بعد انقضاء ثلث المدة التي خُصصت للتفاوض الاسرائيلي الفلسطيني، يتبين أن قصر المدة ليس هو السبب الذي سيمنع التوصل الى تسوية سلمية كاملة الآن بل المسافة الكبيرة بين الطرفين والصعوبات السياسية التي تواجههما. لقد عرض الفلسطينيون مواقفهم من جميع الموضوعات في برنامج العمل، لكن اسرائيل لم تفعل ذلك لأن الحديث عن مواقف لن يكون لها تأييد في العالم (معارضة تقسيم شرقي القدس، ومعارضة كل مصالحة ولو رمزية في شأن اللاجئين الفلسطينيين في 1948، ومعارضة وضع قوة متعددة الجنسيات في الدولة الفلسطينية ورسم الحدود على خط بعيد عن الخط الاخضر). وهذا الوضع لن يُمكّن الامريكيين من تقديم اقتراحات جديدة تقرب بين وجهات النظر لأن ذلك يجب أن يكون بين موقفين معروفين ولا يُعرف هنا سوى موقف الجانب الفلسطيني. من الصعب جدا سياسياً أن نرى كيف سيحظى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بأكثرية في ائتلافه الحكومي لدعم تسوية دائمة: فإلى جانب تأييد محتمل لهذه الخطوة، قد يعارض الليكود – بيتنا أي اتفاق دائم معارضة شاملة حينما تقبل اسرائيل بيتنا أمر افيغدور ليبرمان وتصوت معارضة. كذلك سيكون هناك أقلية من أعضاء الكنيست في الليكود يقتنعون بأن الاتفاق أفضل من الوضع القائم. وسيعارض البيت اليهودي بشدة ويمكن أن يحل محله في هذا الوضع حزب العمل، لكن هناك شك في أن يكون نتنياهو مستعدا لأن يرأس ائتلافا حكوميا حمائميا منفصلا عن أكثر اعضائه في الكنيست. وفي الجانب الفلسطيني يتمتع أبو مازن الآن بتفوق نتيجة لتراجع حماس الكبير، لكنه لا يستطيع حتى اللحظة دعوتها الى طاولة التفاوض وهو يعلم أنها لن تؤيد أي اتفاق يوقع عليه مع رام الله. وأي اتفاق من هذا النوع يمكن أن يُنفذ في مناطق السلطة في انتظار أي تغييريقع في قطاع غزة هذا اذا ما وقع. في صباح يوم الثلاثاء فاجأتنا الاخبار في ‘صوت اسرائيل’ بنبأ يتحدث عن تغيير طرأ عند أبو مازن وأنه مستعد لامكانية تسوية جزئية. وحتى لو أنكرت مصادر فلسطينية هذا النبأ فانه يعبر عن تقدير واقعي لدى الجانب الفلسطيني الذي يرى أن أي تسوية مؤقتة تضمن انشاء الدولة الفلسطينية في حدود غير واضحة أفضل من فشل التفاوض وتأجيل الاستقلال الفلسطيني الى أجل غير مسمى. لكن الموقف الفلسطيني الرسمي يدعو الى اتفاق دائم الآن، يمكن التصالح على تنفيذه، ويمكن أن يطول هذا التنفيذ بضع سنين. وقد قال الرئيس الفلسطيني لي بصراحة إنه اذا تم الاتفاق على مباديء للتسوية الدائمة وعلى جدول زمني لتنفيذها فسيوافق على تسوية تدريجية تمهيدا لتنفيذ التسوية الدائمة. والذي لا يستطيع أن يوافق عليه هو اتفاق مرحلي طويل كما يقترح ليبرمان، القصد منه تحويل التسوية المؤقتة الى تسوية دائمة. الى الآن تحدثت جميع الأطراف المشاركة في التفاوض عن خيار واحد فقط وهو اتفاق سلام كامل في غضون تسعة أشهر. ويتضح الآن مبلغ ادعاء هذه الفكرة الفارغة في الظروف السياسية الحالية ومبلغ كون التسوية التدريجية أكثر عملية. حكومة نتنياهو ليست متحمسة لتحديد جدول زمني لتسوية كاملة، لكنها تستطيع في تقديري أن تُصالح وأن توافق على أجل مسمى. وسيصعب عليها أكثر في مقابل ذلك أن توافق على سلسلة مباديء مركزية تتناول بطبيعة الامر موضوعي القدس واللاجئين. يمكن حل هذه المشكلة بأن يقترح طرف ثالث أي الامريكيون مباديء اتفاق سلام و’يُسجل’ الطرفان الاسرائيلي والفلسطيني أمامهم المواقف الامريكية دون أن يتبنياها. وأُقدر أن نتنياهو يستطيع أن يتعايش مع ذلك لكن عباس رفض الى الآن هذا الحل وأصر على أن يتم الاتفاق على المبادىء الأساسية مع اسرائيل. وليس التغيير الذي طرأ اذا طرأ عند أبو مازن هو في حقيقة الاستعداد للتوصل الى تسوية جزئية وانشاء دولة فلسطينية فورا، مع حدود مؤقتة، بل في استعداده لأن تقترح الولايات المتحدة المباديء، وهذا هو مفتاح التسوية المرحلية. سيكون من الصواب تخصيص نصف السنة القادم لموضوعين رئيسين، الاول تفاوض جدي وكثيف بين اسرائيل والفلسطينيين بمساعدة خبراء بالخرائط من الطرفين، لتحديد حدود الدولة الفلسطينية التي ستنشأ الآن. ومن المنطق أن نفرض أن الحديث سيكون عن دولة مساحتها نحو من 60 بالمئة من الضفة الغربية. وسيكون هذا التفاوض مصحوبا بمحادثات في الترتيبات الامنية، وهي محادثات لن تكون مقرونة كما يبدو باختلافات في الرأي لا يمكن التغلب عليها. والموضوع الثاني وسيلقى في الأساس على مارتن اينديك هو صوغ مباديء التسوية الدائمة. وحتى لو كان ذلك اقتراحا امريكيا فلا شك في ضرورة اجراء تفاوض خلف الستار مع الطرفين كي يستطيعا معايشة هذه الوثيقة الجديدة وألا يغلقا الباب. وسيكون ذلك تحديا غير سهلا للامريكيين، لكن لما كان الحديث عن جسر كلمات لا عن حاجة الى اتخاذ قرارات حاسمة ذات تأثيرات عملية على الارض (وضع القدس أو تعويض اللاجئين)، فإنه من الممكن التغلب على هذه العقبة بواسطة القدماء في المسيرة السياسية. يمكن على سبيل المثال أن يحدد مبدئيا أورشليم عاصمة وتكون القدس عاصمة فلسطين دون التطرق الى التقسيم والحدود. وسيكون من الممكن الحديث عن موضوع اللاجئين والتطرق الى تعويضات مالية يقدمها صندوق دولي تشارك فيه اسرائيل مع تمكين اللاجئين (ولا سيما اولئك الذين فروا في المدة الاخيرة من سوريا وكل من توافق الدولة الفلسطينية الجديدة على قبوله) أن يتم استيعابهم في فلسطين. أما في شأن الحدود الدائمة بين الدولتين فيمكن التطرق الى أن تكون حدود وقف اطلاق النار القديمة بين اسرائيل والاردن هي خط تحديد الحدود الجديدة دون تقديس لخطوط 1949. الأفضلية هي للتسوية الدائمة. وحتى لو لم يمكن تحقيقها الآن بشكل كامل فان ذلك هو الامر الصحيح الواجب تحقيقه، ولما كان من الصعب جدا أن يخطر بالبال، في هذه الظروف السياسية، يمكن الوصول إلى اتفاق كهذا فانه يُفضل الانتهاء الى اتفاق تدريجي يفضي الى اتفاق دائم بعد بضع سنين. والنبأ الذي صدر عن رام الله هذا الاسبوع قد يدفع بهذا الخيار الى الأمام.