صواريخ اليمن البعيد تقلق وتربك إسرائيل.. وجهات فيها تنبّه: “العنوان في طهران”

وديع عواودة
حجم الخط
0

الناصرة- “القدس العربي”:

ترجّح تقديرات المؤسسة الأمنية الإسرائيلية أن يواصل الحوثيون إطلاق الصواريخ الباليستية من اليمن نحو تل أبيب الكبرى وسط دعوات لعدم الاكتفاء بضربات في اليمن، بل الذهاب لضربة كبيرة في إيران، رغم الجدل في إسرائيل حول حقيقة دورها ومسؤوليتها وحول استقلالية الحوثيين في هذا المضمار.

المؤكد أن استئناف إطلاق الصواريخ والمسيّرات من اليمن في هذه المرحلة المتأخرة من الحرب، يفاجئ ويقلق ويربك إسرائيل. جاء الصاروخ الأخير في شمال مدينة يافا التاريخية، على الحدود بينها وبين تل أبيب، فجر السبت مباغتا لفشل القبة الحديدية في اعتراضه، خاصة أنه أعقب صاروخا آخرا وصل تل أبيب قبل يومين، وتسبب بهدم مدرسة بالكامل كانت فارغة.

وفي الحالتين، لعب الحظ دورا حاسما في منع نتائج وخيمة، ووقوع أعداد كبيرة من المصابين والقتلى. فقد سقط الصاروخان على مسافة أمتار من عمارات سكنية مأهولة بعضها بدون ملاجئ، بسبب قدمها.

وهذه الحقيقة هي مصدر قلق إسرائيلي بالغ كما ينعكس في الصحف العبرية اليوم الأحد. فخطورة الصواريخ لا تقاس بنتائجها فحسب، بل بما كان بالإمكان أن تسببّه. وإستراتيجياً، ينبه رئيس معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب الجنرال في الاحتياط تامير هايمن في تصريحات صحافية اليوم، إلى ضرورة اعتماد إسرائيل على نفسها لأن “التحالف الغربي” طبيعته دفاعية فقط، محذّرا من أن بقاء التهديد الحوثي عبرة ملهمة لإيران، ولذا على إسرائيل أن تصمّم في القضاء عليه.

تهديد حقيقي

بيد أن الضرر والتحّدي الناجمين عن إطلاق صواريخ اليمين السعيد البعيد، يكمنان أيضا بكونها مصدرا حقيقيا وفوريا لتشويش وتيرة الحياة. فصافرات الإنذار، التي جاءت بعد سقوط الصاروخ في يافا هذه المرة، دفعت أعداد كبيرة جدا من الإسرائيليين للاستيقاظ خائفين أو قلقين ويهرولون للملاجئ بعد منتصف الليل وفي ساعات الفجر.

علاوة على تشويش الحياة اليومية والخوف، فإن استمرار مثل هذه الصواريخ من شأنه أن يتسبب بأضرار اقتصادية من ناحية تراجع الاستثمار جراء قلة الاستقرار، ويكفي أن يطلق الحوثيون صاروخا واحدا كل أسبوع أو أسبوعين، حتى تتكّرس حالة الطوارئ المربكة هذه.

ومما يزيد من قلق المؤسسة الأمنية في إسرائيل، هو فشل منظومة الدفاع الصاروخي بكل طبقاتها من اعتراض الصاروخين اليمنيين.

في المقابل، يوضح مسؤول سابق لمنظومة الصواريخ الاعتراضية، الجنرال في الاحتياط تسفيكا حايموفيتش، في حديث للإذاعة العبرية صباح اليوم الأحد، أن خللا تقنيا تسبب بعدم اعتراض الصاروخين، مؤكدّا قيام الجيش بإصلاحه. وتابع حايموفيتش: “نعم الامتحان سيكون في اعتراض الصاروخ القادم وهو سيأتي”.

يشار إلى أن القبة الحديدية فشلت في اعتراض عدد كبير من الصواريخ الباليستية الإيرانية في ليلة الصواريخ في الأول من أكتوبر/ تشرين أول الماضي. فقد أفادت تسريبات إسرائيلية أيضا بأن الصواريخ الإيرانية سقطت في عدة مطارات عسكرية وتسبّبت بأضرار بالغة. وكانت منتديات تواصل اجتماعي قد وثقّت هذه الصواريخ تتساقط بكثافة في النقب.

إغلاق الثغرة

يدعو مراقبون إسرائيليون للإسراع في “سدّ الثغرة” لمنع اختراق صواريخ مستقبلية الأجواء الإسرائيلية والسقوط المحتمل في تل أبيب ومحيطها، خاصة أن إيران ما زالت تهدّد بالانتقام من إسرائيل، وخطر إطلاقها هي الأخرى صواريخ باليستية ما زال قائما، كما يؤكد المحلل العسكري البارز في موقع “واينت” رون بن يشاي.

بيد أن ال بن يشاي وغيره من المراقبين الإسرائيليين يدعون للقيام بخطوات وقائية استباقية تتمثّل بقصف اليمن ومنع إطلاق الصواريخ منه بدلا من الاعتماد على القبة الحديدية فقط.

على خلفية كل ذلك (الأضرار والتهديدات والاحتمالات باستمرارها) تكشف مصادر في إسرائيل عن استعداداتها لشنّ هجمات جوية جديدة في اليمن لا تكتفي باستهداف الموانئ أو البنى التحتية، إنما تطال منظومات عسكرية، وتحاول اغتيال القيادات السياسية والعسكرية الحوثية.

وينقل المراسل العسكري في صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية يوسي يهوشع، اليوم عن مصادر عسكرية إسرائيلية، تقديراتها بازدياد وتيرة الصواريخ نحو تل أبيب الكبرى بعدما طوّر الحوثيون هذا الطراز بإضافة كمية وقود في محركه مما يزيد مداه.

كما ينقل عنها ترجيحها أن القبة الحديدية ستخطأ أحيانا، ولذا فإن الحل سيكون بإطلاق أكثر من صاروخ اعتراضي بشكل متزامن. مع ذلك يقول يهوشع: “لكن عندما لا تستطيع إسرائيل الرد بقوة كبيرة وكافية على الحوثيين فهذا امتحان لدول الغرب”.

الحوثيون عنيدون ومستمرون

يذكر هنا أن مصادر صحافية عبرية كشفت قبل أيام عن تقديرات أمريكية تفيد بأن القوة ضد الحوثيين غير مجدية، فهم عنيدون ومصممّون على موقفهم رغم الضربات والأثمان الباهظة. وهذا ما أكده البارحة نائب رئيس الهيئة الإعلامية لأنصار الله، نصر الدين عامر بقوله: “إننا نتوقع ضربات جديدة من الغرب، فإسرائيل هي ابنته المدللة، ونعي أن الثمن باهظ بيد أننا مستمرون”.

وهذا التصريح يتقاطع أيضا مع تقديرات المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بأن التهديد الحوثي مقلق؛ لأن إسرائيل لم تنجح بردع الحوثيين، علاوة على الفشل في اعتراض الصاروخ، وفق ما يؤكد عاموس هارئيل، المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس” اليوم.

وفي ظل التسريبات عن استعدادات إسرائيل لتوجيه ضربة جديدة في اليمن بعد الصاروخ الأخير، تشير مصادر صحافية عبرية إلى أن ضربة إسرائيلية في إيران واحدة من الخيارات المطروحة فعلا اليوم، كما تكشف الصحيفة العبرية المذكورة.

ويثير هذا الموضوع نقاشات في إسرائيل حول الخيار الأصح. فهناك من يشكّك بجدوى مواصلة إسكات الحوثيين في اليمن، ويدعون للذهاب إلى “رأس الأخطبوط” لأن العنوان في طهران، ولأن ضربة كبيرة ضدها هي الطريق لوقف “الإزعاج اليمني” وفق ما يقول المحلل السياسي بن درور يميني، زاعما أن “اليمن هو لبنان الثاني، دولة ضعيفة يسيطر عليها تنظيم معاد لنا”.

وهذا ما يشير ويدعو له رسم كاريكاتيري في الصحيفة اليوم، حيث يبدو المرشد الروحي الأعلى في إيران علي خامنئي وهو يحمل إبريقا ويسقي أصيص الحوثيين، ومن خلفه نباتات حماس وحزب الله والأسد قد ذبلت.

تأثيرها على الصفقة؟

هل تؤثر صواريخ اليمن على احتمالات الصفقة العالقة؟ علاوة على محاولات إسرائيلية محتملة جدا لاغتيال قيادات الحوثيين كما فعلت في الجبهتين الفلسطينية واللبنانية رغم الحاجة الكبيرة للمعلومات الاستخباراتية ولتعاون دول أخرى، من غير المستبعد أن تؤدي صواريخ اليمن في حال استمرت، وفشل القبّة الحديدية باعتراضها، أن تؤدي إلى زيادة الضغط الداخلي على رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو نحو وقف التهرب واستكمال الصفقة وإنهاء الحرب متجانسا مع رغبة 74% من الإسرائيليين وفق آخر استطلاعات الرأي.

وإن استمرار تشويش الحياة في تل أبيب الكبرى، قلب إسرائيل، من شأنه زيادة غضب الشارع على استمرار النزيف وترجيح حكومتهم كفة اعتبارات فؤوية غريبة. كذلك ربما يكون هذا النزيف سببا لزيادة ضغط الإدارة الأمريكية الجديدة على حكومة الاحتلال من أجل وقف الحرب، خاصة أن استمرار إغلاق البحر الأحمر يهدد مصالح أمريكا وحلفائها في المنطقة.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية