:

    عندما نشير باصابعنا للغير، يجب علينا التأكد من نظافة ايدينا.

  2. يقول م بن عيسى:

    الى السيد تيسير خرما منذ مدة لم يتغير تعليقك على تركيا ورئيسها أردوغان

  3. يقول صالح/ الجزائر:

    1)- الإنسان المعتدل (العادي) لا يثير الفضول ، الإنسان غير العادي (المجنون مثلا) هو الذي يسترعي الانتباه .
    هذا الصداع ينطبق عليه المثل الشعبي الجزائري : ماهو بهلول ناكل حقو ، ماهو عاقل نتفاهم معاه ، كما ينطبق عليه المثل الفرنسي : الشهية تأتي مع الأكل .
    أردوغان ليس استثناء ، كل الديكتاتوريين المعروفين ، في التاريخ الحديث ، أصيبوا بالغرور ، وهذا الغرور قادهم ، في آخر المطاف ، إما إلى الهلاك المذل المباشر (فرانكو ، السادات ، صدام ، القذافي ، على صالح ..) ، وإما إلى مزبلة التاريخ (هتلر ، ستالين ، بوتفليقة ، وربما هو وغريمه في دمشق ..) .
    أردوغان بدأ رئيسا لبلدية إسطنبول (1994-1998) ، أكبر مدينة في تركيا ، ثم رئيسا للوزراء (2003-2014) قبل أن يصبح رئيس للجمهورية منذ 2014 إلى اليوم (وربما إلى الغد) ، بينما نفوذه الأسد السلطوي لم يسطع إلا بعد يوليو 2000 .
    قد يكون أردوغان (أحد مؤسسي “حزب العدالة والتنمية”) حول تركيا ، في ظرف وجيز نسبيا ، إلى قوة اقتصادية، لكن إلى قوة استراتيجية ، لا مفر منها ، فلا ، لأن تركيا كانت ومازالت عضوا بارزا في “الحلف الأطلسي” ، كما كانت عضوا في “حلف بغداد” ، الذي أسسته أمريكا في 1955 ، للوقوف بوجه المد الشيوعي في الشرق الأوسط .

  4. يقول صالح/ الجزائر:

    2)- لأنه مسلم وحول بلاده إلى قوة اقتصادية معتبرة ، ولأنه انتهج ، في البداية ، سياسة “صفر مشاكل” مع الجيران ، فإن كل أبواب أغلب الدول العربية ، وخاصة سوريا وليبيا ، فتحت للاستثمارات التركية ولمنتجاتها المتنوعة .
    لكن مع الوقت ومع الشهية المتزايدة تحولت سياسة “صفر مشاكل” إلى سياسة “صناعة مشاكل” وفتن للجيران .
    لماذا ؟ .
    لأنه في ديسمبر 2017 ، نشرت صحيفة زمان اليومية الوطنية التركية مقطع فيديو باللغة التركية ، ترجمته إلى العربية ، كشف فيه رئيس حزب الرفاه ورئيس وزراء تركيا السابق (1996-1997) ، المعروف بتوجهاته الإسلامية (المعلم الروحي لأردوغان) ، عن العلاقات المثيرة أردوغان مع إسرائيل ومع “مشروع الشرق الأوسط الكبير” .
    (حزب العدالة والتنمية) فاز بانتخابات عام 2002 تحت مظلة حزب الرفاه ، إلا أنه غيّر قميصه بعد الفوز مباشرة إلى قميص “طيبII” ، ” ، أي القميص الجديد الذي ارتداه أردوغان بعد ترقيته من قبل الرئيس الأمريكي إلى رئيس” مشروع الشرق الأوسط الكبير ، ومنح “وسام الشجاعة “من قبل الكونجرس اليهودي الأمريكي . منح الميدالية منحت في 2004 وردت في 2014 ، لمجرد خلط الأوراق ، كما تردده ألسنة السوء .

  5. يقول سامح //الأردن:

    *يكفي هذا الرجل أنه نقل بلده(تركيا)
    من مربع الدول النامية الفقيرة
    إلى مربع الدول المتقدمة..
    *رجل بألف رجل بارك الله فيه.

  6. يقول محمد:

    أردوغان يملك مشروعا قوميا هدفه الوصول بتركيا لمكانتها الاقليمية والدولية التي هي أهلا لها. تركيا قطعت أشواطا معتبرة على المستوى الاقتصادي والعسكري…تركيا هي وريثة الدولة العثمانية العظمي التي عمرت أزيد من 6 قرون والتي كانت أعظم دولة في العالم تمتلك أعظم جيش في العالم وتتربع على 3 قارات. أردوغان ليس مغرورا وليس مستبدا فتركيا بلد المؤسسات وأردوغان منتخب شعبيا ولم يأتي عن طريق الدبابة كما هو حال السيسي وحكام العرب. تركيا تلعب في ساحة الكبار بالرغم من مقفها الخاطئ في سورية ومع ذلك فهي دولة صاعدة عكس البلدان العربية التي مازالت الدكتاتورية هي السمة الرئيسية فيها والفقر والجهل والتنازل عن القضايا الكبرى لصالح العدو الامريكي والاسرائيلي( مصر.السعودية.الامارات نموذجا) أردوغان يخدم بلاده حكامنا يقتلون شعوبهم

