القاهرة ـ «القدس العربي» : بينما كان الجسر الجوي الأمريكي المقام على مدار الساعة متواصلا بهدف دعم إسرائيل في خططها الرامية لإفناء الشعب الفلسطيني، وسط صمت عالمي، كان الرئيس الرئيس الأمريكي جو بايدن، يوجه رسالة إلى المجتمع الأمريكي بمناسبة الاحتفالات في الدول الغربية بعيد الميلاد المجيد. وقال بايدن عبر صفحته على منصة إكس: “عشية عيد الميلاد هذه، أمنيتي لك ولعائلتك أن تأخذ بضع لحظات من التأمل الهادئ، وتجد هذا السكون الذي يقع في قلب قصة عيد الميلاد”. وأضاف الرئيس الأمريكي موجها حديثه إلى المواطن الأمريكي: “نرجو أن تجد السلام في هذه الليلة الصامتة، والدفء من حولك”.
وقال الدكتور عبد المنعم سعيد رئيس المجلس الاستشاري للمركز المصري للدراسات الاستراتيجية، وعضو مجلس الشيوخ، إن الحرب الدائرة الآن لها أطراف متعددة داخل الساحة الفلسطينية والإسرائيلية، إلى جانب الأطراف الدولية، موضحا أن حرب غزة الحالية هي الحرب الخامسة. وأضاف عبد المنعم سعيد، خلال حواره مع الإعلامي إبراهيم عيسى، أن كل الحروب السابقة انتهت ما بين الأسبوع الرابع والأسبوع السادس، مؤكدا أن هذه الحرب لا بد أن يحدث فيها تبريد لحرارة الحرب، معقبا: “حروبنا لا تطول ولها نوع من الدور وتنتهي بعمل دبلوماسي وسياسي لتنفرج أو يخلق واقع جديد”. وأشار إلى أن ما تسعى إليه مصر الآن هو وقف إطلاق النار وإدخال أكبر كمية من وسائل الإغاثة، مؤكدا أن هذا هو العلاج المصري الحقيقي لعدم تهجير الفلسطينيين للحدود، موضحا أن الحديث عن سلطة واحدة في القطاع والضفة الغربية هو مكسب، وإعادة الوحدة للشعب الفلسطيني، وسيكون له وجه أمام العالم ويخلق مجالا ومساحة دبلوماسية للتواصل مع العالم.
وكشف اللواء سمير فرج المفكر الإستراتيجي، اللجوء لقرار عسكري في التعامل مع الحوثيين، والتطورات في البحر الأحمر. وقال خلال تصريحات متلفزة مع الإعلامي أحمد أبو طالب، إن هناك شبكة أقمار صناعية تسمى “قوات الفضاء الخارجي”، وأمريكا ترصد التحركات كافة، خاصة الصواريخ التي خرجت من إيران. وشدد على أن إيران في ظروف صعبة جدا وتخاف على مصالحها، وسيكون هناك ضغط كبير على إيران الفترة المقبلة، وسترضخ للضغوطات الدولية، وسيتم إيقاف أي تهديدات في البحر الأحمر، مضيفا: “توترات البحر الأحمر ستنتهي خلال أسبوعين بفضل القوة الأمريكية”.
وبالنسبة للقرار الذي أحدث صخبا واسعا وعده البعض توجهاً نحو السيناريو اللبناني، قال الدكتور فايز الضباعني رئيس مصلحة الضرائب المصرية، إن قرار وزير المالية بشأن تحصيل ضريبة القيمة المضافة بالعملة الأجنبية في حالة سداد قيمة السلعة، أو الخدمة بالعملة نفسها، يقتصر فقط على السلع والخدمات التي يُدفع ثمنها، أو مقابلها بالعملة الأجنبية للجهات المرخص لها، التعامل بمثل هذه الخدمات السياحية للأجانب، ويتم خصم قيمة الضريبة المسددة على المشتريات من قيمة الضريبة المحصلة بالعملة الأجنبية، ويتم احتساب سعر الصرف على سعر البنك الرسمي.
بلا خضة
لو فكر الرئيس الأمريكي جو بايدن لحظة واحدة في أولاده وأحفاده، وتخيل ولو لحظة، أن أبناءه، وأحفاده ينامون على صوت إطلاق القنابل، ويستيقظون على أصوات انهيار المنازل فوق رؤوسهم، أو حتى المنازل المجاورة لمنازلهم لكان من المؤكد، وفق ما توقع عبد المحسن سلامة في “الأهرام”، أن يعيد التفكير في مساندته ودعمه لإسرائيل في قتلها للأطفال الفلسطينيين. أحيانا تكون حال من يموت أرحم بكثير من حال المشردين، والمصابين، ومن فقدوا الأب والأم والإخوة، والأخطر من كل هؤلاء أن يجد الشخص نفسه محشورا بين الأنقاض ينازع الموت، ويتمناه، وأحيانا كثيرة يتأخر عنه الموت لحكمة لا يعلمها إلا الله. فكرت في كل هذا كأب وأنا أسمع الشاعر المصري أحمد حداد ابن الشاعر الكبير فؤاد حداد، صاحب أشهر «مسحراتي»، في برنامج «معكم» الذي تقدمه منى الشاذلي. شاهدت عددا كبيرا من فنانى مصر المحبوبين يرددون جملة «خلّي العيال تصحى بلا خضة» وسقطت الدموع من عينيّ، وأعين كل الحاضرين الذين كانوا يشاهدون معي تلك الحلقة، بعد اندماجهم مع أداء فناني مصر الرائعين، وتمنيت ولو للحظة تَرجمة تلك القصيدة الرائعة، وإرسالها إلى الرئيس الأمريكي، وأعضاء الكونغرس بشقيه (النواب والشيوخ)، ووزير الدفاع، وكل أعضاء الإدارة الأمريكية، باستثناء اليهودي المتعصب أنتوني بلينكن وزير الخارجية، لعلهم يشعرون بوخز الضمير، ويتعاطفون مع أطفال غزة الذين يتضورون جوعا، ويرتعدون خوفا، وينامون قلقا، ويستيقظون فزعا. أمس كان عيد الميلاد في بيت لحم، الذي انطفأت أنواره بفعل النازيين الجدد في إسرائيل، وعصابات قطاع الطرق المسماة بالجيش الإسرائيلي الذي لا يعرف للإنسانية طريقا، ولا يؤمن إلا بالقتل، وسفك الدماء، وتدمير المنازل، ومحاصرة المستشفيات، ومنع دخول الغذاء، والوقود. وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) أكدت في أحدث تقرير لها، أن الوضع في غزة تَقشعرُ له الأبدان، بينما قال تيدروس أدهانوم المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، «إن الآباء، والأمهات يجوعون حتى يتمكن أطفالهم من تناول الطعام». جريمة إنسانية بشعة لخصها الشاعر الرائع أحمد حداد في قصيدة «الخضة»، وتفاعل معها الفنانون المصريون، وهي القصيدة التي أتمنى ترجمتها، ونشْرها بكل لغات العالم، وأتمنى لو نجحنا في قيام فنانين عالميين – كما فعل فنانو مصر – بإلقاء هذه القصيدة لفضح السفاح الإسرائيلي والراعي الرسمي الأمريكي.
ذهبت لحال سبيلها
فى ظل الحرب العالمية الثالثة التي نشهدها في الألفية الثالثة غربا وشرقا شمالا وجنوبا، نجد وفق ما قالت الدكتورة عزة أحمد هيكل في “الوفد”، إن دور المنظمات الدولية التي ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية جميعها لم تعد لها أي فاعلية أو قيمة أو دور، إلا جمع الأموال وتوظيف المحظوظين والمقربين، وتقاضي المرتبات وعقد الصفقات من خلال العلاقات الدولية المتشابكة. حرب في أوروبا بين روسيا والدول الأوروبية وأمريكا، وأخرى في تايوان وبورما بين أمريكا والصين، والضحية مئات الآلاف من أهل تلك المناطق المنكوبة، وحرب في افريقيا تغذيها الدول الأوروبية وتقف الصين مع البعض وكأنها حرب أخرى بين الكتلة الغربية بزعامة الشيطان الأكبر، والشرق متمثلا في الصين وروسيا، وتلك الحروب المستمرة في وطننا العربي التي بدأت مع حرب الخليج الأولى في التسعينيات وانتهت بالربيع العربي، وحروب العراق وسوريا ولبنان واليمن وليبيا والسودان، وأخيرا غزة وفلسطين، جميعها حروب يدفع الأبرياء أرواحهم ودماءهم وحياتهم ثمنا لها، فهم ضحايا حرب كبرى وجريمة عظمى تخطط لها دول استعمارية وصراعات قوى لمن يملك مفاتيح جهنم، وهو ذاته من أسس تلك المنظمات الدولية، ليتحكم ويسيطر ويديرها وكأنها أدوار مقررة ومكتوبة، حيث هناك من يندد ومن يرفض ومن يساند ومن يدافع، وفي النهاية يكون القرار لصاحب السطوة والقوة، هكذا هي الحياة، فهل استطاعت الأمم المتحدة أو جامعة الدول العربية تنفيذ أي قرارات من تلك على أمريكا وإسرائيل؟ وهل جميع المنظمات الأممية من صحة وإغاثة وحقوق طفل وامرأة وحقوق إنسان أوقفت المجازر وحمت الصغار والنساء والأطباء والمستشفيات، ومنعت الفصل العنصري ووحشية الاحتلال على الأسرى في فلسطين، أو السودان، أو اليمن، أو ليبيا، أو العراق، أو سوريا؟
