ضيق أمريكي من الهجوم على كيري

حجم الخط
0

‘إن جوديت مارتن المعروفة بأنها ‘سيدة التهذيب’، هي ‘حنه بابلي امريكا’. إن مارتن في اعمدتها الصحفية التي تنشر في نحو من 200 صحيفة توصي قراءها على نحو عام بالتغاضي عن الاهانات لان ردهم عليها قد يكون غير مهذب. وكتبت تقول ذات مرة: ‘اذا اغلقت السبل جميعا يمكن آنذاك أن ترد ولكن بأدب ايضا’.
إن تغريدات التوبيخ من مستشارة الامن القومي سوزان رايس ردا على الهجمات في اسرائيل على وزير الخارجية جون كيري، هي شهادة على أنه بلغ السيل الزبى في البيت الابيض وفي وزارة الخارجية. وفي هذا الايقاع وقد أصبح تيار الاهانات من القدس يبدو مثل موجة عكرة، قد تتجاوز الردود الامريكية قريبا الآداب المعروفة بالاسم العام ‘إيتكيت’، وهي كلمة ربما ليست لها ترجمة بالعبرية.
لم تكد تهدأ النفوس للكلام القاسي الذي وجهه وزير الدفاع موشيه يعلون وقذف به كيري ‘المسيحاني الموسوس’ قبل اسبوعين، حتى جاء عضو الكنيست موتي يوغاف من الائتلاف الحكومة كما تذكرون ووصف وزير الخارجية الامريكي بأنه ‘معاد للسامية’؛ ولم يكد يوغاف يبين أنه لم يكن يقصد ذلك ‘بصورة شخصية’ حتى جاء الآن الهجوم المشترك من القيادة العليا الحاكمة في البلاد على ‘تهديدات’ كيري ‘الذي يمسك بمسدس موجه الى صدغنا’ ويعمل مثل ‘بوق للمقاطعة المعادية للسامية’.
ليست هذه اول مرة بالطبع يتلقى فيها رؤساء ووزراء خارجية امريكيون اهانات منا ولا سيما حينما تسخن مسيرة السلام. فمنذ أن وقف قادة غوش ايمونيم خارج فندق الملك داود في 1974 وصاحوا بهنري كيسنجر قائلين إنه ‘يهودي صغير’ والى أن عُرف الرئيس اوباما ‘فرعون معاد للسامية’ قبل تجميد الاستيطان في 2010، كان قادة اليمين قد اعتادوا على الدوام أن يردوا بشدة زائدة على من جاءوا ليسلبوا اسرائيل ارضها بحسب تصورهم.
ليس الفرق الآن في توالي الاهانات ولا في المستوى المهتاج من رئيس الوزراء فمن دونه بل في المشاعر القاسية التي تقف وراء الشتائم. فرئيس الوزراء نتنياهو يشعر بأن الادارة الامريكية قد عملت من وراء ظهره بالتفاوض في احراز اتفاق مرحلي ذري مع طهران، وطعنته بسكين في ظهره، وما زال العاملون في الادارة الى الآن غاضبين جدا من تجند الايباك والمؤسسة اليهودية المعلن الشامل بقيادة نتنياهو من وجهة نظرهم تأييدا لقانون العقوبات في مجلس الشيوخ الذي تم صده الى الآن وهدفه كله كما يرون جعل سياسة الرئيس تتعثر.
إن شدة الاشتعال هذه ليست مفصولة بالطبع عن الشعور بالريبة وعدم الود اللذين نشآ بين اوباما ونتنياهو منذ توليا منصبهما في 2009. قال لي في هذا الاسبوع مقرب من الادارة الامريكية إن البيت الابيض يرى أنه يوجد خط مستقيم يصل توبيخ نتنياهو المعلن غير العادي لاوباما في لقائهما في واشنطن في أيار 2011 يمر بتشجيع نتنياهو لميت رومني في صيف 2012 وينتهي الى الاحداث المشتعلة الاخيرة. واضاف ذلك المقرب مبتسما إنه مما يقال في فضل نتنياهو أنه يتبرأ على نحو عام من شتائمه حتى قبل أن ينهي التلفظ بها.
يعرف الامريكيون اللغة الفظة التي تميز احيانا الحوار السياسي في البلاد، بيد أنهم لا يتوقعون أن يوجه هذا الاسلوب اليهم ايضا ولا سيما أن كل همسة في القدس في عصر الاتصالات الحديث تحظى بكشف فوري وبصدى عالمي. صحيح أن اوباما وكيري ينالهما في امريكا ايضا اهانات شديدة من خصومهما الجمهوريين لكن اسرائيل لا يفترض أن تتكلم مثل السناتور تيد كروز أو المذيع راشلمبو على دولة ما زالت حليفتها الكبرى وربما الاخيرة في العالم. وهم في امريكا يسمون ذلك وقاحة.
إن حقيقة أن اسرائيل اخذت تقيم آخر الامر مطلبها التقليدي من العرب وتقول ‘نحو الخارج ما تقوله نحو الداخل’ وبنفس الاسلوب لا تؤثر في الامريكيين. فهم يفضلون أن يعيدوا اسرائيل الى حوار دبلوماسي مقبول بحسب كل قواعد التهذيب والآداب مع اعتماد القدماء منهم شيوخ واشنطن على الايام التي كان فيها آبا ايبان الفصيح المهذب يمثل وجه الدولة وحده.

هآرتس 5/2/2014

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية