صوت نتنياهو عباس

حجم الخط
1

يوجد امكان آخر للخروج من الازمة الحالية. تخيلوا اختراق البث. يسكت فجأة الخبراء ذوو ربطات العنق الذين يبحثون في الخيارات العسكرية، ويسكت ايضا خبراء الاعلام الذين يبحثون في النقاش، والمتحدثون ذوو الاختصاص ومُهيجو النفوس وساكبو الزيت على المواقد. وفجأة تنقسم الشاشة الى قسمين. فيظهر في قسم رئيس وزراء اسرائيل في الكرياه في تل ابيب وهو يستعد ليخطب، وفي الثاني رئيس السلطة الفلسطينية في مكتبه في رام الله. وتتم خطبتاهما على التوازي وينقلهما المحللون والمترجمون ببث حي.
«هذا وقت عصيب علينا جميعا»، يبدأ نتنياهو؛ «إن قلب الأمة كلها مع الفتيان الثلاثة الذين اختطفوا ومع أبناء عائلاتهم». وبازائه عباس يقول: «تهدر المدافع مرة اخرى وتعمل قوات الاحتلال مرة اخرى في مدننا وقرانا وتداهم البيوت وتتعرض للسكان». ويتابع نتنياهو الكلام فيقول: «لن نتخلى؛ إنها مواجهة على وجودنا». ويقول أبو مازن على أثره: «لن نترك الكفاح الى أن نحظى باستقلالنا».
وآنذاك يحدث شيء مفاجيء فيتحد الصوتان بالعربية والعبرية ويقول الصوت الموحد: «لن نتخلى لكننا سنعترف بأنه يوجد حد. حد يجعلنا انسانيين، وحد يميزنا نحن خاصة، نحن زعيمي أمتين فخورتين قديمتين، من البرابرة والجزارين حولنا». ويسعل نتنياهو، ويتنفس أبو مازن.
«ربما تمر حقب الى أن نبلغ الى تسوية مع جيراننا»، يتابع الزعيمان كلامهما، «وربما تستمر العمليات العدائية على جباية ضحايا سنين كثيرة بعد. لكننا سنضع حدا لمصلحتنا نحن لا لمصلحة الطرف الثاني. والحد يمر بالاولاد». ويسدد أبو مازن نظره الى عدسة التصوير ويقول: «لا يقترب استقلالنا حتى اقترابا قليلا حينما نغطي رؤوس فتية صغار بأكياس ونسدد بنادق الكلاشينكوف اليهم. إن بكاء فتى ينادي أمه من زنزانة مظلمة، والكوابيس الليلية وخوف الآباء العاجزين لا تفيد الشعب الفلسطيني بشيء».
ويقول نتنياهو بازائه بلغة قاطعة: «إن الاولاد الذين تُغطى أعينهم بلباسهم الداخلي وتُقيد أيديهم لا يزيدون أمن الأمة بملليمتر واحد، ولا تسهم في قوة ردعنا أية بندقية إم16 قصيرة مسددة الى الجسم الصغير لمعتقل أمني في الـ 15 من عمره في الطريق الى سجن».
ويزيد عباس فيقول: «نحن نتذكر الايام التي كان أولادنا صغارا فيها. فأنا أتذكر مازن وياسر وطارق حينما كانوا اطفالا واولادا وأحداثا، وأنا أتذكر الخشية والخوف والقلق من أن يصيبوهم ومن أن يُحشروا هم ايضا في دائرة الدم». ويزيد نتنياهو فيقول: «وكان يئير وأفنير ايضا الى وقت قريب تحت كنفنا تماما، وهما مثل كل ولد آخر يستحقان الحماية والملاذ من قسوة حيِّنا حتى سن الـ 18 على الأقل».
ثم ينتقل نتنياهو الى سبيل عملي فيقول: «لهذا وجهت قوات الامن الى الافراج عن كل المعتقلين والسجناء الفلسطينيين الذين لم يُتموا الـ 18 من اعمارهم، الذين تحتجزهم دولة اسرائيل. ولست أفعل ذلك باعتباره خطوة في التفاوض ولست أريد شيئا عوض ذلك، وقد نقلت هذا التوجيه الى قوات الأمن لأننا نرى أنفسنا المسؤولين الأعلين عن منعتنا الاخلاقية واستقامتنا السياسية وصنع العدل التاريخي الذي نطلبه».
ويقول أبو مازن في مقابله: «لهذا اتصلت بمن يجب أن أتصل به، وطلبت بقوة اطلاق سراح الفتيان الاسرائيليين الثلاثة الذين خطفوا في الاسبوع الماضي، ولم أفعل ذلك عن بواعث تكتيكية، ولم أطلب عوضا من الاسرائيليين ولن أستعمل المخطوفين باعتبارهم أوراق مساومة. انتخبني أبناء شعبي كي أقودهم باعتبارهم شعبا عضوا في أسرة الشعوب. ولست أزعر في الحي، ولست عبدا ذليلا لمنظمات جريمة منظمة وعصابات عبادة الموت. وأنا أرفض أن أجعل شعبي مُقرب قرابين من الاولاد».
ويسعى نتنياهو الى النهاية فيقول: «يعلم الله مبلغ ضبطي لنفسي، كنت استطيع أن أقول إنه لا يوجد ولن يوجد تكافؤ بين عمل عسكري وارهابيين لا حدود لهم. وكنت استطيع أن أقول إن صواريخ القسام لا تفرق بين الكبار والاولاد، وكنت استطيع أن أتكلم على عصابات المنتحرين الذين لم يشمئزوا من قتل الاطفال والصغار، وعلى القنبلة الذرية الايرانية التي ما زالت تُبنى أمام أعين العالم لابادتنا مع اطفالنا واولادنا كذلك الطاغية الذي كان في الاربعينيات».
ويقول أبو مازن: «يشهد الله عليّ كم أحتاج الآن الى قوة النفس كي لا أتحدث عن القنابل الذكية التي تنجح برغم ذكائها في ذبح أبناء شعبنا منذ سنين، وكم من صبط النفس أحتاج اليه كي لا أذكر في هذا الوقت الحصارات والأسوار، والاعتقالات والتطويقات، واطلاق النار الذي لا تفرقة فيه، والتعذيب في التحقيق وشباب التلال».
هذا وقت عصيب حقا لكن ما زال من الممكن اختيار طريق جديد للخروج من الازمة. يستطيع أبو مازن ونتنياهو أن يقول كل واحد منهما في نفسه ولأبناء شعبه وللعالم كله ايضا: «الحق معنا». لكنهما يستطيعان أن يضيفا ايضا اذا شاءا: «لن نتخلى عن عدلنا وسنستمر على ادعاء كل ادعاءاتنا غدا. لكننا سنضع حدا اليوم لأننا لسنا اسرائيليين وفلسطينيين فقط بل نحن آباء وأمهات وإخوة وأخوات وأجداد وجدات. ولا يجب على أحد منا أن يتخلى عن ادعاءاته وعن عدالة نهجه للافراج عن الفتيان، كل الفتيان، واعادتهم الى بيوتهم. سنتفق على ذلك اليوم ونواصل صراعنا في الغد».