  7. يقول نيزك الكردي:

    عندما تخلت تريكا أتاتورك عن تاريخها المجيد وتراثها الإسلامي التليد أصبحت مجرد رقعة جغرافية نكرة حتى عند الذين اعتقد أتارتورك أنه أرضاهم بمنع الآذان بالعربية وتغيير حروف لغة الأناضول من العربية إلى اللاتينية وحرّم على المسلمة حجابها وقطع كل صلاته بالمسلمين والعرب إلا مع الأنظمة المستبدة، لكن حدث النقيض عندما استفاق جيل جديد على احتقار أوروبا لبلده ورفض حتى دخولها كعضو للنادي المسيحي الأوروبي وهي العلمانية التي تكاد تكود ملحدة، فمالت القلوب إلى الحزب الإسلامي لإحياء الهوية واستعادة المجد والمكانة وقد فعل وأصبحت تركيا محط أنظار الجميع ثناء وهجاء، غبطة وإعجابا وكراهية وحسدا، كما فعلت قريش والروم والفرس مع نهضة العرب بدعوة الإسلام على يد خاتم الأنبياء والمرسلين بعد أن كانت جزيرة العرب كتلة مهملة لا تصلح إلا لرحلتي الشتاء والصيف وعبادة الأوثان!!!

  8. يقول محمد:

    أردوغان يملك مشروعا قوميا هدفه الوصول بتركيا لمكانتها الاقليمية والدولية التي هي أهلا لها. تركيا قطعت أشواطا معتبرة على المستوى الاقتصادي والعسكري…تركيا هي وريثة الدولة العثمانية العظمي التي عمرت أزيد من 6 قرون والتي كانت أعظم دولة في العالم تمتل أعظم جيش في العالم وتتربع على 3 قارات. أردوغان ليس مغرورا وليس مستبدا فتركيا بلد المؤسسات وأردوغان منتخب شعبيا ولم يأت عن طريق الدبابة كما هو حال السيسي وحكام العرب. تركيا تلعب في ساحة الكبار بالرغم من م;قفها الخاطئ في سورية ومع ذلك فهي دولة صاعدة عكس البلدان العربية التي مازالت الدكتاتورية هي السمة الرئيسية فيها والفقر والجهل والتنازل عن القضايا الكبرى لصالح العدو الامريكي والاسرائيلي( مصر.السعودية.الامارات نموذجا) أردوغان يخدم بلاده، حكامنا يقتلون شعوبهم.تركيا وإيران هي الدول الاسلامية الوحيدة التي تملك مشروعا ورؤية واستراتيجية أما الدول العربية فهي جزء من الاستراتيجية للقوى الكبرى. عجزت عن بناء الدولة الوطنية وعجزت عن تحقيق الوحدة وفقدت جميع حقوقها وعلى رأسها فلسطين الحبيبة فلسطين الجريحة فلسطين الشهيدة.

  9. يقول عبد الوهاب عليوات:

    لا شك ان اردغان رجل دولة عبقري خدم تركيا كمثل اكير واهم الشخصيات التاريخية المؤثرة.. لكن الذي يستفزني هو عملية التبجيل الذي يمارسه بعض العرب كمحرر للعرب وكخليفة للمسلمين وهو في حقيقته ابعد من ان يهتم بشؤون العرب الا من خلال ما يمكن ان يمتصه من خيرات وما يناله من مصالح..
    اردوغان الخليفة كما تعمل على نشره اعلاميا جماعة باعت نفسها لاجل الانتقام لنفسها تعهد ان يكون حاميا للعلمانية في بلده وان يكون اطلسيا حتي النخاع وان يتحالف مع اقوياء العالم بمن فيهم إسرائيل لاجل مصالح تركيا ولو على حساب العرب ومصالحهم..
    كل مآسي العرب كان اردوغان احد اطرافها ومشاركا فيها ولكن هناك من العرب من هو مستعد للتضحية ببلده واهله وبنفسه من احل اردوغان ومصالح تركيا وهاذا ما لا يتقبله عاقل ولا يرضي به مخلص.

    1. يقول صالح/ الجزائر:

      وهذا ما أطلق عليه المفكر والباحث الإسلامي الجزائري ، مالك بن نبي ، “القابلية للاستعمار” .

    2. يقول بيان:

      والله يا سيد عليوات، ما أصبت!!!

    3. يقول بيان:

      ولا أنت يا سيد صالح!

  10. يقول حسام الحلاق:

    رئيس يخدم شعبه ومصالح بلده بواقغية وليس مثل جكام العرب

1 2 3 4

إشترك في قائمتنا البريدية