تجري المعركة على مستقبل سورية، بالتوازي مع ما يجري على الارض، في الساحة الدولية ايضا، فاللاعبون الاساسيون الذين يقفون في مركز المسرح هم روسيا والولايات المتحدة، اللتين تديران هذه المعركة من خلال تبادل الضغوط، التهديدات ومحاولات الحوار، وهلمجرا. وجرت الجولة الاخيرة في هذا الشأن في اجتماع الثماني الكبار، في شمال ايرلندا في 17 19 حزيران/يونيو 2013. وعني هذا اللقاء، الذي يشمل كل المسائل التي تشغل بال الساحة الدولية، هذه المرة، في معظمه، بالموضوع السوري، وفي مركزه حوار مشحون بين الرئيسين الروسي والامريكي، ولا سيما بالنسبة لعقد المؤتمر الدولي في موضوع سورية. وحول مسألة انعقاد هذا المؤتمر الذي يعرف باسم ‘جنيف 2’ الذي اتفق عليه في اثناء زيارة وزير الخارجية الامريكي كيري الى روسيا في بداية ايار/مايو 2013، يوجد خلاف مشحون، في مركزه مسألة رحيل الاسد. ومع أن هذه المعركة على سورية اصبحت حدثا دوليا مركزيا، ستؤثر نتائجه على مستقبل المنطقة وبمفاهيم عديدة حتى على مكانة القوى العظمى المشاركة، فان المواجهة بين روسيا والغرب لا تتعلق بسورية وحدها، وتجري بقوى متعاظمة منذ بداية عصر ‘الربيع العربي’، وذلك كجزء من المنافسة العالمية المتواصلة. وفي هذا الاطار، اختارت روسيا الحرب الاهلية في سورية كساحة مواجهة مركزية، تطبق فيها سياسة تحد، تنطوي على مساعدة متصاعدة لنظام الاسد الى جانب نشاط متنوع، عسكري وسياسي، لمنع التدخل الخارجي في هذه المعركة. ويبدو أن سلوك روسيا هذا يثبت نجاعته، على الاقل في كل ما يتعلق ببقاء نظام الاسد الى ما يتجاوز ما كان متوقعا. وتتطلع روسيا الى ترجمة هذا الانجاز الى نجاح من خلال الدفع الى الامام بفكرة المؤتمر الدولي لتقرير مستقبل سورية، وعلى أي حال لتصميم مكانتها في المنطقة، اضافة الى أرباح ستنالها في الساحة العالمية. ومن هنا، واضح انعدام الحماسة من جانب الولايات المتحدة وحلفائها في العالم وفي المنطقة للاستجابة لهذه الفكرة، بافتراضهم ان أيام النظام السوري معدودة ولا يجب العمل على حفظ بقائه، في ظل منح المقابل لروسيا، سواء في الشرق الاوسط أم في مناطق اخرى توجد لها فيها مصالح. وكانت التجربة الفاشلة الاولى لتحقيق حل دولي للازمة تمت قبل نحو سنة، في نهاية يونيو 2012، مع انعقاد مجموعة دعم لسورية، تضمنت ممثلين عن اعضاء في مجلس الامن وعدد من الدول في المنطقة، في مؤتمر في جنيف. وصاغت المجموعة بيانا مشتركا يدعو ضمن امور اخرى الى اقامة حكومة انتقالية في سورية. ومؤخرا، على ما يبدو على خلفية الاحساس بالانعطافة في صالح الاسد، بدأ جهد للدفع الى الامام بفكرة ‘جنيف 2’. وبالفعل صدرت موافقة أمريكية على ذلك اثناء زيارة وزير الخارجية كيري الى روسيا في بداية مايو 2013، انضمت اليها دول غربية اخرى، فيما كانت في أساس فكرة المؤتمر الجديد الاتفاقات التي تم التوصل اليه في ‘جنيف 1’ في 2012. ومنذئذ أصبح هذا الموضوع عمليا محورا دوليا مركزيا، تدور حول عدم اتفاق الاطراف بشأن مضامين الحلول المستقبلية منظومة ضغوط ومساعي اقناع متنوعة. وفي اطار هذه الجهود يمكن لنا أن نذكر النوايا التي لم تتحقق ويبدو أنها لن تتحقق بسرعة لتزويد سورية بصواريخ اس 300 الروسية. ومن الجهة الاخرى يجدر بالذكر التصريحات الغربية بشأن الغاء حظر تزويد الوسائل القتالية للثوار، التهديدات بشأن تنفيذ ‘منطقة حظر جوي’، البيانات بشأن اجتياز ‘الخطوط الحمراء’، المترافقة مع نصب صواريخ مضادة للطائرات وارسال طائرات قتالية امريكية الى الاردن، بما في ذلك التدريبات المشتركة هناك وخطوات اخرى. في ذروة سباق الضغوط هذا، انعقد، كما كان مخططا، لقاء الثماني