ضد العنصرية!

حجم الخط
20

البرامج التلفزيونية التي تطرح قضايا إنسانية عالمية غاية في الأهمية نادرة، وهي برامج بعيدة عن الترفيه لأنها تنبش أعماق الإنسان وما يدور فيها بلا أقنعة. وقد شاهدت على القناة الثانية الفرنسية برنامجاً حول العنصرية ضد أصحاب البشرة السوداء، واسم البرنامج «السود في فرنسا»، والمقصود «سود البشرة»، ولأنني أكتب عن ذلك البرنامج المتلفز وتفرعاته سأدعو سود البشرة باسم السود كما جاء في البرنامج.

بين الدمية البيضاء والسوداء

بدأ البرنامج بتجربة علمية، حيث أحضروا بنتاً صغيرة سوداء وطلبوا منها اختيار دمية: واحدة بيضاء والأخرى سوداء، ولكنها نسخة طبق الأصل عن الأخرى، فاختارت البيضاء؛ أي أننا نغرس الأفكار العنصرية في نفوس الأطفال منذ صغرهم، ويسمعوننا نتكلم حول (السود) كما يدعوهم البرنامج (وهو ما سأفعله لكنني طبعاً أفضل تسمية سود البشرة)، الصبي الأسود أيضاً اختار الدمية البيضاء والشوكولاتة البيضاء لا السوداء المألوفة.

إهانة المغني سوبرانو الأسود

يحاور البرنامج المغني الشهير سوبرانو، الذي كان أحد المحكمين في برنامج تلفزيوني يراه الملايين من الفرنسيين يدعى «الصوت الجميل» (ذي فويس)، كما أنه مشهور كمطرب، وروى في برنامج «السود في فرنسا» الذي أتحدث عنه، أنه كان مرة يستقل الطائرة في الدرجة الأولى ومعه مدير أعماله حين صرخ أحد المضيفين: قل لهم أن يجلسوا في مقاعدهم في الدرجة السياحية.
وهو يروي ذلك بمرارة في البرنامج؛ أي أن على (الأسود) أن يكون (مهماً) ومشهوراً لكي تتم معاملته على نحو إنساني!

العنصرية في العالم كله

المغني الشهير مايكل جاكسون مثال على الذين قاموا بردة فعل ضد التعامل معهم بفوقية ما من قبل البيض، وهو صاحب الشهرة العالمية، وبعدما اشتهر وصار ثرياً قام بعمليات لتبييض بشرته وتبديل شكل أنفه، بحيث يبدو أبيض البشرة منذ مولده، ومن طرفي كنت أفضله حين كان كما ولد: أسود البشرة، فأنا لست عنصرية، وضدها.
يحاور البرنامج أيضاً «يانيك نوا» أول بطل فرنسي في التنس، الذي جعل فرنسا تربح بطولة العالم.. ويقول إنه من ضحايا سود البشرة لو لم يربح البطولة.

لأنني ضد العنصرية..

وتظل العنصرية في أمريكا مضرب الأمثال. ولذا، سررت حين صار أوباما رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية.. وكان السود قبل ذلك يعانون من التعامل الرديء معهم. وذكر زوجي على سبيل المثال، أنه لم يكن يحق للسود ركوب (الباص) مع البيض، بل كان لهم في المؤخرة مقصورة خاصة بهم، وحين كان طالباً جامعياً في الولايات المتحدة الأمريكية وصديقه الطالب الذي يقيم معه في شقتهما العراقي داكن البشرة، وحين يذهبان إلى الجامعة، يرغمون صديقه العراقي على الركوب في قسم آخر من الباص خاص بالسود. لكن ذلك العراقي صار فيما بعد شخصية سياسية كبيرة في بلده، وزار الولايات المتحدة وتم استقباله رسمياً في المطار بعدما كان محروماً من ركوب (الباص) مع البيض.

وفاة أول أسود يفوز بالأوسكار

رحيل الممثل سيدني بواتيه، بطل أفلام أحببناها مثل «إلى أستاذي، مع حبي» ذكرنا بأن بعض (السود) استطاعوا أن يتجاوزوا حواجز العنصرية بموهبتهم. لكن المطلوب هو أن يكون لكل أسود حق الحياة كالأبيض من دون مواهب خاصة، ولن ينسى أحد مدى النقمة العالمية على الشرطي الأبيض الذي كان يعتقل جورج فلويد الأسود منذ عامين ووضع ركبته على عنقه ومات الرجل اختناقاً.. وخرجت تظاهرات شعارها.. حياة السود مهمة. ولكن جورج فلويد كان قد مات! وبقيت الشعارات.
على الأسود أن يكون متفوقاً ليحظى بالاحترام مثل كيليان مبابي (19 سنة) لاعب كرة القدم الفرنسي الاستثنائي في تسجيله للأهداف.
دام البرنامج التلفزيوني أكثر من ثلاث ساعات، وكان من تلك النادرة التي تطرح قضية غاية في الأهمية حول الإنسان الأسود والأبيض.

هل نحن، العرب، عنصريون؟

على الرغم من أن الدين الإسلامي الحنيف لا يميز بين الأسود والأبيض، لكننا للأسف، نمارس بعض العنصرية في حياتنا اليومية.
لي صديقة أحبت إفريقياً وكانا على وشك الزواج، واصطحبتهما إلى مقهى جميل لبناني يطل على البحر، وهنا قال صاحب المقهى زاعماً أنه يتحدث مع أحدهم: حبيبك أحبه ولو كان عبداً أسود!
والتصاق اسم العبودية بأهل البشرة السود قديم. وفي فيلم (فورست كامب الأمريكي) الفائز بجوائز سينمائية، نجد بطل الفيلم ساذجاً لكنه يحمل النقود لأرملة صديقه الأسود بوبا، وهي حصة زوجها المقتول في حرب فيتنام؛ أي أن من ليس عنصرياً مختل عقلياً!
لم أعتقد يوماً أن أصحاب البشرة السوداء أقل مشاعر إنسانية. ولطالما ضايقني وصف المرشحة لرئاسة الجمهورية الفرنسية كريستين كوبيرا، بأنها تشبه القردة، وأنا لست ضدها لشكلها الخارجي، لكنني أتوقف عند أفكارها السياسية وأخالفها.
ولن أنسى إحدى صديقاتي في باريس التي طلبت مني مرافقتها إلى بائع النظارات لشراء عدسات زرقاء اللون لاصقة تضعها في عينيها لتبدو بعيون زرقاء. ويذكرني ذلك برواية للفائزة (السوداء) بجائزة نوبل في الأدب توني موريسون، حول العيون الزرق.
وتهدف معظم البرامج التلفزيونية، لا في فرنسا وحدها بل في العالم كله، إلى تقديم برامج تسلي المتفرج، وهذا البرنامج الذي تحدثت عنه استثناء. وثمة فيلم فرنسي عن امرأة عنصرية ترفض توظيف السود، لكنها تستيقظ ذات يوم وقد تحولت بشرتها إلى سواد، وترفضها صديقاتها، وحين تعود بيضاء وتشفى من مرضها الغامض يتبدل موقفها من السود.
فالبشرة ليست أكثر من قشرة، أياً كان لونها.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول عمرو - سلطنة عمان:

    (التصاق اسم العبودية بأهل البشرة السود قديم ) ذلك صحيح لكن العبودية مورست على الجميع وسادة قوم اسرو وبيعو في سوق النخاسة ونجد العبودية في قصة سيدنا يوسف عليه السلام عندما بيع كعبد لعزيز مصر ومن الصحابة صهيب الرومي الذي ينتمي لقبائل ربيعة في العراق والذي سبي من الروم صغيرا وبيع كعبد واشتراه احد أهالي مكة وفي الدول الإسلامية الأموية بالعباسية كان هناك عبيد شركس وارمن واتراك وهناك عصر كامل في مصر اسمه المماليك ولم يكونوا سود وحكمت مصر شجر الدر الجارية من أصول أرمنية ..
    ..
    في الفن أتذكر لقاء مع الممثل المصري أحمد زكي الذي رفضه في بدايته منتج فيلم الكرنك لانه اسود البشرة وقال سعاد حسني تحب الأسود ده؟ واستبدله بنور الشريف.. لكن الموهبة كانت أهم من الشكل وأصبح زكي واحد من أهم الممثلين في تاريخ السينما العربية وفي الحقيقة أن ملامح أحمد زكي ولون بشرته وشعره أقرب للشكل المصري الأصلي ابن الريف والصعيد الذين تميل بشرتهم للسمرة الغامقة.

  2. يقول سوري جدا:

    العنصرية في الواقع لا تقتصر على اللون الأسود مقابل الأبيض، فلون الأحمر للهندي، أو الأصفر للآسيوي هي أيضا تتعرض للعنصرية. وحتى الجنسيات، هذه مشكلة اجتماعية بالدرجة الأولى تعتمد على تثقيف الأطفال بأن الانسان واحد مهما كان لونه، أو جنسيته. فأولادي مثلا تعرضوا للعنصرية فقط لأن أصولهم عربية، فلونهم كلون أي فرنسي. والواقع أن الفرنسيين كالأمريكيين مزيج من الأعراق والجنسيات، فهناك الأيطالي والإسباني والبولوني والروسي والعربي والإفريقي والآسيوي..أما الغالي ( الغولوا) أي الفرنسي الأصلي الذي يتغنى به الفرنسيون فلا وجود له. وللأسف أني عندما أسمع إريك زمور (اليهودي الجزائري الأصل) والمرشح للرئاسة يبث خطابا عنصريا ضد المسلمين ويعتبر أن الحضارة الأوربية لا تتوافق والحضارة العربية الإسلامية يحرض على العنصرية بشكل أو بآخر. فتصبح عنصرية ضد الأديان عبر شيطنة الإسلام وأنه منبع الإرهاب. مع أن الإسلام هو الدين الثاني في فرنسا ويمثل 10 بالمئة من السكان.
    ونحن العرب لا شك أن بيننا ما هو عنصري. وخاصة في مسألة الزواج.
    لك ولكل محبيك مني سلام

  3. يقول آمينة:

    تحية صباحية متوسطية من الضفة الجنوبية للمتوسط للأستاذة غادة وللجميع.. كنت قبل مدة في زيارة لإحدى بلدان الضفة الشمالية للمتوسط ولاحظت أن السود يعتبرونني من ذوي البشرة البيضاء، أما البيض فيعاملونني وبقليل من الحيرة من ذوي البشرة غير البيضاء, أما أنا فأحمد الله كثيرا لأني لا هذه ولا تلك

  4. يقول أسامة كلّيَّة سوريا/ألمانيا Ossama Kulliah:

    أسعد الله صباحكم بكل خير لك أختي غادة السمان وللجميع. لاشك سيدتي أن العنصرية والعبودية عموما هي من أسوأ ماعرفته البشرية عبر تاريخها الطويل للإرتقاء بالإنسان إلى مراتب سامية.
    والعجيب أن الدول أو المجتمعات التي تعتبر نفسها متقدة حضاريًا ليست أفضل بل ربما أسوأ من غيرها بما يخص العنصرية تجاه أصحاب البشرة السوداء أو غيرهم من الأقوام والأقليات. وكذلك نرى التعاون الوثيق بين العنصرية والقوى الإستعماربة على مدى التاريخ وفي الوقت الحاضر. وفي أمريكا ترامب وفي أوربا أو الشعبوية واليمين المتطرف وفي إسرائيل التي صنفتها منظمة أمنستي العالمية على أنها دولة فصل عنصري أبارتهايد.
    لقد لاحظت سيدتي أيضًا البرامج الإعلامية في أوربا عمومًا ارتفع صوتها ضد العنصرية خوفًا من أن يسيطر الشعبويون واليمين المتطرف على السلطة في أوربا, وهذا طبعًا جيد لكن الإعلام لايركز على العنصرية عمومًا بل فقط على العنصرية تجاه أصحاب البشرة السوداء لغاية في نفس يعقوب كما يقال. وحتى تقرير أمنستي الأخير لم أشاهد أو أقرأ في الإعلام الغربي عنه وكأنما هو شيء لايخص البشر عمومًا بل فقط الفلسطينيين مع أن قضية فلسطين هي قضية إنسانية بامتياز والدليل هو أن من أقوى المتضامنين معها دولة جنوب أفريقيا.
    مع خالص محبتي وتحياتي للجمبع.

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية