في عددها الصادر الإثنين الماضي (22 آب/أغسطس) نشرت مجلة «لوبوان» الفرنسية (قريبة من اليمين المحافظ) مقالا للروائي المغربي، طاهر بن جلون، يصف العلاقات المغربية الفرنسية بأنها بلغت مرحلة الجمود.
من العنوان، يبدو كلام بن جلون، الذي يكتب دوريا في «لوبوان» عن العلاقات المغربية الفرنسية. غير أن المقال، الذي نُشر قبل 72 ساعة من زيارة رسمية للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الجزائر، يحتج على جهود ماكرون لتطبيع العلاقات مع الجزائر. بن جلون يستنتج، ويخشى، أن تطوير العلاقات الفرنسية مع الجزائر سيكون على حساب المغرب.
وصلنا إلى بكاء الضرائر وكيدهن!
لا أعرف لماذا قفزت إلى ذهني هذه الصورة الكاريكاتورية: رجل متزوج اثنتين، واحدة عنيدة ومشاكسة لا ترضى بأي شيء، والأخرى هادئة ومسالمة منذ البداية ترضى بالقليل. مهمة الزوج هنا، وهو يدرك أن لا غنى له عن الأولى بسبب عمق العلاقات والمصالح معها، أن يصلح وضعه معها أو يقلل شكواها. في الوقت ذاته سيكون عليه السهر على عدم خسارة الثانية التي يعرف أنه لا يحتاج إلى جهد استثنائي للحفاظ عليها.
إلى حد الآن علاقة ماكرون مع «الضرتين» متوازنة إلى حد معقول، خصوصا أنه زار المغرب ولم يُهمله أو يعمل على نقل العلاقات معه إلى مستوى منخفض.
العلاقات الفرنسية المغربية عميقة منذ استقلال المغرب، خالية في الغالب من أسباب التأزم الخطير عدا بعض المطبات العابرة والمتباعدة زمنيا. وقد نجحت دائما في تجاوز الأزمات الطارئة. حاليا هي ليست في المستوى الذي ألفناه مع رؤساء سابقين، خصوصا جاك شيراك، لكنها في العموم هادئة ومستقرة لا تتأثر بالمطبّات التي تعترض طريقها بين الفينة والأخرى (صدور كتاب معارض للقصر، تفتيش قائد كبير في المخابرات في مطار فرنسي.. ومواقف من هذا القبيل).
من هنا لا تحتاج هذه العلاقات إلى جهد كبير من أيٍّ من الطرفين لتطويرها. ولا يحق لأي من الطرفين أيضا أن يخشى تراجعها إلى مستوى أقل من المألوف.
في المقابل، تبدو مشاكل ماكرون وكل الرؤساء والمؤسسة الحاكمة في فرنسا مع الجزائر أخطر مقارنة بالمغرب وأعمق. (بغض النظر عن كون بعض هذه المشاكل مفتعلة في العاصمتين لحسابات سياسية داخلية، هي موجودة وكثيرا ما سمّمت علاقات البلدين).
يجب أن نضع هذا الفرق بين الحالتين في سياقه التاريخي والسياسي: بين الجزائر وفرنسا علاقات مشحونة ومثقلة بالعواطف بسبب ماضٍ من الفظاعات وأنهار من الدماء والدموع. وهو ليس حال المغرب مع فرنسا. في الجزائر منظومة حكم عنيدة ركبت هذا الماضي وجعلته الركن الأساسي والوحيد الذي ينظم علاقاتها مع فرنسا.