الكبار، حيث طرح بكامل حدته وحجمه الموضوع السوري، مع التشديد على عقد مؤتمر ‘جنيف 2’. ويتعلق الخلاف الاساس بشأن مضامين المؤتمر المطروح، عمليا، بمستقبل النظام السوري. وفي اثناء اللقاء نوقشت هذه المسألة في اللقاءات بين الرئيسين الروسي والامريكي، مثلما في اللقاءات بين قادة الدول الاخرى، في ظل المسعى لجسر الخلافات. ويبدو ان الاطراف بالفعل وصلت الى نقطة التوازن في مسألة مجرد انعقاد المؤتمر وتحديد المواضيع على جدول أعماله. ولكن بقيت الاطراف مختلفة في مسألتين اساسيتين بالنسبة للروس: تلك التي تتعرض بالبيان باستخدام السلاح الكيميائي من قبل النظام السوري وتلك المتعلقة بمستقبل الاسد. المسألة الاولى وجدت حلها في صياغة حذرة. والاخيرة ادرجت في صياغة البند المتعلق باقامة حكومة انتقالية في سورية وأبقت الرواسب الاساسية. في البيان المشترك الذي نشر في ختام اللقاء وردت ستة بنود تتعلق بالموضوع السوري، على النحو التالي: الالتزام بالعمل على وقف الحرب الاهلية. الالتزام بتمويل مبلغ 1.5 مليار دولار كمساعدة انسانية. الالتزام بالعقد في أقرب وقت ممكن لمؤتمر جنيف على اساس التفاهمات من العام 2012، التي تتضمن اقامة ‘جسم انتقالي حكومي ذي صلاحيات تنفيذية كاملة’. التزام الاطراف المشاركة في المؤتمر بتطبيق القرارات التي تتخذ فيه واحلال المصالحة والاستقرار. الاعراب عن القلق من تعاظم الارهاب والتطرف في سورية والالتزام بابعاد هذه العناصر، ولا سيما القاعدة، من الدولة. شجب استخدام الاسلحة الكيميائية والمطالبة بمراقبة مواقع تخزينها. البند الاشكالي الذي يواصل اثارة الخلاف، يبقى، كما أسلفنا، ذاك المتعلق بالحكومة الانتقالية. الصيغة التي اختيرت كحل وسط مع الروس تتحدث ليس عن الحكومة بل عن ‘جسم ذي صلاحيات حكومية’. ويبدو أن هذا الحل الوسط يبقي مجالا لادراج الاسد، مؤقتا على الاقل، في العملية ويمنح بذلك تفوقا نسبيا للروس، في كل ما يتعلق بانتشارهم المستقبلي في سورية. في هذا الواقع، على الرغم من الاتفاق الايجابي بشأن الحل الشامل للازمة في سورية، وعلى رأس ذلك الاتفاق على عقد المؤتمر الدولي، كما ينعكس في البيان المشترك، تشعر كل الاطراف باحباط لا بأس به. وقد وجد الامر تعبيره بالاستخدام المتكرر للتهديدات المعروفة قبل اللقاء المطروح، مثل الذكر المتجدد للتوريد المتوقع لصواريخ اس 300، التصريحات بشأن تزويد الثوار بالمساعدات الغربية وما شابه. وبالنسبة لعقد مؤتمر ‘جنيف 2’ نفسه هذه المسألة بقيت حاليا مفتوحة. ومع أنه ذكر في البيان المشترك انه يجب العمل على انعقاده السريع، عمليا لم تذكر تواريخ واضحة. وعلى هامش اللقاء اشير الى أن موعد المؤتمر سيتقرر على ما يبدو بعد اللقاء بين ممثلي روسيا والولايات المتحدة وبين ممثلي الامم المتحدة للموضوع السوري، الذي سينعقد في 25 يونيو 2013. ويبدو أنه في نهاية المطاف سيتحدد الموعد بالفعل والمؤتمر سينطلق على الدرب، وان كان باحتمالية عالية ليس في تموز/يوليو القريب القادم، كما كان متوقعا، بل ربما في آب/اغسطس 2013. وتقررت منذ الان لقاءات للتواصل بين الرئيسين بوتين واوباما في اطار اجتماع العشرين الكبار، الذي سينعقد في روسيا في ايلول/سبتمبر القريب القادم. كما علم ايضا بانه في هذا الاطار ستبحث كل المواضيع المتعلقة سواء بسورية ام بالجوانب الثنائية والعالمية التي على جدول الاعمال. وحتى ذلك الحين ستستمر استعراضات القوة وممارسة الضغوط المتبادلة، لتحقيق مصالح الطرفين تمهيدا للاتفاقات المستقبلية. ان انعقاد المؤتمر بالصيغة المرغوب فيها من الروس، يدل على التغييرات التدريجية في مكانتها كلاعب يتعزز القوة في الساحة الدولية.