طوبونيمية قرى وبلدات سلسلة جبال رندة

حجم الخط
0

تقديم: محمد عبد المومنالطبوبونيميا مجال معرفي صعب ومعقد، يتطلب تضافر جهود باحثين من تخصصات متنوعة، كما جاء في مقدمة الكتاب الذي أقدمه والمعنون ب: ‘طوبونيمية قرى وبلدات سلسلة جبال رندة’، فللتوصل للأصول اللغوية التي اشتقت منها أسماء الأماكن، والتطور الذي طرأ عليها بمرور الزمن، لابد من الإلمام الجيد بلغة وتاريخ المنطقة المدروسة.ولهذا وجدنا أن مؤلفي هذا الكتاب ينتميان إلى حقلين معرفيين يبدوان للوهلة الأولى متباعدين، ولا علاقة تجمعهما، فبرخيليو مارتينيز إينامورادو مؤرخ يهتم أساسا بتاريخ الغرب الإسلامي، وخصوصا بالتاريخ الأندلسي، لذلك فهو متمكن من تاريخ المسلمين في الأندلس وبالتحولات التاريخية التي عرفها الجنوب الإسباني. أما خوان أنطونيو شاباريا بارغاش فهو متخصص في اللغتين اللاتينية والإسبانية. ولهذا فنحن نستطيع الجزم بأن هذا الجهد المشترك بين باحثين متميزين، قد أعطانا كتابا متميزا، يستند على منهجية علمية رصينة وعلى جملة من المصادر التاريخية المتنوعة، ويفتح الباب أمام اجتهادات وتأويلات جديدة للوقائع التاريخ الأندلسي، وخصوصا لطبيعة الاستقرار البشري بجنوب شبه الجزيرة الإيبيرية إبان عهودها الإسلامية.تحيط بمدينة مالقة الواقعة في الجنوب الإسباني سلسلة جبلية تعرف باسم جبال رندة Serrania de Ronda ، كما تعرف بعض أجزائها باسم الجبل الأحمر Sierra Bermeja، وقد لعبت هذه المنطقة أدوارا أساسية في تاريخ الأندلس، ومن الأحداث المهمة التي شهدتها ثورة عمر بن حفصون (توفي 917 ه) الذي تمكن من إقامة دولة عمرت حوالى خمسين سنة، وأزعجت السلطة الحاكمة في قرطبة. كما كانت المنطقة مسرحا للموجهات بين المرينيين والنصريين من جهة، والقشتاليين والبرتغاليين من جهة ثانية. ولن يفوت الزائر للمنطقة أن يلاحظ أهمية المنطقة لكثرة أبراجها وقلاعها ومواقعها الأثرية في المنطقة، وحسب ما صرح بيرخيليو مارتينيز إينامورا، فسبب تركيزه على تاريخ المنطقة وتراثها هو خوفه من ضياع معالمها العمرانية، بسبب زحف الإسمنت المسلح خصوصا أنها من أهم المناطق السياحية في إسبانيا.صدر هذا العمل عن دار إيديطوريال لا سيرانيا (مالقة)، أواخر سنة 2011. وهو يقع في 303 صفحة من القطع المتوسط، ويضم بالإضافة إلى المقدمة، ولائحة المصادر وعدد من الملاحق، فصلين أولهما قصير ومركز في حين أن ثانيهما طويل وكثير التفاصيل.عمل الباحثان في الفصل الأول، والمعنون ب: الأصول اللغوية لأسماء البلدات والقرى الواقعة في سلسلة جبال رندة’، على تصنيف أسماء القرى والبلدات والتجمعات السكنية الواقعة بجبال رندة سواء الباقية منها أو المندثرة، وتتبعا الأصول اللغوية المختلفة التي اشتقت. وقد خلصا إلى أنها من أصول متنوعة، فمنها الروماني، والرومنسي، واللاتيني، والأمازيغي، والعربي، مع غلبة الأسماء العربية، وذلك بسبب الموجات البشرية التي مرت بالمنطقة، والاختلاط البشري الذي عرفته المنطقة خصوصا خلال العصور الوسطى. لقد حلل الباحثان بعمق قل نظيره أسماء الأماكن في جبال رندة، لكنهما اكتفيا للأسف ب 22 اسما فقط، في حين أن الكثير من الأسماء الجغرافية لم تشملها الدراسة بسبب الضرورة المنهجية. وأظن أن من شأن توسيع البحث أن يكشف عن جوانب جديدة مظلمة في التاريخ الأندلسي، خصوصا ما تعلق منها بالاستقرار البشري في المنطقة خلال عصر الإمارة الأموية (إمارة بن حفصون)، وخلال العصر الوسيط المـتأخر (عصر بني نصر).أما الفصل الثاني، والمعنون ب: ‘أسماء القرى وبلدات جبال رندة ‘، فقد خصصه الباحثان لأسماء قرى وبلدات جبال رندة، – أشرنا سابقا فقد اكتفيا فقط بأسماء 22 قرية وبلدة – وذلك عن طريق تخصيص مبحث مستقل لكل اسم، يتضمن الخريطة توضح الموقع الجغرافي، وصور للآثار والمعالم التاريخية وخصوصا بالنسبة للقرى والبلدات المندثرة حاليا.وقد حاول الباحثان تتبع التطورات التي عرفتها أسماء تلك القرى والبلدات عبر التاريخ، بالرجوع إلى مصادر عربية وقشتالية متنوعة، مع إعطاء لمحة موجزة عن تاريخ كل قرية أو بلدة، كما توقفا عن الموجات البشرية التي عرفتها المناطق المدروسة، والخصائص الجغرافية والجيولوجية التي قد تكون قد ساهمت بشكل أو بآخر في صياغة الإسم الجغرافي.ويختم الكتاب بعدد من الفهارس، منها فهرس للأعلام، وآخر للأماكن، وفهرس خاص بالمصادر المعتمدة، وهي إضافة تحسب للعمل حيث تسهل الوصول إلى أسماء الأعلام سواء منها البشرية أو الجغرافية.إن هذه الدراسة المتميزة تشكل إضافة نوعية لحقل الدراسات الأندلسية، حيث أنها تدفع الباحث إلى طرح العديد من التساؤلات عن علاقة جنوب اسبانيا بشمال المغرب خلال العصر الوسيط المتأخر، وعن التنقلات السكان بين الضفتين وعن التأثير المتبادل بين المغرب والأندلس خلال نفس الحقبة. وهي دراسة تفتح الباب أمام مزيد من البحث في أسماء الأماكن خصوصا في المغرب لأسباب عديدة، منها توجه عدد من الباحثين المغاربة نحو حقل الدراسات الطوبونيمية خلال السنوات القليلة الماضية، والتي عرفت صدور عدد من الأبحاث التي ركزت أساسا على منهج البحث الطوبونيمي، وعلى أسماء المواقع المغربية وعلاقتها باللغتين العربية والأمازيغية.كأي جهد علمي رصين ومجدد، فإن أراء الباحثين قد تختلف مع رأي المؤلفين خصوصا ما تعلق منها بجذور بعض الأعلام الجغرافية، وبعض التأويلات التي قد تبدو للباحث الناطق بالعربية بعيدة عن الصواب، أو متضاربة مع مصادر عربية أخرى، لكن رغم كل هذا يظل كتاب: ‘طوبونيمية قرى وبلدات سلسلة جبال رندة’ عملا متميزا ورائدا وجديرا بالقراءة، ولعل ما يميزه هو الإهداء، والتضامن الذي أبداه مؤلفا الكتاب في مقدمة الكتاب مع أهلنا المحاصرين في غزة.’ باحث من المغربqad

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية