يبدو أن حمى النزاعات والخلافات في الدول العربية أصبحت بمثابة الخيار والتوجه العام الذي يميز أغلب العلاقات اليوم من المشرق إلى المغرب. مشهد متوتر ومثقل بالملفات التي تفتح الواحد تلو الآخر وفق معطيات تتشابه حينا وتختلف حينا آخر. وواقع يترجم بوضوح عمق وحدة هذه التوترات لارتباط أغلبها بمشاكل عرقية وطائفية تأبى أن تندثر أو تستوعب أن هذه الانتماءات المختلفة لم توجد لتكون سبب البلاء.
فبعد انفجار الوضع في العديد من بلدان المشرق العربي هاهي بوادر الأزمة تنتقل إلى مغربه. نزاع قديم جديد بين المغرب والجزائر بدأ يلقي بظلاله هذه الفترة بين الجارتين ليصل حد تبادل التهم بتهديد الأمن العام ودعم الأقليات المناوئة للسلطة في البلدين وتحريضهما لخلق التوتر. ويأتي كل ذلك في مرحلة دقيقة وخاصة جدا تعيشها المنطقة عموما لا تحتمل المزيد من الأحداث والتصعيد. وهذا الملف كان له حضوره مع الإعلامي يوسف بلهايسي على القناة المغربية «ميدي 1 تي في» في «برنامج خاص». مستضيفا عددا من المحللين السياسيين والأساتذة المغاربة للتحاور حول الحملة الإعلامية التي تشنها الجزائر مؤخرا وتتهم فيه المغرب بكونها الجهة المسؤولة عن أعمال العنف في البلاد.
وقد انطلق المقدم بالتساؤل حول أسباب الحملة الشرسة التي يشنها الإعلام الجزائري ضد المغرب؟ وإلى أي مدى يجب أخذها على محمل الجد؟
وللتوضيح فإن العديد من الأطراف الجزائرية قد كانت قد وجهت سابقا أصابع الاتهام صراحة إلى المغرب بالتورط في أعمال العنف التي شهدتها منطقة «غرداية» بالجزائر بين الأمازيغ المزابيين الإباضيين والعرب المالكيين منذ أشهر وأسفرت عن العديد من القتلى ومئات الجرحى.
مخلفات الاستعمار
ولكن الضيوف انطلقوا في الحديث من جهة عن مخلفات الاستعمار في السياسة الجزائرية واعتبارها أحد مسببات نهج هذا البلد لسياسة غير متوازنة. والإقرار بأن السياسة الجزائرية قائمة على العداء للمغرب، بل وأقروا أنها تعد عقيدة وايديولوجيا من جهة أخرى.
هذا إلى جانب تسليط الضوء على كونها بلدا قائما على الرغبة في التسلط والهيمنة على بلدان الجوار وفرض نفوذها في المنطقة. وبالنظر إلى الأسئلة المطروحة فإنها بدت بعيدة كل البعد عن الموضوع الجوهري، الذي طرح منذ بداية الحلقة. وقد بدت أشبه بحملة تهجم على السياسة الجزائرية عوض الدفاع عن براءة المغرب من التهم المنسوبة إليه، وتقديم الأدلة عن ذلك.
وبالعودة إلى تاريخ الصراع بين الجارتين فإننا نصل إلى معطى مفاده أن ما يحدث لا يعدو أن يكون إلا صراعا من أجل الزعامة الإقليمية. وقد تبدو اتهامات الجزائر للمغرب محقة، نظرا لان تاريخ العلاقات بين البلدين كانت دائما قائمة على استغلال فترات ضعف الطرف الآخر حتى تكون مناسبة للطرف الموازي لوضع مخططاته.
ففي فترة أوج أزمة الصحراء بالمغرب تشبثت السلطات المغربية آنذاك بخيار وحدة ترابها في حين تشبثت الجزائر في اجتماع الأمم المتحدة بخيار الاستفتاء الذي كان يعني حتما انفصام «البوليساريو» وتأسيسهم لدولة منفصلة موالية للمخابرات الجزائرية. كما كان يعني ذلك ضرب الأمن المغربي وتهديد وحدة ترابه وإضعافه في مقابل صعودها كقوة إقليمية دون منافس قوي مثل المغرب. واليوم تعيش الجزائر أضعف فتراتها على الإطلاق رغم الصورة البراقة التي تحاول أن تبدو عليها في المشهد الإعلامي المحلي.
ورغم محاولات رجال السلطة شراء السلم الوطني بعائدات الغاز والبترول إلا أن حقيقة ما يجري في القصر الرئاسي تكشف النقاب عن وضع داخلي مهترئ ومتعثر قد ينفجر في أية آونة. وطبعا ليست هناك فرصة أنسب من هذه كي يرد المغرب الصفعة لجارته الضعيفة ويمسك بزمام الأمور في المنطقة.
وهو يدرك جيدا أنه وفي ظل الوضع الراهن في الجزائر، فإن مشاكسة الوضع الأمني يمكن أن تكون الورقة الرابحة التي ستربك سلطة بوتفليقة الوهمية وتضرب جدران محيطه المتكالب من أجل خلافته في ولاية عرش بلد المليون شهيد. لا سيما أمام انفتاح جبهة العنف على الحدود التونسية التي لم تحسم بعد وما تزال ورقة ضغط تسلط عليها، هذا دون أن ننسى الوضع المحتقن في ليبيا الذي يلقي بظلاله على بلدان الجوار والجزائر أحد أبرز الجهات المعنية. وبالتالي فإن فتح جبهة توتر داخلية في هذه الظرفية ستكون بمثابة الصفعة الثقيلة التي قد تبعثر أوراق المتصرفين في السلطة الجزائرية باسم الرئيس الشرفي بوتفليقة. وهذا الوضع عموما سيعني في نهاية المطاف فوز المغرب ولو بمجموعة من النقاط الإضافية على حساب الجزائر في إطار التسابق نحو الريادة الإقليمية.
الجزائر وصراع السلطة
وفي إطار هذا الملف المغاربي وتحديدا الملف الجزائري، الذي تحول إلى ما يشبه عرض سرك تمردت فيه الحاشية على المدرب دون أن تقدم على النيل من حياته أو إخراجه من الصورة أثناء العرض. حيث أحدثت عملية إقالة مستشار الرئيس عبد العزيز بلخادم زوبعة إعلامية وشعبية تتساءل عن أسباب هذه الخطوة التي جاءت في حق شخص ارتبط اسمه بمختلف حقبات حكم الرئيس الشرفي عبد العزيز بوتفليقة. وجعلت السؤال التقليدي المتعلق بحقيقة تسيير بوتفليقة من عدمه أكثر حضورا وأشد وقعا من الفترات السابقة. وهذه المسألة كانت محور برنامج «زاوية الحدث» الذي يقدمه الإعلامي حمزة كحال على قناة «كي بي سي» أو «الخبر» الجزائرية في حواره مع الكاتب والمحلل السياسي الجزائري مصطفى هميسي.
ومباشرة كان الحديث في جوهر الموضوع المطروح حيث أكد الضيف أن إقالة وزير أو أي مسؤول كان من الممكن أن يكون معطى عاديا لا يحظى بكل هذا الاهتمام لو كان صاحب القرار واحدا، وليس مفتوحا على عدة أطراف تتنازع من أجل الفوز بالخلافة.
كما انتقد المشهد السياسي في بلاده معتبرا انه بلغ مرحلة خطيرة قد تنفجر بين الحين والآخر، ولكنها ستعصف بالبلاد. مناديا بضرورة الصحوة وبناء دولة المؤسسات والاستغناء عن دولة السلطة التنفيذية القائمة على الولاء للعائلة الحاكمة وكسر هذه الصورة النمطية التي أمست عليها البلاد.
التحولات الاقليمية
وبالعودة إلى حقيقة المشهد الجزائري، فإنه وبعد دخول بوتفليقة القصر الرئاسي وهو بكل ذلك القدر من العجز والمرض تبين الجميع مآل المسار السياسي في هذه البلاد. ولكن من الحمق أن يتجاهل ماسكو السلطة في بلد المليون شهيد التحولات الإقليمية العميقة التي تحدث يوميا.
وبناء عليه فإن المنطق يقول بأن هؤلاء سيتداركون الوضع منذ الآن ويراجعون مساراتهم ويحاولون ولو تقديم تنازلات كبيرة تكون في حجم التحول العميق الذي يحيط بهم من كل الجهات. فما حدث في تونس كان سببه أساسا احتكار السلطة والثروة وانتهى بانقلاب الشعب وإزاحة النظام، كذلك الشأن في ليبيا مع الفارق في النتيجة طبعا هذا دون أن ننسى ما جد في مصر هي الأخرى.
والحقيقة أن هذا الاحتكار يجد لنفسه موطأ قدم في العائلة السياسية هناك، رغم محاولاتهم شراء سكوت الشعب بتقديم بعض التنازلات المادية. ولكن مهما قدمت السلطة من إغراءات مادية فإن نتيجة هذا المسار حتمية، وقد أكدت ذلك كل تجارب الأمم الحديثة والقديمة.
هذا دون أن ننسى أن السلطة في الجزائر لا تسير من طرف واحد بل تسير وفق تجاذبات العديد من الأطراف التي يرغب كل منها ببسط نفوذه والحفاظ على ضمانات تمكنه من البقاء في الواجهة والمنافسة على أخذ الريادة في إصدار القرار. وبالتالي فإن الوضع مفتوح على العديد من السيناريوهات الخطيرة إذا لم يلتفت أصحاب القرار إلى إصلاح المنظومة كاملة ومحاولة خلق دولة مؤسسات حديثة والتخلص من عقلية العسكر التي كانت ميزت مختلف الأنظمة السياسية في بلد المليون شهيد.
اعلامية من تونس
فاطمة البدري
الجزائر أكبر دولة من حيث المساحة وعدد السكان وله حدود مع 7دول ولايوجد اى مشاكل الا مع المغرب اما الريادة الاقليمية فالمغرب غير مؤهل لها ( المساحة والموقع الجغرافى- القوة العسكرية اضعف بكثير من الجزائر- الاقتصاد رغم التحسن الا انه ضعيف فالدين الخارجى فقط اكثر من30مليار دولار نسبة الفقر الاعلى فى شمال افريقيا-النظام السياسى فى المغرب (المخزن) ليس احسن حالا من النظام الجزائرى ) بالنسبة للجزائر لا تريد اى زعامة ( فقط عدم التدخل فى الشؤون الداخلية) وتونس اكثر البلدان علما بدلك
من الذي يتدخل في الشؤون الداخلية للآخر يا سيد مروان.هل نحن من يدعم البوليزاريو أم الجزائر.
ان الشعبين الجزائري و المغربي لا يأبهان لهذه الصراعات السياسية التي يلعبها السياسيون بضغط من كبار العسكريين – سنا ورتبة – من الطرفين .
فهذين الشعبين العريقين ما يجمعهما أكثر مما يفرقهما ، تجمعهما الجغرافيا و التاريخ و الدين و الأعراف و التقاليد و الثقافة و اللغات – العربية و الأمازيغية بشتى أنواعها – كما تجمعهما المصاهرات منذ القدم و إلى اليوم ، كما أن الأمازيغ في كلى البلدين ليسوا أقلية ، بل هم مكون رئيسي في النسيجين الوطني و الإجتماعي .
و كما تجمعنا كل هذه العناصر المشتركة تواجهنا تحديات مشتركة أيضا ، و لن نتغلب عليها إلا بالإتحاد الإقتصادي و السياسي و العسكري و الإجتماعي ، ثم الترفع عن بعض الإعلاميين المغرضين و المأجورين من ِقبل أولائك السياسيين “العسكريين” الذين يحاولون عبثا تأليب الشعبين بغية كسب رأي عام إلى صفوفهم ليمرروا مخططات لا تخفى على ذكاء الشعبين .
أما فيما يخص ما ذهبت إليه الكاتبة من صراعات على الزعامات فهو إن دل على شيئ فإنما يدل على قصور في فهم أو قراءة هذه الكاتبة للسياسة الخارجية للمملكة المغربية منذ تولي جلالة الملك محمد السادس عرش المغرب ، فالمغرب في ظل العهد الجديد التفت إلى البناء و التنمية الإقتصادية و البشرية و المؤسساتية الداخلية من أجل الإصلاح السياسي الداخلي لتحقيق دولة الحق و القانون للإرتقاء بالعنصر البشري المغربي ، أما سياساته الخارجية فلقد تقلصت و اقتصرت على الحفاظ على سمعة المغرب السياسية و الإقتصادية و الأمنية لاستجلاب الإستثمار الخارجي للنهوض باقتصاد البلد من جهة ، ومن جهة أخرى استجلاب الدعم المعنوي من الأمم الصديقة -القريبة و البعيدة – في قضيته العادلة التي تتعلق بوحدة أراضيه ، أما الزعامات الإقليمية و غير الإقليمية فلم تعد تغريه و لم تعد من أولوياته .
و من أجل هذا فالمغرب حكومة و شعبا أحرص ما يكون على الحفاظ على حسن الجوار مع الشقيقة الجزائر ، و كمواطن مغربي أتمنى أن يكف السياسيون “العسكريون” من الطرفين عن الزج بشعبينا الشقيقين في نزاعاتهما الشخصية ، كما أتمنى للجزائر الإزدهار الإقتصادي و السياسي لكي نتكامل في شتى الميادين و المجالات ، كما أتمنى من النظامين الإستماع إلى الشعوب و العمل على تلبية آمالهم في الحرية و العيش الكريم بدل إدخالهم في متاهات فارغة لا تعود عليهم إلا بضياع الفرص في تحقيق الإستقرار و التنمية .
و أخيرا أقول : لم يعد هذا الزمان زمان زعامات ، بل أصبح زمان تحالفات ، تحالفات من أجل إنقاذ مستقبل الأجيال القادمة .