مما لا ريب فيه وجود المحور الشرقي واقعا سياسيا فرض كيانه في عالم السياسة، سواء اتُفِق عليه او لم يُتفق، والمتمثل بروسيا والصين ومناصريهما كوريا، ايران وسورية وبعض دول اسيا الوسطى وافريقيا والامريكتين، يجابهه المحور الغربي المتمثل بالولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي واسرائيل وحلفائها كتركيا، كندا، كوريا الجنوبية، اليابان، استراليا ودول في المحيط الهندي وبعض الدول العربية. فروسيا رأس المحور الشرقي نجد دفاعها الدؤوب عن سورية يكمن في قِدم العلاقات الاستراتيجية والتبادل العسكري والتجاري والمصدر الرئيس لتسليح سورية. ولروسيا قاعدة بحرية استراتيجية في طرطوس منذ عام 1971 تستخدم للتصليح والتموين وشحن الاسلحة ومكافحة القرصنة والمراقبة في بحر المتوسط، اضافة لروابط الكنيسة الارثذوكسية بينهما. فسورية منطقة نفوذ روسي مهم وأحد المعقلين الاخيرين لها في الشرق الاوسط ، بعد العراق وليبيا. وتفقه موسكو ان تفريطها بسورية هو خسارتها ايران. فموسكو لا تروق لها اساليب تغيير الانظمة بالضغط السياسي والتدخل العسكري، كما حصل في كوسوفو وليبيا، من قبل الغرب لتحقيق مصالحه البحتة، فاقلقتها احتماليات تطبيق تلك المخططات على الانظمة الموالية لها، بل والخشية من تطبيقها في روسيا ذاتها. وترى موسكو ان هذه السلوكيات من شأنها دحرجة العلاقات الدولية الى الفوضى، فينتفع الارهاب المتنامي في بقاع قريبة منها كالشرق الاوسط واسيا. اما المحورالغربي فيرى في سورية موقعا جيوسياسيا مهما، فهي رابط بين اوروبا واسيا والشرق الاوسط، وقربها الاقليمي من الصين وروسيا وايران يسهل الرقابة والمحاصرة، كذلك الطاقة في باطن الارض والبحر، كالنفط والغاز والسجيل الزيتي وغيرها، استخرجاً ونقلاً وممراً ليس لحاجتها، انما للسيطرة على منابع الطاقة وطرق امدادها لحجبها عن منافسيها والضغط عليهم، فلسورية اهمية سياسية حساسة، الا ان نهجها السياسي يتعارض مع الطموحات والمصالح الامريكية، فالولايات المتحدة ترى ان سورية تشكل تهديدا، بل خطرا على استراتيجياتها في الشرق الاوسط، كونها حلقة وصل بين طهران وحزب الله، ولدعمها احزاباً تعتبرها ارهابية، كحزب الله وحماس والجهاد، اضافة لحزب العمال الكردستاني الذي يكافح تركيا حليف امريكا وعضو الاطلسي، فضلا عن تنامي القدرات العسكرية وتطويرها برامج يظن انها لاسلحة دمار شامل، ناهيك عن الميل او الانتماء للمحور الروسي. بات واضحا الاختلاف بين محوري الشرق والغرب في سورية، فروسيا تعارض كل ما يصدر من الغرب، والغرب لا يرتضي منها حلاً، كما لا يود المساس بالصين، فبينهما مصالح مهمة، فاقتصادها الافضل نموا عالميا، فضلا عن قروضها للغرب. والصين بدورها اقل حديثاً واقوى صنيعاً، فحضورها بالفيتو قاهرٌ دوماً، اضافة للقلق الغربي من تهديدات كوريا الشمالية. المحور الشرقي يريد اثبات الوجود في هذا الاختبار الحقيقي ليضع ختم القطب الاخرعلى خارطة العالم السياسية، وامريكا تجتهد لترسيخ تفردها كقطب اوحد. ارتضى الجميع ابقاء الازمة حرب استنزاف مطولة او ارضاً محروقة، فطالما انطوى الغرب خلف الفيتو الروسي لينأى بنفسه. وحتى نية الضربة الامريكية ما كانت غضبة لاجل سورية، فسرعان ما بيعت بصفقة سحب الكيماوي لتطمئن حليفتها تل ابيب، ويستمر التقتيل بين السوريين، فاما نظام موالٍ او بلد على الانقاض خاوٍ. المحور الغربي ينشد الاستحواذ على سورية بأي وسيلة كانت، اما المحور الشرقي فلن يتنازل عنها مهما كلف ذلك، فاقسم المحوران على ان يتحاربا الى اخر سوري، لتصبح سورية ارض المعركة وعنوانا لصراع الشرق والغرب، تستخدم فيها اقذر الاساليب بشاعة واستهتاراً بحقوق العباد والبلاد، فتتلاطم فيها شعارات الديمقراطية والحرية والسيادة والشرعية زوراً وبهتاناً، فتزرع الفتن في كل دار وزقاق، وتمزق وحدة المجتمع وتنحر سورية بايد سورية وغير سورية، فيُستدرج اليها كل من هو غير مرغوب فيه فيُصَفي ويُصفى وتُنصب مشاوي الساسة على جمر الجثث السورية ورمادها، وتوضع طاولات لشطرنج دموي على خرائب الشام، لتقرع كؤوس الموت والدمار باجتماعات تُعَجلُ وتُؤجلُ ومحادثاتٍ تصحو وتغفو ومؤتمرات تغوص وتطفو ومواقف تثور وتخبو فيختبئ بعضها خلف بعض، وقرارات تقذف هنا وترمى هناك ولا انين سوى انين مواطن بريء ذلك السوري الخاسر الاكبر الذي لا ناقة له ولا جمل مما حصل ويحصل، فلا من اغلق بابه آمن ولا من خرج او ثار نجا.