هكذا علق صديق في الفيسبوك ساخرا من الضربة الصاروخية، التي تبناها الحرس الثوري الإيراني، التي طالت مباني قرب القنصلية الأمريكية في أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق، لأن الأخبار الأولية التي غطت الضربة الصاروخية، اعتبرتها ردا على قتل إسرائيل ضابطين من الحرس الثوري الإيراني في ريف دمشق قبل أيام، ولأن أول سؤال تبادر إلى أذهاننا هو: لماذا لم ترد إيران بضرب مواقع في إسرائيل التي اعتدت عليها؟ فكان الجواب الساخر: الأقربون أولى بالصواريخ!
الضربة الصاروخية وتداعيات أخبارها عملية مثيرة، وتحليل معطياتها فيه لذة اكتشاف المخفي، ومحاولة فهم المستور من العلاقات المتشابكة، إذ ابتدأت القصة بعملية قصف إسرائيلي لأحد المواقع الإيرانية في ريف دمشق، وقد أعلن الحرس الثوري الإيراني يوم الثلاثاء 8 آذار/مارس الجاري في بيان على موقعه الإلكتروني «سباه نيوز» مقتل ضابطين كبيرين بقصف إسرائيلي استهدف مواقع قرب دمشق، هما العقيد إحسان كربلائي بور، والعقيد مرتضى سعيد نجاد. وحذر البيان من أن «الكيان الصهيوني سيدفع ثمن جريمته هذه».
العراق لا بواكي له، وهو أرض مفتوحة لتلقي ضربات من هب ودب دون رادع، والأقربون أولى بالصواريخ الإيرانية
بعد مرور أقل من أسبوع على الحادث، تفاجأ سكان أربيل، بهجوم بـ 12 صاروخا بالستيا على المدينة، وقد انصب الهجوم على محيط القنصلية الأمريكية في المدينة، وأصاب مباني مدنية وقناة تلفزيونية بأضرار كبيرة. وسرعان ما هللت أخبار القنوات التلفزيونية الولائية، ومنصات التواصل الاجتماعي القريبة من طهران للضربة، باعتبارها ردا إيرانيا على مقتل العقيدين الإيرانيين في سوريا، والترويج للضربة باعتبارها قد أصابت موقعا للموساد الإسرائيلي في أربيل. رد الفعل الحكومي العراقي في بغداد وأربيل كان مضحكا، إذ لم يجرؤ حتى على الإشارة إلى أنها ضربة صاروخية إيرانية، فقد أعلن جهاز مكافحة الإرهاب في إقليم كردستان العراق في بيان رسمي :»إن هجوماً بـ12 صاروخا باليستياً استهدف مدينة أربيل»، وأضاف البيان، «أن الصواريخ أطلقت من خارج حدود إقليم كردستان والعراق وتحديداً من جهة الشرق». ونشرت قناة «كردستان 24» التلفزيونية المحلية صوراً على حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي تظهر تعرض مقرّها القريب من القنصلية الأمريكية في أربيل، لأضرار نتيجة الهجمات، وأظهرت الصور زجاجا متكسرا وأجزاء منهارة من السقف. أما حكومة بغداد فسارعت إلى التصريح بأنها ستفتح تحقيقا في الأمر، رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي زار أربيل مع وفد أمني عالي المستوى، والتقى رئيس الإقليم نيجرفان بارزاني، وأشار إلى أن «الاعتداء الذي استهدف مدينة أربيل العزيزة وروّع سكانها هو تعدٍ على أمن شعبنا». وأضاف «ستقوم قواتنا الأمنية بالتحقيق في هذا الهجوم». وقال: «لا نريد أن تصبح الأراضي العراقية ساحة معركة لصراعات البلدان وخلافاتها». وفي وقت لاحق استدعت وزارة الخارجية العراقية السفير الإيراني في بغداد إيرج مسجدي، وسلمته مذكرة احتجاج على خلفية الهجوم الصاروخي الذي استهدف القنصلية الأمريكية في أربيل. الحكومة الإيرانية لم تصرح مباشرة، أو تعلن مسؤولية الحرس الثوري عن الضربة، وربما تفاجأت بما حصل، وللخارجية الإيرانية سوابق قريبة مماثلة، ونحن نتذكر ضربة الطائرة الأوكرانية عام 2020 بصاروخ أطلقه الحرس الثوري وأحرج الخارجية الإيرانية بتأخرهم إعلان مسؤوليتهم عن الحادث. الأمر هنا قريب مما حصل في حادثة الطائرة الأوكرانية، كما إننا نتذكر جيدا تسريبات وزير الخارجية الإيراني الاسبق محمد جواد ظريف وحديثه عن التوتر بين الخارجية الايرانية والحرس الثوري، وتحديدا فيلق القدس المسؤول عن العمليات الخارجية، وصراع الطرفين على الملف النووي، إذ سعى الحرس الثوري إلى إفشال الاتفاق النووي عدة مرات حتى تم التوقيع على الاتفاق عام 2015. واليوم يشير المراقبون إلى أن الضربة الصاروخية التي وجهها الحرس الثوري الإيراني، ربما تقف خلفها دوافع من الحرس الثوري، تريد عرقلة التقدم الحاصل في مفاوضات فيينا، التي أوشكت على إنجاز العودة للاتفاق النووي.
لكن البعض قرأ الأمر من زاوية عراقية بحتة، واعتبر الأمر ضغطا من الحرس الثوري على صناع العملية السياسية في العراق، بعد الانسداد الحاصل نتيجة تمسك قوى الاتفاق الثلاثي (الصدر، البارزاني، الخنجر) بتشكيل حكومة أغلبية، وسيتم استبعاد «قوى الإطار» المقربة من طهران منها. لذلك تم إرسال رسائل إيرانية لمسعود بارزاني للضغط على مقتدى الصدر لإشراك الفرقاء الشيعة في الأمر، فكيف تم هذا الضغط؟ تم بضرب مقر أحد أهم رجال الأعمال الكرد في قطاع الغاز والبترول وهو رجل مقرب من العائلة البارزانية. إذ تداولت منصات التواصل الاجتماعي صورا لمبنى مهدم، وصفته الجهات الإيرانية، والأحزاب والحركات القريبة منها على أنه مركز قيادة إسرائيلي استراتيجي في مدينة أربيل، وقد بالغ البعض بإطلاق وصف (مقر السفارة الإسرائيلية في أربيل)، بينما أوضحت الجهات الكردية الرسمية، إن المبنى الذي طاله الدمار هو منزل الشيخ باز كريم البرزنجي مالك شركة «كار غروب» النفطية التي تسيطر على ملف الطاقة في أربيل ودهوك، وتعتبر الذراع الاقتصادي للحزب الديمقراطي الكردستاني وعائلة البارزاني ، كما إن شقيق باز يسيطر على قطاعي الكهرباء والإسمنت في الإقليم.
العلاقات الكردية الإسرائيلية، ونفوذ جهاز الموساد في كردستان العراق أمر معروف، ومرّ بفترات انتعاش إبان اندلاع التمرد الكردي الذي قاده الملا مصطفى البارزاني، ضد حكومات بغداد المتلاحقة في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، وقد تناول هذا الأمر بشكل تفصيلي الكاتب الإسرائيلي شلومو نكديمون في كتابه «الموساد في العراق ودول الجوار.. انهيار الآمال الكردية والإسرائيلية». كما إن اسرائيل كانت من الدول القليلة التي ساندت مشروع انفصال كردستان عن العراق على خلفية استفتاء الانفصال عام 2017، لكن كل هذا لا يمكن الاعتماد عليه كأدلة على وجود نشاط للموساد في كردستان، في الوقت الحاضر. الحرس الثوري الايراني، أراد الخروج من مأزق كون الضربة الصاروخية جاءت ردا على مقتل ضابطي الحرس الثوري في سوريا، فأعلن سيناريو جديدا للحادث، إذ صرح متحدث رسمي إيراني بالقول: «قامت إحدى المسيرات التابعة للكيان الصهيوني بقصف مقر في محافظة كرمنشاه، وقد جمعنا المعلومات والرسم البياني وحددنا موقع انطلاق المسيرة وقيادتها، وتبين أنه في أربيل شمال العراق. أبلغنا حكومة بغداد وكردستان منذ 10 أيام، ولم يتخذوا أي إجراءات، لذلك قرر الحرس الثوري قصفه بعدد من الصواريخ الباليستية، وأدى القصف لإيقاف المبنى عن العمل ومقتل ثلاثة من الضباط بينهم امرأة، إضافة إلى سبعة جرحى، اربعة منهم في حالة خطرة. ونحذر من عدم إغلاق حكومة بغداد وكردستان مقرات الموساد الاسرائيلي في شمال العراق، لأننا لن نتهاون في حماية أمننا القومي». وتجرأ بعض الصحافيين المحسوبين على جهات ولائية على نشر قائمة (مضحكة) بأسماء جنرلات من الموساد تم قتلهم في العملية، وعند هذه النقطة تلقف بعض الساخرين المبادرة، وقاموا بفبركة ونشر خبر مفاده إن الجنرال (هانيرمزي) من الموساد الاسرائيلي قد قتل في الضربة الصاروخية التي طالت مقر الموساد في أربيل. الفضيحة أن الخبر ارفق بصورة للفنان المصري هاني رمزي بالزي العسكري في لقطة من الفيلم المصري الكوميدي (أبو العربي). فما كان من محللين سياسيين ولائيين في قناة «النجباء» الولائية أن زفوا خبر الانتصار ومقتل الجنرال الإسرائيلي الوهمي، ليتحول الأمر إلى قنبلة سخرية تفجرت في منصات التواصل الاجتماعي العراقية، وأصبح الخبر «تريند» على منصات التواصل الاجتماعي، نتيجة كم السخرية التي طالت المحلل الاستراتيجي وقناته التي سارعت لحذف الخبر بعد الفضيحة.
من تداعيات أزمة قصف إيران لأربيل بالصواريخ موجة الاستنكارات التي انطلقت مباشرة ردا على ما حصل، وبصيغ غاية في البساطة والوضوح مفادها: إذا كان الامر فعلا كما يصفه المهللون، ردا على الضربة الاسرائيلية، فلماذا يتم في العراق؟ لماذا لم ترد إيران في الداخل الإسرائيلي؟ أو على الأقل في الجولان المحتل؟ لماذا لم تضرب إيران السفارات أو الملحقيات الدبلوماسية الإسرائيلية المنتشرة في العواصم الخليجية وهي على مرمى حجر من إيران؟ ليأتي الجواب، إن الحسابات الإيرانية دقيقة، وإن القيادة الإيرانية تحافظ على التوازنات، ولا تريد أن تنجر إلى حرب إقليمية مع إسرائيل. ومعنى هذا الكلام، إن العراق لا بواكي له، وأنه ارض مفتوحة لتلقي ضربات من هب ودب دون رادع، وإن الاقربون اولى بالصواريخ الايرانية.
كاتب عراقي
الصهيوني يقصف بسوريا ,
والصفوي يقصف بالعراق!
و لا حول و لا قوة الا بالله