‘ليست بشرى مفرحة
‘
هذا يبدو كتفكك لكل الاطر وانزلاق نحو الفوضى، ولكنك عندما تشاهد التلفزيون لا يمكنك ان تتجاهل وجه الشبه بين الصور. ترى عملية تفجير في شارع في مدينة، ولا تعرف اذا كانت هذه بغداد ام دمشق ام الرياض. ترى الجماهير يتظاهرون في الميدان ولا تعرف اذا كان هذا في القاهرة أم في حلب أم في تونس. ذات اللغة، ذات الشعارات، ذات الثقافة، ذات الملبس. اطر تتفكك، انظمة تسقط، جماعات تقاتل بوحشية الواحدة الاخرى، ولكن من تحت كل هذا ينبت هناك (وبوحشية وبدم) شيء ما موحد ومشترك ويتجاوز الحدود. الجبار المسلم، وفي قلبه الامة العربية الكبرى، يستيقظ من سبات مئات السنين ويطالب بالكرامة التي يستحقها في العالم.
‘لا يمكن ان نعرف كم من الوقت سيمر الى ان ينجح احد ما في السيطرة على هذا البحر العاصف ويقيم القوة العظمى الاسلامية العالمية. في هذه الاثناء يصطدم هناك العلمانيون بالمتدينين والسنة بالشيعة والاقليات الاخرى، كراهيات عتيقة وولاءات قبلية تنبعث الى الحياة، ولكن الصوت الصاعد من تحت كل هذا الزبد العاصف هو حيوية عظمى لها لغة واحدة، ثقافة واحدة ودين واحد.
‘العالم الناعس والكسل الذي كان حولنا يوشك على التغير، وهذه ليست بشرى مفرحة لنا، إذ ليس هناك احد هو صديقنا او محب لنا. وبالذات لهذا السبب يتعين علينا ان نسمع الاصوات، وان نعتاد بسرعة وان نتعلم. كم امتصصنا كثيرا من ثقافة العالم الغربي ـ المسيحي، وكم قليلا نعرف عن الثقافة العربية والاسلامية. دعينا ذات مرة الى لقاء في لندن لصحافيين اسرائيليين وفلسطينيين. كان هذا سخيفا. الناس الذين يسكنون على مسافة ربع ساعة سفر الواحد عن الاخر، ولغتا الام لديهما متشابهتان جدا الواحدة مع الاخرى، يسافرون حتى لندن كي يلتقوا ويستخدمون الانكليزية كي يتبادلوا الحديث. في لحظة معينة وجدت صعوبة في ايجاد الكلمات بالانكليزية كي اعبر عن فكرة معقدة ما، واحد الفلسطينيين قال لي: هيا تكلم بالعبرية، فحصت حول الطاولة ووجدت ان معظم الصحافيين العرب يتحدثون العبرية، واحد من الصحافيين الاسرائيليين غير قادر على ان يتحدث العربية.
‘اوباما يتردد ويتلبث ولا يهاجم دمشق، إذ مرت ايام ادار فيها الغرب العالم وحده، واليوم لا يمكن توقع ما يحصل في سورية في اعقاب هجوم امريكي، واذا كان هذا خيرا ام شرا. ولكن السؤال اذا كان اوباما سيهاجم الاسد، اوباما والاسد على حد سواء سينسيان بعد سنوات قليلة اما نحن، اسحق واسماعيل، فهنا دوما.
‘
الحدث الذي لم يكن
‘
وأخيرا اريد أن اختار ايضا الحدث الاهم الذي لم يحصل في هذه السنة: قانون القومية لم يسن. القانون الاساس الذي يقرر ان اسرائيل هي دولة الشعب اليهودي، كان ينبغي أن يسن فور قيام الدولة، غير أنه في حينه كان امرا مسلما به لدرجة أن احدا لم يرَ حاجة لسنه، مثلما ليس ثمة حاجة لقانون يقضي بان الاوراق خضراء والسماء زرقاء. وثيقة الاستقلال تبدأ بكلمات ‘في بلاد اسرائيل قام الشعب اليهودي’. هذان الامران، بلاد اسرائيل والشعب اليهودي، هما العمودان اللذان تقف عليهما الدولة. الشعب اليهودي وبلاد اسرائيل، تقول الوثيقة الاساس للدولة هما العريس والعروس اللذان على شرف زواجهما اجتمعنا هنا وبدونهما لا معنى لكل الامر. الى جانب ذلك كتب في ذات الوثيقة ان الدولة ستضمن لكل مواطنيها مساواة كاملة وكامل الحرية والحقوق من دون أي تمييز. احد لم يجعل الامر صعبا ولم يفاجأ، إذ حقا لا يوجد اي تضارب بين المساواة الكاملة من دون تمييز وبين الدولة القومية. اسرائيل هي ايضا دولة الشعب اليهودي ودولة كل مواطنيها في نفس الوقت. لا تضارب بين هذين التعريفين لان كل واحد منهما يعمل في العلاقات بين الدولة والمواطنين، والاخر في العلاقات بين الدولة والشعوب، ولكن مع السنين تشوشت المفاهيم. فقد تبنى بعض الليبراليين الاسرائيليين الرواية الفلسطينية بصفتها الحقيقة التاريخية الموضوعية، والديمقراطية كذخر خاص لهم. وحسب المبادئ الليبرالية الجديدة فان كل شيء لا يعجب الفلسطينيين ليس ليبراليا، وكل فكرة ليست ليبرالية متطرفة هي غير ديمقراطية. بقدر ما تكون هذه المناورة مكشوفة ومتحققة، فان لها مع ذلك تأثيرا كبيرا على المحكمة وعلى وسائل الاعلام. في هذا الوضع تكون الحاجة الى سن قانون القومية حيوية أكثر فأكثر. اسرائيل تطالب الفلسطينيين بان يعترفوا بها كدولة الشعب اليهودي، فلا يحتمل الا تفعل هي نفسها ذلك.
‘
معاريف 4/9/2013