منذ كانت أحداث الربيع العربي في مصر في نيسان/ابريل 2011 كانت السفارة المصرية في تل ابيب ترفض اصدار تأشيرات دخول لصحافيين يحملون جوازا اسرائيليا. وقد جاء الأمر من مقر المخابرات في القاهرة، وكان التعليل أمنيا، وهو الخشية من غضب الجمهور اذا عرفوا ان الصحافي أو الصحافية اسرائيليان، ولم تساعد التوسلات ولم تساعد التهديدات، وبقي الرفض على حاله. وعلى حسب ما حدث في مصر منذ ذلك الحين من الممكن جدا ان الرفض كان محقاً. لكن خيبة الأمل باقية فالثورة تحدث على مبعدة ساعة طيران في أهم دولة في العالم العربي، وفي ميدان قسته طولا وعرضا في النهار والليل عشرات المرات، وانت ترى البلد من بعيد ولا تستطيع الوصول اليه. إن أحداثا من هذا القبيل تحث اسرائيليين كثيرين على الشعور بالتميز، فهم يرون في التلفاز الجمهور المتحمس والاحتشادات العنيفة بالقرب من مواقع الحكم، والدبابات وناقلات الجنود المدرعة في شوارع المدن، والجنرالات الذين تُثقل بزاتهم العسكرية أوسمة انتصارات غير موجودة، والتطرف الديني الى جانب التطرف القومي، يرون ويقولون: ما لنا ولهم، وكما قال ايهود باراك في مقولته القديمة: نحن دارة وهم غابة؛ سنبني سورا حول البيت ونغلق النوافذ ونُشغل مكيف الهواء ونتخيل أننا في الدول الاسكندنافية. هذا خطأ لأن مصيرنا متعلق بمصيرهم، شئنا أم أبينا. كان متعلقا به حينما كانت مصر عدو اسرائيل الاول، وكان متعلقا به حينما كان السلام ساخنا، وكان متعلقا به حينما أصبح باردا ومعاديا. إن الجماهير في شوارع القاهرة من الطرفين تتفق على شيء واحد وهو كراهيتها لاسرائيل. ونشك في أنه توجد دولة عربية يكره فيها الشارع اسرائيل أكثر من الشارع المصري، وهذه طريقة جماهير مصر ليعوضوا خيبتهم من اتفاق سلام لا يريدونه. إن الكراهية كبيرة لكن اتفاق السلام أقوى منها. وتبين هذا الامر بوضوح في السنة التي كان فيها الاخوان المسلمون في الحكم، فقد أبغضوا الاتفاقات وأقاموها. إن الشعور الحميم الذي كان في ايام مبارك مضى ولم يعد، لكن التنسيق بين جهازي الأمن في الدولتين استمر كما كان، بل انه قوي كما تزعم جهات امنية في اسرائيل. إن مصر عامل استقرار وعامل اعتدال في المنطقة، ولاسرائيل مصلحة مباشرة في نجاحها. لم تكن مصر قط ديمقراطية. فقد جربت نماذج مختلفة من الحكم ملكية برعاية اجانب، وجماعة ضباط وزعيما فردا قوي الحضور، ونظاما نصف عسكري ونصف حزبي. إن الديمقراطية لا يُفحص عنها بقانونها المكتوب وبحق الانتخاب، لأن أشد النظم الاستبدادية ظلاما قد وضعت صناديق اقتراع وأجازت دساتير مجيدة. إن الديمقراطية يُفحص عنها باحترام قواعد اللعب. فالأكثرية تحكم لكنها تعترف بحدود قوتها ويُسمع صوت الأقلية؛ والسلطة تغضب على المحاكم لكنها تحترم أحكامها؛ ورؤساء الحكم يكرهون أن يُستبدلوا لكنهم يحذرون من التمرد على قضاء صناديق الاقتراع؛ فهم يفترضون أن تكون لهم فرصة للعودة؛ والتغييرات التي تأتي بها كل حكومة موزونة تخضع لحدود القانون؛ وقادة الجيش يشاركون مشاركة عميقة في اتخاذ القرارات لكنهم يخضعون للسلطة والشارع يحتج ويتظاهر ويغضب لكنه لا يتمرد. إن احترام قواعد اللعب هو الحمل الديمقراطي الذي أورثنا آباؤنا إياه من دهاليز المؤتمرات الصهيونية واجتماعات الكيبوتس وجلسات مركز الحزب ومقصف الكنيست. وتمت في الولاية السابقة عدة محاولات للتشويش على ذلك ومن حسن الحظ أنها ذوت في مهدها. ولم يكن لمصر حظ كهذا، فلا يوجد تراث ديمقراطي راسخ ولا قواعد لعب واضحة ولا أطر متفق عليها، فالغالب يريد ان يأخذ كل شيء. ولم تضق النفوس بنظام مبارك لأنه قمع الديمقراطية، بل لأنه كان فاسدا عفنا وتمتع بالنمو السريع قليلون. وأحبطت زيادة الولادة كل محاولة لاخراج المجتمع من دائرة الفقر. إن حكومة الاخوان المسلمين كحكومة مبارك أخذت أكثر مما أعطت. فقد فعلت 85 سنة جوع للحكم فعلها. وتميزت سنة مرسي بمحاولة فظة ومتعجلة لاقصاء مراكز القوة المنافسة وفي مقدمتها جهاز القضاء والجيش، وبفشل مطلق في علاج الاقتصاد. فقد جاء الرجل الى الرئاسة من السجن مباشرة، فلم يتمتع كما يبدو بالتجربة السياسية المطلوبة، وبالصبر الطويل وبفهم الشارع. إن ربيع القاهرة رفع سقف التوقعات الى أعلى مستوى ولم يكن مرسي يستطيع الوفاء بالتوقعات منه، بل ربما لم يحاول. إن الثورة الثانية هذا الاسبوع تعيد مصر الى نقطة البداية في واقع اقتصادي أصعب وتعيد الأمل ايضا. يتعلق الكثير بقدرة قادة الجيش والساسة على التعلم من أخطاء النظام السابق. والكلمتان المفتاحان هما الاستقرار وضبط الامور. فالاستقرار سيعيد السياح والمستثمرين. وضبط الامور سيُمكن من نشوء قيادة قوية لها تأييد عام ويرسل الجماهير في الميادين الى البيوت. إن حكم الاخوان المسلمين في الأمد البعيد سيئ لاسرائيل، فمعناه تجميد العلاقات في أحسن الحالات ومواجهة عسكرية في اسوئها. أما الحكم العلماني، سواء أكان مدنيا أم نصف عسكري فيترك الخيارات مفتوحة. حينما سقط مبارك نبذه فؤاد بن اليعيزر، لكنني لا أعرف اسرائيليا واحدا سينبذ محمد مرسي.