لقاء القمة الذي سيعقد في الدوحة يشبه “سيارة الإنقاذ” التي يتعلق بها ليس فقط إنقاذ المخطوفين، بل مصير كل الشرق الأوسط كله. إذا تم التوصل إلى انعطافة قبل وقف إطلاق النار في القطاع، فذلك سيعيد فتيل القنبلة الموجهة من قبل إيران وحزب الله، وربما أيضاً وكلاء آخرين لإيران، إلى مكانه، ووقف المواجهة على الحدود في الشمال، والبدء في حملة تحرير المخطوفين وعودة عشرات آلاف المخلين من الشمال إلى بيوتهم. ولكن هذا اللقاء يعتمد على معادلة فيها ثلاثة مجاهيل على الأقل، كل مجهول مبني مثل المترويوشكا الروسية، عائق داخل عائق، لغم داخل لغم، حتى لا يبقى أي هامش للتفاؤل.
ليس واضحاً مدى المرونة الذي أعطاه نتنياهو للوفد الإسرائيلي، هل ستكون حماس راضية من ذلك؛ هل ستوافق إيران وحزب الله على تبني وقف إطلاق النار مع حماس كذريعة للتنازل عن تصفية الحساب؛ ماذا يتوقع أن يحدث إذا كانت الإجابة سلبية عن كل هذه الأسئلة. سؤال آخر يتعلق بمشاركة وفد حماس في المفاوضات: في بداية الأسبوع، أعلنت حماس بأنها لن تشارك، وبعد ذلك نشرت بياناً قالت فيه إنها تنوي المشاركة، وأمس قال أحد أعضاء حماس بأنها لا تنوي المشاركة في المحادثات، إلى أن نسمع بأن الطرف الإسرائيلي ينوي الموافقة على طلباتنا. حماس تطلب من إسرائيل طرح خطة عمل لتنفيذ وقف إطلاق النار حسب الخطة التي تم الاتفاق عليها في 2 تموز الماضي.
إذا تم التوصل إلى الاتفاق، فسينتهي اللقاء في أفضل الحالات ببيان نوايا ملزم، وتحديد جدول زمني لمواصلة المفاوضات وتنفيذ خطة العمل. إزاء الجمود الطويل في المحادثات، الذي جبى خلال ذلك ثمناً باهظاً بحياة المخطوفين، فإن هذا غير قليل. هذا الناتج قد يعتبر إنجازاً كبيراً للدبلوماسية الأمريكية التي دمجت استعراضاً غير مسبوق للقوة العسكرية إلى جانب مكبس الضغوط السياسية. مع ذلك، من غير المؤكد أن يكون هذا كافياً لاستكمال العملية، بالأحرى في فترة زمنية قصيرة، وهو العامل الحاسم لجميع الأطراف ولا سيما بالنسبة للمخطوفين.
رغم أن لقاء القمة يستهدف تمهيد الطريق لإعادة المخطوفين، سيقف في المركز تهديد باندلاع حرب إقليمية، أعقب اغتيال فؤاد شكر وإسماعيل هنية. إيران تمسك بيدها رزمة من الأوراق، التي لم تكن في حوزتها منذ الثورة الإسلامية. بمساعدة إسرائيل، نجحت في ترجمة المواجهة المحلية، وهي المواجهة التي تجلس فيها على كرسي المشاهد لأشهر كثيرة، وتقوم بتفعيل وكلائها، إلى ذخر استراتيجي.
غير مطلوب من إيران حتى التهديد بالنووي، بل بحرب تقليدية فقط. ونتيجة لذلك، تمسك إسرائيل بمفتاح تحرير المخطوفين، أكثر من حماس كما يبدو. ليس الولايات المتحدة أو إسرائيل، بل إيران هي التي ستحسم إذا كانت الحرب في القطاع ستشعل كل المنطقة.
يبدو أن سوق الشائعات والرهانات في الشرق الأوسط وصلت إلى الذروة في الأسبوع الماضي. المقامرة الأكثر إثارة تتركز حول سؤال هل ستهاجم إيران إسرائيل، متى وبأي نطاق؟ الإسهام الأكثر إثارة لهذه السوق هبط في موقع صحيفة “الجريدة” الكويتية، الذي قدم أمس معلومات طازجة. الصحيفة التي يملكها الصحافي ورجل الأعمال محمد الصقر، نشرت بأنه في يوم الأحد الذي اجتمع فيه ممثلون عن حرس الثورة ووكلاء إيران في طهران، من بينهم الحوثيون والمليشيات الشيعية في العراق وحزب الله، طلب منهم حرس الثورة العمل بضبط النفس، عملياً، تأجيل الرد. يستند تقرير الصحيفة إلى مصدر رفيع في “قوة القدس” في حرس الثورة.
حسب قوله، تطور نقاش شديد في اللقاء شمل تبادل الإهانات بين ممثلي حرس الثورة و”الفروع” التي طلبت العمل “على الفور وبنطاق واسع ولفترة طويلة وبشكل يجعل الإسرائيليين ينزلون إلى الملاجئ لفترة طويلة كي يشعروا ببعض ما يشعر به سكان قطاع غزة”. ممثل حماس في اللقاء، الذي لم يتم ذكر اسمه، طلب أن تضع إيران على لوح الأهداف رأس رئيس الحكومة نتنياهو، كرد على اغتيال إسماعيل هنية. وقال أيضاً، حسب التقرير، إن “تصفية شخصيات إسرائيلية بمستوى أدنى مثل ضباط كبار أو علماء لن تؤثر على نتنياهو الذي سيواصل إشغال منصبه”. حسب التقرير، وصلت هذه الأقوال إلى درجة المواجهة التي أوضح فيها ممثل حرس الثورة للضيوف بأن “القرار بيد إيران وليس بأيديهم”.
بعض المشاركين في اللقاء قرروا المغادرة بذريعة أنهم جاءوا إلى إيران لتنسيق عملية الرد وليس تأجيلها. تخشى إيران الآن من أن تقرر هذه التنظيمات بشكل مستقل، بدون تنسيق عملياتها مع طهران. مثلاً، في الأسبوع الماضي، هاجمت المليشيات الشيعية في العراق القاعدة الأمريكية في عين الأسد في العراق. تقرير الصحيفة الكويتية بدا “استثنائياً”، لأنه لم ينشر في أي وسيلة للإعلام حتى الآن عن عقد لقاء كهذا، خلافاً للقاءات مشابهة تم عقدها، أحدها في أيار، بعد جنازة رئيس إيران السابق إبراهيم رئيسي، ولقاء آخر عقد في آذار.
في تقرير آخر نشر في نفس الموقع الأحد، كتب أن محادثات مباشرة تجري بين واشنطن وطهران، دون وسطاء. وكتب في التقرير أيضاً بأن إيران وافقت على “خط ساخن” مباشر مع واشنطن. وحسب هذا التقرير، طلبت الولايات المتحدة من إيران تأجيل ردها ضد إسرائيل لأسبوعين أو بضعة أسابيع لعدم المس بفرصة المفاوضات بين إسرائيل وحماس. ورغم عدم وجود تأكيد على هذا الطلب، فإن وفد إيران في الأمم المتحدة أعلن بأنه لا صلة بين وقف إطلاق النار في غزة وحق إيران في الرد على اغتيال هنية، وهي تأمل بأن لا يضر هذا الرد بفرصة المفاوضات.
وأشارت تقارير أخرى إلى أن إيران مترددة ليس فقط حول مسألة موعد الهجوم المناسب، بل أيضاً حول اختيار الأهداف الإسرائيلية التي سيتم ضربها. هل يجب العمل ضد تل أبيب والتجمعات السكانية، وفقاً لتعليمات الزعيم الروحي علي خامنئي، حسب التقارير؛ أم ضد أهداف نوعية مثل قادة كبار وشخصيات عامة وسفارات. حسب الإيرانيين الذين أجريت معهم المقابلات، من بينهم شخصيات رفيعة في حرس الثورة الإيراني وأعضاء في البرلمان وجهات في مجلس الأمن القومي الإيراني، فإن إيران لا تريد أن تقف مرة أخرى في وضع ينتهي فيه هجوم كبير بالصواريخ والمسيرات على إسرائيل بفشل ذريع كما حدث في نيسان. في المقابل، أي عملية “جراحية” لأهداف أو شخصيات، ستحتاج إلى إعداد طويل وجمع معلومات، وهو ما يؤجل تنفيذ العملية، وهكذا قد يبدد تأثير “الانتقام الفوري”.
شمل تقدير هذه الاعتبارات تأثيراً محتملاً لوقف إطلاق النار، إذا تم التوصل إليه. للوهلة الأولى، “التنازل” عن معاقبة إسرائيل لوقف الحرب في غزة، يبدو عملية رابحة لإيران. فهي لن تخاطر بوضع قواتها في امتحان فعلي في مواجهة عسكرية؛ وستوفر على نفسها رداً مضاداً لإسرائيل وأمريكا، الذي قد يضر باقتصادها، وربما بمشروعها النووي، وسيمنع هجوماً شاملاً على لبنان، وهكذا تحافظ على ذخرها الاستراتيجي الإقليمي. وما لا يقل عن كل ذلك أهمية هو أن إيران ستحظى بفرصة تشبيهها بالدولة العظمى، التي رغم أنها في الجانب المحق، لكنها وافقت على منع حرب إقليمية، وكل ذلك بدون أن تتنازل عن مكانتها كتهديد محتمل. ولكن الاعتبارات المنطقية لا تحل قضية الكرامة. الفتيل الذي أشعلته إسرائيل عندما اغتالت هنية، لا أحد يستطيع تقدير ثقله.
تسفي برئيل
هآرتس 15/8/2024