ماكرون ينتمي إلى جيل لا يرتبط مباشرة بالفترة الاستعمارية للجزائر منحه هامشا للخوض في التاريخ بتجرّد أكثر ودون عُقد أو خوف من الطرف المقابل وحتى من الواقع الفرنسي وتأثيره الانتخابي
في المقابل اختار المغرب منذ اليوم الأول لاستقلاله في 1956 أن يقيم علاقات مع فرنسا لا تنظر كثيرا إلى الوراء لأن فترة الحماية لم تكن مؤلمة ولم تؤذ كينونة المجتمع في العمق مثلما فعلت في الجزائر. وبينما فضّلت المنظومة الحاكمة في الجزائر ومَن يدورون في فلكها، منذ اليوم الأول للاستقلال، طريق العداء لفرنسا (ولو ظاهريا في كثير من الحالات) وما يرمز لها، اختار المغرب كسب ودّ السياسيين الفرنسيين ونُخب المجتمع الفرنسي المختلفة، مستعملا كل الطرق الممكنة، ونجح. داخل الجزائر، فرنسا مشكلة وموضوع جدل سياسي وثقافي وأيديولوجي لا ينتهي، ويوجد حتى «حزب فرنسا» وفق تعبير الأوساط المحافظة في وصفها للمثقفين والسياسيين المفرنسين. وداخل فرنسا تحضر الجزائر باستمرار في النقاشات الأيديولوجية والتاريخية. ليس في علمي أن المغرب يشهد الحالة ذاتها، ولا أن فرنسا تعيش نقاشات داخلية مشابهة عنوانها المغرب. الجزائر موضوع جدل انتخابي وسياسي في فرنسا، لكن المغرب غائب تماما في النقاشات الانتخابية الفرنسية.
يجب الاعتراف أيضا بأن في الجزائر هناك مغالاة في توظيف العلاقات مع فرنسا لحسابات داخلية تخص نظام الحكم وخططه. وإنْ وُجد هذا التوظيف في المغرب، فهو حتما ليس بالحدّة الموجودة في الجزائر.
مع هذه السلاسة التي تُميّز العلاقات المغربية الفرنسية وخلوها من أسباب الاشتعال، لا يصبح غريبا أن شيراك اقترب من أن يصبح كبير العائلة الملكية عندما توفي الراحل الحسن الثاني صيف 1999. وهذا ما لا يمكن أن يحدث مع الجزائر ولو بعد ألف عام. وليس غريبا أن خيرة المثقفين والفنانين ورجال الأعمال الفرنسيين استثمروا مدخراتهم الشخصية في المغرب واختاروه عن فرنسا وجهة لتقاعدهم واستجمامهم.
لكن فرنسا، ككل العالم، تتغيّر شيئا فشيئا والتغيير سيطال حتما علاقاتها مع مستعمراتها، خصوصا في شمال إفريقيا ومع «الضرتين» بالذات. أولى معالم هذا التغيير وصول ماكرون للرئاسة سنة 2017. كون ماكرون لا ينتمي إلى أيٍّ من الأحزاب والقوى السياسية الفرنسية التقليدية قلّص هامش الحركة الذي كان يتمتع به المغرب في فرنسا. وسيتأثر هذا الهامش أكثر بحقيقة أن ماكرون لا ينتمي إلى الجيل القديم من السياسيين الفرنسيين (والرؤساء) الذين يشدّهم حنين خاص إلى المغرب ويستثمرون فيه عاطفيا وماديا.
ينطبق هذا على الجزائر، لكن بشكل آخر. كون ماكرون ينتمي إلى جيل لا يرتبط مباشرة بالفترة الاستعمارية للجزائر منحه هامشا للخوض في التاريخ بتجرّد أكثر ودون عُقد أو خوف من الطرف المقابل وحتى من الواقع الفرنسي وتأثيره الانتخابي.
في المقابل، تملك «الضرتان» فرصة تقليص تبعيتهما لفرنسا لو أرادتا. التطورات الاستراتيجية الدولية المستمرة تشجع على ذلك، مثلما يشجع بروز قوى وفضاءات اقتصادية ناشئة على جعل فرنسا مجرد رقم آخر في الخارطة الدبلوماسية لكلٍّ من الجزائر والمغرب.
لكن قبل ذلك يجب أن نسأل: هل يريد الحكام في البلدين، ومعهم بن جلون وأمثاله، حقا الفكاك من فرنسا؟ أشك!
كاتب صحافي جزائري
احسنت الوصف .في ما يتعلق بالجزائر و المغرب ووضعهما مع فرنسا ط
هناك مصالح آنية و استحقاقات إنتخابية لمن يبني وجوده السياسي على التزامات و ليس العواطف فقلب الفتى ياابنة العم قلب كما يقول الشاعر
رجال الجزائر احرار وليسوا عبيد.
والمغاربة أسياد منذ 1200 سنة…
بعد السلام..اقول ان المقال يستحق الثناء واضيف ان فضاعات فرنسا في الجزائر لايحتمل وفضاعات اسبانيا وفرنسا في المغرب شمالا وجنوبا ليست اقل من حيث النوع والكم. والغريب في الامر هو هذا التسابق الذليل نحوهما وتلك فضاعة الفضاعات..شكرا لك على صوت قلمك..
1- موريس جوردو مونتاني: هو دبلوماسي فرنسي مخضرم وسفير سابق لدى الصين واليابان والمملكة المتحدة وألمانيا.
بغض النظر على طبيعة علاقات دول الجوار بفرنسا فإن روابط الصداقة والتنسيق بين الجزائر وفرنسا أقوى من أن تزعزعها مشاكسات عابرة، فرنسا هي ثاني أكبر مستثمر في الجزائر واللغة الفرنسية هي المعتمدة في الإدارة والأعمال منذ عقود، ويحصل 30 ألف طالب جزائري كل سنة على تأشيرة فرنسية لمتابعة دراسته العليا في جامعاتها كما أن 5 ملايين من حاملي الجنسية الفرنسية هم من أصول جزائرية، العلاقات الثنائية ستبقى صامدة وراسخة ولن تؤثر نوائب الدهر.
لعلمك أن المغرب لم يقبل محاولة الحماية الفرنسية ابتداءا من 1912، فبدأت القبائل المختلفة في كل ربوع المغرب تحارب هذا الامتداد الذي كان قبل به مكرها السلطان الذي لم تتعدى سلطاته بلاد الوطاء وعادة كان رمزا دينيا فقط.
«الضراير» كما تسميها هي بروبكندا النخبة الفرنسيية لاضهار ان لها نفس التاتير على المغرب و الجزائر. وهدا خطء كبير . و المغاربة يعرفون تاتير فرنسا و يسمونه ابتزاز
اما في الجزائر فنحن لا نفهم طبيعة العلاقة. فالزيارة الاخيرة لماكرون للجزائر لم تكن من اجل الغاز لان فرنسا تستعمل الطاقة النووية. ولم تكن من اجل الاقتصاد لانه لم نسمع حتى نوايا مشاريع اقتصادية. وليس من اجل الداكرة لانه موضوع للاستهلاك الداخلي. وليس لاقناع الجزائر عن الاصطفاف في صف روسيا و الصين ضد الاتحاد الاوروبي. ادن لمادا التقى 90 خبيرا فرنسيا في الدبلوماسية و الامن و السياسة مع نضراءهم الجزائرين?
مما جاء في تصريحات الضيف الكبير خلال زيارته الاخيرة للجزائر قوله: *في مسألة الذاكرة وكأننا مجبرون على الاختيار بين الفخر والاعتذار.. أنا اخترت الحقيقة والاعتراف.. أنا لست ابن حرب الجزائر ولا عائلتي…*. وعندما سئل عما إذا كانت تصريحاته في أيلول/سبتمبر الماضي التي أدت للأزمة مع الجزائر قد تم تجاوزها رد قائلا: “إنها قصة حب فيها جزء تراجيدي.. يجب أن نختلف ونغضب من أجل أن نتصالح”. بدون تعليق اترك للقراء الكرام استنباط ما وراء الكلمات من معاني جلية.
نحن نكن العداوة لفرنسا حتى في القبر