هآرتس 18/6/2014

دافيد ستابرو

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول د. حسين السلع - فيلدلفيا:

    هل أنا أحلم أم أن الشعب الاسرائيلي تغير؟
    هذا مقتطف مما جاء في مقال ديفيد ستابرو العظيم:
    هذا وقت عصيب حقا لكن ما زال من الممكن اختيار طريق جديد للخروج من الازمة. يستطيع أبو مازن ونتنياهو أن يقول كل واحد منهما في نفسه ولأبناء شعبه وللعالم كله ايضا: «الحق معنا».
    لكنهما يستطيعان أن يضيفا ايضا اذا شاءا: «لن نتخلى عن عدلنا وسنستمر على ادعاء كل ادعاءاتنا غدا. لكننا سنضع حدا اليوم لأننا لسنا اسرائيليين وفلسطينيين فقط بل نحن آباء وأمهات وإخوة وأخوات وأجداد وجدات. ولا يجب على أحد منا أن يتخلى عن ادعاءاته وعن عدالة نهجه للافراج عن الفتيان، كل الفتيان، واعادتهم الى بيوتهم. سنتفق على ذلك اليوم ونواصل صراعنا في الغد».

    فهل استيقظ الانسان الاسرائيلي يا ناس؟ كله بسبب ثلاث شبان اختطفوا أو يقال بأنهم اختطفوا، فما بال ال 5000 مختطف من الفلسطينيين؟ أو قل 11000 سجين من كل الاعمار والاجناس وبكل التهم التي في الدنيا؟
    دعونا نعود لعقلنا يا بني البشر من اسرائيليين وفلسطينيين وقول كلمة حق: كفى ما قتلتم منا وما قتل منكم، كفى معاناة ونريد أن نعيش بسلام واخلصوا من النتن وشلته العنصريه وسنخلص من عباس وبعدها يمكننا العيش بسلام معا في ارض تدر السمن والعسل…

إشترك في قائمتنا البريدية