إسطنبول- صهيب قلالوة: للمرة الأولى منذ عام 2014، ظهر زعيم تنظيم “الدولة الاسلامية”(داعش)، أبو بكر البغدادي، في تسجيل مصور، مساء الإثنين الماضي.
وهو ظهور رأى باحثان في حديثين، أنه ينذر بموجة دموية جديدة في المنطقة، ربما تركز على تركيا، ويكشف عن مخططات قوى دولية وقوى الثورة المضادة، التي تستتر خلف التنظيم لتحقيق أطماعها.
بشكل مفاجىء وسريع، اجتاح مسلحو “داعش” مناطق واسعة من أراضي الجارتين العراق وسوريا، صيف 2014.
في ذلك العام، أعلن البغدادي قيام “داعش”، واجتذب تنظيمه مقاتلين من أكثر من مئة دولة، وامتلك أسلحة متقدمة تشبه كثيرا الجيوش النظامية.
لكن التنظيم فشل في إدارة المناطق التي سيطر عليها، وفي التعامل مع المجتمعات المحلية، حيث حاول فرض تطبيق الشريعة الإسلامية برؤيته المتشددة.
وخلال قتال استمر أكثر من ثلاث سنوات، خسر “داعش” تلك الأراضي، تحت وطأة عمليات عسكرية مناهضة، دعمها تحالف دولي، تقوده الولايات المتحدة.
وأعلن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب في 23 مارس/آذار الماضي، تحرير كافة الأراضي التي كان يسيطر عليها التنظيم في العراق وسوريا.
ومنذ هزيمة “داعش” تفرق من تبقى من مقاتليه، وعادوا إلى أسلوب “حرب الشوارع”، واختفى البغدادي تماما عن الأنظار.
منذ هزيمة “داعش” تفرق من تبقى من مقاتليه، وعادوا إلى أسلوب “حرب الشوارع”، واختفى البغدادي تماما عن الأنظار.
وبينما تتصاعد أحاديث عن قرب الوصول إلى مخبئه، ظهر البغدادي في تسجيل مصور لم تتجاوز مدته 18 دقيقة.
تحدث البغدادي في التسجيل عن المعارك التي خاضها أتباعه في العراق وسوريا، وانتقام التنظيم للهجوم الدموي على المسجدين في نيوزيلندا، عبر تفجير كنائس وفنادق في سريلانكا.
واستهدف إرهابي أسترالي مسجدي النور ولينوود في كرايستشيرش النيوزيلندية؛ في 15 مارس/ آذار الماضي؛ ما أسفر عن مقتل 52 مصليا وإصابة 50 آخرين.
وفي 21 أبريل/ نيسان الماضي استهدفت 8 هجمات كنائس وفنادق في سريلانكا، بالتزامن مع احتفال المسيحيين بـ”عيد الفصح”؛ ما أسقط 253 قتيلا، بينهم أجانب، وأكثر من 500 جريح.
استهداف تركيا
قال الباحث محمد الشنقيطي، إن “البغدادي اختفى عن الأنظار بضع سنين، بعد أن أسهم في تدمير عدد من حواضر الإسلام الكبرى بفكره المنحرف ومسالكه الهمجية البعيدة عن منطوق الشرع ومنطق العقل”.
وأضاف الشنقيطي أن “التنظيم مزق صف أهل السنة بأيديولوجيته التكفيرية الظلامية، واستنزف الشعوب باستهداف طلائعها العسكرية والسياسية، ووفر ذرائع لكل عدو طامع لينهش جسد الأمة الإسلامية المثخنة بالجراح”.
وأردف: “الخليفة المزعوم (البغدادي) خرج من سردابه من جديد، ليواصل مهمة التمزيق والتفريق والهمجية، ويبدو أن خروجه سيكون بداية مصاعب جديدة لشعوب المنطقة وقواها الحرة”.
وتابع: “البغدادي في ظهوره الجديد كان يمسك بيده كتيبا مكتوبا عليه ولاية تركيا، ما يعني أن المستفيدين منه ومن عصابته ربما يوجهونهم من الآن للتركيز على تركيا”.
وحذر من أن ذلك التركيز يستهدف “إيجاد حالة أمنية مزعجة في تركيا، تحقيقا لما تسعى إليه قوى دولية طامعة وقوى الثورة المضادة من إضعاف تركيا، ومنعها من التحول إلى دولة محورية في العالم الإسلامي، وقاعدة لإعادة انبعاث الحضارة الإسلامية”.
وشدد على أن “الخلافة الوهمية التي يقودها البغدادي فقدت السيطرة على الأرض، لكن عصابته لا تزال تملك وسائل كثيرة مؤذية”.
وزاد بقوله: “بناء على تاريخ تلك العصابة، فالغالب أن أذاها يكون موجها ضد الشعوب والدول المسلمة”.
الدول المستفيدة
فيما رأى أيمن خالد، أستاذ القانون الدولي، أن “ظهور البغدادي جاء ضمن سياسة مدروسة للجهات التي انتجت هذا النموذج، على قاعدة إيجاد العدو المفترض، بل العدو المطلوب وجوده لخلق ذرائع لإدامة حالة الصراع ومواصلة الاستنزاف”.
وأضاف خالد: “عادة ما تستفيد الدول الكبرى والإمبراطوريات من حالات الاضطرابات والقلق في المجتمعات غير القادرة على تأمين الحماية الكافية لدولها، ما يدفع بالدول الكبرى القادرة على الامتداد الاستراتيجي إلى صناعة وتغذية التنظيمات الإرهابية وإعادة إنتائجها كلما احتاج الأمر”.
وتابع: “نعتقد بوجود ترتيبات دولية على الأراضي التي تشهد صراعات متعددة الأطراف وغامضة وممتنعة عن التوصيف الدقيق، مثل سوريا والعراق وليبيا واليمن، مما يجعل دولا كبرى، مثل الولايات المتحدة، ودولا أوروبية، هي المستفيد الأكبر من نشاط تلك الجماعات، على نموذج داعش، مما يؤدي إلى الاضطرار لقبول وطلب تدخلات دولية طلبا للحماية من الإرهاب”.
وأردف: “يؤيد هذا ما ورد مثلا في بند من بنود اتفاقية مغادرة القوات الأمريكية للعراق، حيث تم النص على حق عودة تلك القوات إذا تعرض العراق لتهديد إرهابي”.
وأضاف: “وفعلا بعد أن خرجت القوات الأمريكية من العراق عام 2011، عادت بموجب بند الحماية من الإرهاب”.
ورأى أن “تلويح البغدادي بملفات بعض الدول يؤكد أن ثمة جملة أحداث متوقعة أو على الأقل رسائل قلق لدول المنطقة بموجة إرهابية جديدة”.
وتابع: “الغرض هنا هو تحميل داعش مسبقا مسؤولية انهيارات أمنية ربما تشترك فيها دول كبرى تتمترس خلف هذا التنظيم الإرهابي، أو ليضفي حجة لإدامة الاستنفار الدولي لتحقيق مشاريع مشبوهة، تحت لافتة سياسة ملء الفراغ الأمني الناتج عن أعمال إرهابية مخططة”.
وشدد خالد على “وجود إشكالية تتمثل بطبيعة اللعبة الدولية التي تحاول غض النظر عن ذلك التنظيم الخطير، بل وترك قياداته تعيد تشكيل نفسها وقواعدها كلما اقتربت من الانهيار”.
وحذر من “أن يكون ظهور البغدادي إيذانا بنهاية نموذج وولادة آخر؛ فلعبة خلق العدو أو إعادة إنتاجه في شكل آخر ستجد مكانا لها حتى يتم حسم جميع الملفات المفتوحة والمستعصية على الحسم”.(الأناضول)