حضارة زائفة
انتهت الدكتورة عزة أحمد هيكل لتلك الحقيقة المرة: المنظمات الدولية فقدت فاعليتها وفقدت مصداقيتها، لأنها بلا أي قوة تستطيع أن تفرضها إلا على الضعيف، سواء عقوبات اقتصادية على روسيا أو إيران أو فصائل مقاومة أو الصين، أو حكومات غير موالية للاستعمار الغربي، أو عقوبات عسكرية وبوارج وطائرات وتهديد الاغتيال والقتل لقادة ورؤساء، بلطجة وإرهاب تحت مرأى ومسمع الجميع، فما زال من يتحكم في هذا العالم تلك الإمبراطوريات الغاشمة، وإذا كانت حركات التحرر التي انتصرت في ستينيات القرن الماضي ظاهريا تخلصت من الاستعمار، ومن وجود جيوش محتلة داخل أراضيها، إلا أن كل تلك الحركات التحررية لتلك الدول الافريقية والعربية، وحتى الآسيوية قد تحولت نحو استعمار آخر من قواعد أمريكية عسكرية، أو قواعد الناتو، أو وجود غربي عسكري تحت مسمى الدعم وحفظ السلام، إضافة إلى ذلك فجميع تلك الدول عليها أن تكون حليفا اقتصاديا وسياسيا وعسكريا لهذا الناتو الأمريكي الأوروبي، وأي توجه نحو الشرق، الصين أو روسيا أو إيران يعد خيانة وخروجا عن السيطرة يستوجب العقاب الاقتصادي، أو السياسي بافتعال الحروب الداخلية والانقلابات الأهلية.. لذا ليس لأي منظمة حقوقية مصداقية بعد اليوم، وليس لأي منظمة دولية وجود إلا على صفحات الجرائد وشاشات الفضائيات ومقرات فاخرة ومخصصات كبيرة وألقاب ومناصب فخمة.. متى يستفيق العالم والشعوب ويدرك السادة الحكام والملوك وأصحاب المعالي، أن القوة تنشئ الحق وتحميه وأن الشعوب المتعلمة التي تملك قوت يومها وتستطيع التحكم في اقتصادها، هي التي سوف تحمى أرضها وعرضها وحكامها، وأن كل تلك المنظمات الواهية ما هي إلا صورة باهتة من استعمار يغير ملابسه وأدواته ويضع المساحيق على وجهه القبيح، لكن الجوهر والمعنى والهدف واحد استعمار سياسي، اقتصادي، ثقافي، عسكري يدمر ويتحكم ويسيطر على شعوب خدعتها حضارته الزائفة.
يؤرق الجميع
هذا سؤال الآن وكل أوان، فمطالب الشعب، كما يقول جمال أسعد عبد الملاك في “المشهد”، مستمرة وتتحدد حسب الظروف المحيطة بالوطن سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، إلخ. والآن نحن بعد انتخابات رئاسية فاز فيها (رئيس الجمهورية الحالي والقادم)، كما أنه وهو الأهم، أن البلاد تمر بمنعطف خطير بمعنى الكلمة وليس مجازا، فبالنسبة للدورة الرئاسية الثالثة، فإن السيسي بالطبع يعلم المشاكل والقضايا والمطالب التي يحتاجها الشعب المصري، خاصة الغالبية الغالبة منه وهم الطبقة المتوسطة التي أصبحت فقيرة والطبقة الأكثر فقرا. وهذه المطالب تتلخص في المشكلة الاقتصادية (بكل مسمياتها الأكاديمية التي لا تعني المواطن)، كما أنه من المعروف دستوريا وواقعيا أن يكون المسؤول المباشر لحل قضايا الوطن والمواطن هو الحكومة، التي يختارها الرئيس ويوافق عليها ويعتمدها البرلمان، ولكن هنا وعلى أرض الواقع لا يعلم المواطن ولا يشاهد أمامه غير الحكومة المسؤولة مسؤولية مباشرة، تلك المسؤولية التي لا تسقط مسؤولية باقي الأطراف، خاصة أننا لم نشاهد استجوابا واحدا لأي وزير (لأن الحكاية أن زيتنا في دقيقنا). فالواقع أثبت أنه لا علاقة للحكومة بسياسة ولا اقتصاد فهي حكومة موظفين لا يجيدون حتى تنفيذ الأوامر، فهل نترك الأمر هنا لمثل هذه الحكومات عند التغيير الذي أصبح حتميا؟ أم نختار حكومة على أسس الكفاءة والكفاءة فقط؟ بعيدا عن التربيطات والعلاقات ولا على الاعتماد على التقارير الأمنية فقط، حيث كان هناك وزراء ومسؤولون تم القبض عليهم في مكاتبهم.
حالة فساد
أن ظروف الوطن والمواطن تحتم علينا وفق ما ينصح به جمال أسعد عبد الملاك، أن نجد الحلول التي تتوافق مع ظروفنا وواقعنا، بعيدا عن النظريات والإملاءات من تلك المؤسسات المالية الدولية، التي تنفذ أجندات دولية استعمارية وتسلطية في المقام الأول، فهل ما يسمى بحرية السوق تصلح لواقعنا المعاش في ظل مناخ الفساد المسيطر والمتجذر منذ عقود وعقود؟ في الوقت الذي تتدخل فيه أعتى الدول الرأسمالية؟ مثل التدخل أثناء المشكلة الاقتصادية عام 1930 وعام 2008 ومع انتشار كورونا، إلخ. هل لا تعلمون أن ارتفاع الأسعار لا يخضع لدينا لأي مؤثرات اقتصادية علمية، بقدر ما أنه حالة فساد واستغلال وتربح غير قانوني يحتاج إلى المواجهة الحقيقية بعيدا عن المسكنات التي تفاقم المشكلة؟ فأثر وتأثير المشكلة الاقتصادية على المواطن، انعكس بشكل مباشر على التعليم والصحة، إلخ. كما أن المواجهات والتحديات التي تحيط بالوطن من كل الاتجاهات، إضافة للمشكلة الاقتصادية فكلاهما يحتاجان إلى تضحيات. نعم.. كم ضحى هذا الشعب العظيم ومستعد أن يضحي، ولكن عندما يجد أن هناك من يستمع إلى صوته، إلى من يقدم له الخدمات مقابل رسوم وليس إتاوات (قصمت ظهره)، عندما يجد حرية التعبير عن الرأي لصالح الوطن والمواطن والنظام. عندما يجد تطبيق القانون على الجميع بلا استثناء.. عندما يجد الفرص متاحة وموجودة بعيدا عن الواسطة أو الرشوة التي أصبحت تجد لها من المبررات التي حولتها إلى شبه عمل قانوني، عندما يجد إعلاما يعطي الفرصة في التعبير عن الرأي والرأي الآخر. الوطن يا سادة هو وطن كل المصريين، ويحتاج إلى كل جهود المصريين، كما أن الوطن هو المعلم والباقي، الذي يحتاج إلى الكثير لكي يعطي هو الكثير والكثير. حمى الله مصر وشعبها العظيم.
للأسباب التالية
من المؤكد أن هناك تيارا واسعا في مصر والعالم العربي لا يزال لم يستوعب أسباب هذا الدعم الغربى اللامحدود لإسرائيل، ولم يفهم سر الدعم الأمريكي الذي يعطي لإسرائيل هذه الحصانة حتى أصبحت تقريبا كما يرى عمرو الشوبكي في “المصري اليوم”، الدولة الوحيدة في العالم التي من حقها أن تقتل وتدمر وتلقي في سلة المهملات كل قرارات الأمم المتحدة والشرعية الدولية، لأنها تعرف أنها فوق المحاسبة. هل يعقل أن تعتبر الإدارة الأمريكية الديمقراطية (التى يفترض أنها أكثر انفتاحا تجاه الحقوق الفلسطينية مقارنة بالجمهوريين وإدارة ترامب)، أن لإسرائيل بعد أن قتلت متعمدة 25 ألف فلسطيني بينهم 10 آلاف طفل لها حق الدفاع عن نفسها، واعتبار قتل المدنيين دفاعا عن النفس ومحاربة للإرهاب. يقينا هذا التأييد الغربي لإسرائيل له دوافع سياسية واستراتيجية على اعتبار أن الأخيرة هي صنيعة الاستعمار والحليف الدائم لأمريكا، والقادرة على تحقيق أهدافها بكل الوسائل مهما كان عنفها وبطشها، فهي حارس أمين للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط والقادرة على «تأديب» كل من يواجه السياسات الأمريكية. أمريكا تعتبر أن كل دول الشرق الأوسط عرفت تحولات وتغيرات في نظمها السياسية، وبعضها غيّر جذريا من شكل علاقاته بالولايات المتحدة، إلا إسرائيل التي ظلت على مدار أكثر من 75 عاما الحليف الوفي الملاصق للسياسات الأمريكية، والمنفذ لها، حتى لو اختلفت معها في بعض التفاصيل.
نظرة دونية
هناك أيضا جانب مهم لاسباب الدعم الغربي لدولة الكيان حرص عمرو الشبكي لتسليط الضوء عليه: اتضح مع العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، وهو يتعلق بالبعد الحضاري والثقافي، الذي قد يفسر طبيعة العين الغربية التي ترى في الجرائم الإسرائيلية دفاعا عن النفس، وفي دولة احتلال عدوانية دولة سلم وسلام في منطقة تحاربها. والحقيقة باتت جلية بعد أن شاهدت مختلف شعوب العالم بالصوت والصورة أن قادة الدول الديمقراطية الكبرى، خاصة أمريكا، يميزون بين المدنيين الفلسطينيين والإسرائيليين على أسس قومية ودينية وثقافية، وأن هناك ضحايا يُبكى عليهم وآخرون لا قيمة لهم. إن النظرة التمييزية تجاه أرواح البشر وصور الضحايا والانحياز بالقلب والعقل والكلمة لمن ماتوا من الإسرائيليين، وحين اضطر القادة الغربيون أن يتكلموا عن الضحايا الفلسطينيين، لم يبذلوا أي جهد لوقف عمليات القتل والتهجير بحقهم، كل ذلك فتح الباب أمام عودة التفسير الثقافي لأسباب هذا الانحياز، واعتبر البعد الثقافي أقرب لمخزون كامن في أوقات السلم، لكنه يخرج في أوقات الحرب ويحمل فيه كثير (وليس الكل) من أهل الغرب نظرة دونية تجاه من هم خارج الحضارة الغربية، ويعتبرون دماء الرجل الأبيض، سواء كان في إسرائيل أو أوروبا أو الولايات المتحدة، أكثر أهمية وأكثر قيمة من دماء أصحاب البشرة الملونة، وهو أمر يتجاوز مسألة الدعم العسكري أو التحالف السياسي والاستراتيجي بين الدول ليصل إلى نظرة تمييزية عميقة تجاه الشعوب الأخرى.
لا تنسوا القتلة
مشكلة تكاد تتحول لعادة لا ينجو منها إنسان، اذ تعد صفة بشرية ظلت مثار اهتمام سليمان جودة في “المصري اليوم” الذي حرص على صرف الأنظار إليها: الاعتياد في الحياة العامة يقتل الشغف بالأشياء، ويجعل الأمر يتحول من قضية كانت تستحوذ على اهتمام الناس إلى مسألة لا تكاد تستوقف أحدا.. وإذا استوقفتهم ففي أقل القليل هذا ما حدث ويحدث بالتدريج مع الحرب الإسرائيلية الوحشية على قطاع غزة، وهذا ما تلاحظه على سبيل المثال في أحاديث الأفراد عن احتفالات رأس السنة، وعما إذا كانت احتفالات كاملة ككل سنة، أم أنها ستقتصر على المظاهر الدينية وحدها؟ وحتى على الشاشات والصفحات الأولى من الجرائد، تستطيع أن تلاحظ الشيء نفسه، وتستطيع أن ترى أن أخبار الحرب تراجعت درجة وربما درجات عن الصدارة، وتستطيع أن ترى أن أخبارا أخرى تزحف لتحل محلها، رغم أن الحرب في القطاع لم تتوقف، ورغم أن المقتلة الإسرائيلية مستمرة بعنفها وجنونها، ورغم أن حصد أرواح الأطفال والنساء يمضي في طريقه مثل الأول وأكثر. ولا بد أن المتابع لأخبار الحرب عنده أعذاره، لأنه كان مأخوذا إليها بكل حواسه منذ بدأت في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، ولكن حواسه كلها، أرهقتها الحرب بما يكفي، وكان هذا طبيعيا لأن الحرب دامت شهرين كاملين، وكادت تطوي شهرها الثالث.
حروب فقدت متابعيها!
يذكرنا سليمان جودة بأن ما جرى مع الحرب على غزة تكرر من قبل مع الحرب الروسية على أوكرانيا.. فهي تكاد تدخل عامها الثالث، وهي تدور بوتيرتها الأولى وربما بوتيرة أعلى، ولكن المتابع لها فقد الشغف بها، ولم يعد اهتمامه بتفاصيلها، كما كان في بدايتها، وصار إذا صادفته أخبارها على الشاشة أو على صدر صحيفته المفضلة قفز فوقها إلى غيرها، ولم يكن حظ الحرب في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع بأفضل من حظ الحربين السابقتين، لأنها هي الأخرى تطحن السودانيين منذ اشتعلت في 15 أبريل/نيسان، ولكن جاءت الحرب على غزة فغطت فوقها، ثم جاء الاعتياد فغطى على الحروب الثلاث أو كاد.. تستطيع أن ترى هذا كله بالعين المجردة، رغم أن وقود الحروب الثلاث ليس سوى آحاد الناس، ومن السودان في جنوبنا إلى ليبيا على الغرب من حدودنا، ففيها حكومتان تتنازعان السلطة، وفيها تستقر إحدى الحكومتين في العاصمة طرابلس، غرب البلاد، برئاسة عبدالحميد الدبيبة، وتستقر الأخرى في الشرق برئاسة أسامة حماد.. وعندما تكلم الدبيبة في مؤتمر استضافته العاصمة قبل أيام، قال عبارة هي أغرب ما يمكن أن تسمعه من رئيس حكومة.. قال إن الله هو الذي جاء به على رأس الحكومة.. ولأنه قال هذا، ولأن ما قاله منشور في أكثر من وسيلة إعلامية، ولأنه لم يخرج عنه تكذيب أو حتى توضيح لمعنى العبارة وأبعادها، فالمتابع معذور، إذا فقد أي اهتمام بما يتم في بلد العقيد، الذي لا يزال أنصاره يبحثون عن مكان مقبرته في الصحراء الليبية، ولكن دون جدوى.
صراحة القاتل
بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي قال أكثر من مرة خلال الأيام الماضية إنه فخور أنه نجح في منع قيام الدولة الفلسطينية خلال الثلاثين سنة الماضية. وهو كما أكد عماد الدين حسين رئيس تحرير “الشروق” وقف متباهيا ليقول لشعبه: «لن أسمح بقيام هذه الدولة في أي منطقة أخرى في فلسطين». نتنياهو تحدث يوم الأحد الماضي خلال مؤتمر صحافي وقال نصا: «لن أسمح بأن تستبدل حماستان بفتحستان، واستبادل خان يونس بجنين والعودة إلى أوسلو، حتى لو كانت هذه رغبة أقوى حليف لإسرائيل وهو أمريكا، وسوف نستمر في هذه الحرب، سواء كان هناك دعم من أمريكا أو من دونه. نتنياهو قال إنه لا فرق بين فتح وحماس في الرغبة في القضاء على إسرائيل، هما يختلفان فقط في كيفية القيام بذلك. هو يقول أيضا إن اتفاق أوسلو خطأ فادح وقد ورثه ولم يكن له يد فيه. وردا على أحد الصحافيين قال له: أنت وزملاؤك تلومونني طوال 30 سنة على وضع العثرات والعراقيل أمام اتفاق أوسلو، وأنا فخور بمنعي قيام دولة فلسطينية، لأن الجميع اليوم يفهم كيف ستكون هذه الدولة، بعد أن رأينا نموذجا مصغرا لها في غزة». نتنياهو تعهد في المؤتمر الصحافي الذي عقده مع وزير دفاعه يؤاف غالانت والوزير في حكومة الحرب بيتى غانتس بأن قطاع غزة سيصبح بعد انتهاء الحرب منزوع السلاح، وأن الجيش الإسرائيلي سيكون مسؤولا عن الأمن هناك. إذن نتنياهو يتفاخر بأن أهم إنجازاته أنه منع قيام دولة فلسطينية، وللأمانة وحتى لا نظلمه فإنه لم يتظاهر يوما بأنه رجل سلام، ولم يتحدث عن قيام دولة فلسطينية مستقلة.
يتفاخر بالانتصار
السؤال الجوهري الذي يفترض أن نسأله وفق رأي عماد الدين حسين: إذا كان نتنياهو يفاخر بذلك، فما هو المبرر لإقامة علاقات معه. وحتى لا يكون هناك تجنٍ وظلم، فربما يكون السؤال الأكثر صحة هو: سوف نفترض أن نتنياهو كان مخادعا وغشاشا مع العرب، وأوهمهم بالسلام حتى يقيم معهم علاقات لمصلحة بلاده، وإن كل ما فعلته غالبية الدول العربية كان بهدف التأثير في الموقف الإسرائيلي لدفعه نحو السلام الشامل والعادل، وإقناع إسرائيل بأن من مصلحتها إقامة دولة فلسطينية مستقلة. لكن الآن نتنياهو يتفاخر بأنه نجح في منع قيام دولة فلسطينية، والأهم أنه سيعمل على منعها في المستقبل، سواء كانت باسم حماس في غزة أو فتح في الضفة.
نتنياهو وحكومته وغالبية الإسرائيليين يقولون إنهم يرفضون عودة السلطة الفلسطينية إلى غزة، بل أن بيني غانتس المصنف معتدلا رفض أن يرد على سؤال محدد هو: هل توافق على إقامة دولة فلسطينية في المستقبل، فكانت إجابته: دعونا ننتصر في الحرب أولا. لست متطرفا ولا حالما، ولا أطالب الحكومات العربية بإعلان الحرب على إسرائيل، أو حتى قطع العلاقات معها، بل أن تبدأ الدول العربية في استخدام ما لديها من أوراق للضغط على إسرائيل من أجل حل القضية الفلسطينية، وإجهاض المخطط الإسرائيلي بتصفية القضية الفلسطينية على حساب مصر والأردن وبقية الدول العربية. لا أطالب الحكومات العربية أيضا بأن تنتصر لحماس على أساس أن علاقات غالبية هذه الحكومات مع حماس ليست على ما يرام، ولكن على الأقل أن تنتصر الحكومات العربية للشعب الفلسطيني ليس من أجل مستقبل الشعب الفلسطيني فقط لأنه شعب شقيق، ولكن من أجل الأمن القومي لكل دولة وحكومة عربية على حدة. بالطبع قد تقول بعض الحكومات العربية، إنها تراهن على سقوط الحكومة الإسرائيلية المتطرفة في الانتخابات المقبلة، وبالتالي تأتى حكومة إسرائيلية معتدلة تقيم السلام مع الفلسطينيين والعرب. هذا كلام قد يبدو منطقيا، لكن السؤال: وما هي الضمانة التي تجعلنا نظن أن المشكلة في المجتمع الإسرائيلي نفسه الرافض للسلام.
في انتظار النتائج
أكد النائب أحمد عبدالجواد، نائب رئيس حزب مستقبل وطن وأمين تنظيم الحزب، أهمية الدور المصري في الوصول إلى هدنة إنسانية جديدة في قطاع غزة، في ظل حرص الدولة المصرية على حقن دماء الشعب الفلسطيني منذ اليوم الأول من العدوان الإسرائيلي على القطاع في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، موضحا أن القاهرة هي صاحبة الدور الرائد والحكيم في دعم الأشقاء الفلسطينيين وقضيتهم والضغط على المجتمع الدولي للاعتراف بهذه الحقوق، المتمثلة في إقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية. وأضاف، في بيان صحافي، اطلعت عليه “الشروق” أن الدور المصري تكلل مؤخرا في قرار مجلس الأمن بسرعة نفاذ المساعدات إلى قطاع غزة، في محاولة لدعم الشعب الفلسطيني الذي يتعرض لحصار يمارسه الاحتلال ضد أهلنا بالقطاع، لافتا إلى أن الدولة المصرية كانت أكثر دول العالم في تقديم المساعدات الإنسانية لأهالي القطاع، وفتحت معبر رفح لاستقبال الجرحى في المستشفيات المصرية، ولم تدخرا جهدا، سواء في ما يتعلق بالمساعدات أو الجهود الدبلوماسية في دعم القضية الفلسطينية. وأشار إلى أن الموقف المصري تجاه ما يحدث في غزة واضح منذ بداية العدوان الإسرائيلي، حيث قادت مصر الدعوات الرافضة للتهجير القسري للفلسطينيين، ونجحت في تغيير الموقف الدولي ضد المخطط الإسرائيلي، ورفضت بشكل قاطع محاولات الاحتلال بتصفية القضية الفلسطينية، ودعت لمحاكمة دولية لمرتكبي المجازر في قطاع غزة، ووضعت خريطة طريق شاملة وواضحة المعالم خلال مؤتمر القاهرة للسلام في أكتوبر/تشرين الأول الماضي يضمن حل القضية الفلسطينية والاستقرار للمنطقة. وأوضح أن الدولة المصرية تشهد الآن حالة اصطفاف وطني من جانب الشعب المصري خلف قيادته السياسية في دعم موقفها تجاه القضية الفلسطينية، واعتبار التهجير القسري خطا أحمر، وأصبح الشعب المصري على قلب رجل واحد في ظل ما تشهده المنطقة خلال الفترة الحالية من أزمات كبرى تستلزم تكاتف الجميع لرفض أي تهديد من شأنه المساس بالسيادة المصرية.
الجيل الجديد
خديجة التي يحدثنا عنها عصام كامل رئيس تحرير “فيتو”.. طفلة وصلت إلى مرفأ الحياة منذ سنوات أربع، تقف مع جدها عند بقال القرية، لتختار ما تشتهي نفسها البريئة، وتعلن عن رفضها لهذا المنتج وذاك أيضا، معللة -بلغة لا تحتمل التأتأة- إنها ترغب في أي منتج ليس إسرائيليا، قالتها كما كتبتها، هي ترفض أي حلاوة أو شيبسي إسرائيلي. خديجة لم تكن وحدها هي التي تقاوم منتجات طالما أغرت الأطفال بأغلفتها الجذابة وطعمها الأخاذ، فشقيقتها رودينا التي تكبرها بعامين تسير على الخط نفسه، وكل أقرانهما من السن نفسها وما يكبره يرفضون أي منتج إسرائيلي.. هكذا هي المقاطعة هذه المرة. تغيرت الدنيا، وبات واضحا أن الحرب هذه المرة على الهواء مباشرة، وأن مشاهد القتل ووأد الأطفال تحت الركام، ومناظر خروج الأطفال من تحت الأنقاض لم يعد سرا أو خافيا على خديجة ورودينا وغيرهما، هنا كانت الصورة والانطباع، بأن قاتلا شريرا اسمه إسرائيل يفعل كل ذلك في أولادنا. على جانب آخر، سألت إحدى العاملات في ستاربكس عن المقاطعة، فقالت بصوت حزين: إن الشركة بدأت الاستغناء عن عدد كبير من العاملين، وإن المبيعات تراجعت بأرقام مخيفة. لا شك في أن ضمير الإنسانية لم يعد سجين سردية الكيان الصهيوني، وأن الإعلام الاجتماعي قهر وسائل الإعلام العالمية التي سيطر عليها الكيان الصهيوني لعقود طويلة، وأن الناس لم تعد هي الناس نفسها، وأن عواصم أوروبية باتت أكثر وعيا بما يجري في الأرض المحتلة. أعود إلى خديجة ورودينا وأقرانهما وكل من يكبرهما سنا.. الأهم ليس اتخاذ قرار المقاطعة في هذه السن، وإنما القضية تتعدى ذلك بكثير، وتصبح أكثر خطورة إذا ما تصورنا كيف سيكون حال هذا الجيل في المستقبل.. لا شك في أن الصور المقبلة وبشكل حي من غزة لن تمحى من الذاكرة، وستصنع جيلا مختلفا، فتلك الصور ستبقى في وجدان هذه الأجيال ولن يمحوها الزمن.
أوقفوها
هناك ظاهرة غريبة انتشرت هذه الأيام وعلى مواقع النت التي تقدم تلاوة القرآن الكريم بأصوات قرائنا العظام محمد رفعت والحصري والمنشاوي وعبدالباسط وأبوالعينين ومصطفى إسماعيل والبنا والطبلاوي، وهي قراءات وصفها فاروق جويدة في “الأهرام” بأنها جميلة، لكن تقطعها الإعلانات السخيفة، وكلها إعلانات لا تتناسب مع قدسية القراءة والآيات، ومن حيث المبدأ، فإن قطع الآيات القرآنية بهذه الصورة الفجة فيه اعتداء على قدسية النص ومشاعر الناس، وفيه استخفاف بجزء عزيز من تراثنا الديني وقرآننا الكريم، الذي يعتبر من ثوابت ديننا، إن بعض هذه الإعلانات بصوت نسائي غريب لا يتناسب مع النص القرآني.. الهدف من هذه الإعلانات جمع المزيد من الأموال، ولكن ينبغي أن لا يكون ذلك على حساب المقدسات.. مثل هذه الإعلانات يمكن أن يأتي في سياق الأغاني، أو البرامج أو الحوارات، ولكن أن تقطع آيات القرآن الكريم فهذا خطأ كبير.. الإعلانات يمكن أن تكون في بداية القراءات أو نهايتها بشرط أن تكون مادة مناسبة كلاما وصوتا وموضوعا، بحيث لا تتسرب كلمات شاذة أو أصوات قبيحة.. إنني أرجو المسؤولين عن مواقع النت أن يراعوا مشاعر الناس وألا تصبح الإعلانات هدفا لجمع المال دون مراعاة لقدسية الأشياء ومشاعر الناس ومعتقداتهم.. الإعلانات مصدر من مصادر الدخل الضرورية، ولكن ينبغي أن تحكمها ضوابط أخلاقية في مجتمعات تحترم مقدساتها وعقائدها.. والمطلوب حذف الإعلانات التي تقطع الآيات القرآنية التي تفسد على الناس متعة جماليات القرآن وأداء قرائنا العظام.. لقد أصبحت الإعلانات مصدرا للإزعاج، خاصة أنها تتجاوز أحيانا وتتحول إلى فقرات ساذجة لا معنى لها: والمطلوب ضوابط حتى لا يصبح الإعلان عبئا ثقيلا على المشاهد.