ظواهر سياسية جديدة مقلقة

شيئاً فشيئاً تتكون وتترسخ ظواهر سلوكية مقلقة في الحياة السياسية العربية، سواء على مستوى القطر، أو على مستوى الوطن العربي كله، حتى لو أن بعضها كان موجوداً في الماضي إلا أنه يكبر ويقوى ويلبس ثياب الحداثة في الحاضر، بحيث أن انعكاساته السلبية ستهدد العمل السياسي العربي المستقبلي.
*الظاهرة الأولى تتمثل في اختصار كل ما يحدث في شخص واحد، وليس في مؤسسة ينتمي إليها ذلك الشخص. وأصبح لا يشار إلا إلى شخص واحد، يوصف بالعبقرية والشجاعة وبعد النظر، وأنه وحده المحرك لكل التغيرات، وأنه لولاه لضاعت المجتمعات. وقد دخل ذلك النفاق في رؤوس بعض هؤلاء، وأصبحوا يتصرفون باستحواذ تام على كل القرارات، بعيدا عن أي مؤسسة معنية موجودة، أو أي جهة استشارية موضوعية صادقة. لقد اعتقدنا وأملنا أن عهد الزعيم القائد الأوحد قد ولّى، وإذا بنا نعود إليه، لا كظاهرة معزولة في هذا البلد أو ذاك، وإنما كوباء ينتشر في أرض العرب. ولا حاجة للقول إن ذلك سيمثل عائقاً مفصلياً أمام الانتقال إلى ديمقراطية المؤسسات والقوانين واستفتاءات الرأي العام.
*الظاهرة الثانية هي في الغياب التام لتأثيرات، أو اشتراك المؤسسات العربية الإسلامية المشتركة في كل ما يجري من أحداث. يسمع الإنسان كل صباح عن قرارات مصيرية كبرى تمس ثوابت الأمة، تأخذها هذه الحكومة العربية أو تلك، أو عن خلافات وصراعات وتجاذبات، بين حكومة هذا القطر العربي أو ذاك، فيسأل نفسه: هل نوقش ذلك القرار أو ذلك الخلاف في الجامعة العربية، أو في مجلس التعاون الخليجي، أو في مجلس الاتحاد المغاربي، أو في منظمة التعاون الإسلامي، أو حتى في اجتماع ثنائي قبل أن ينفجر في وجوه الجميع؟ ويكون الجواب في كل مرة: كلا. ذلك أن تلك المؤسسات أصبحت مسارح للتفرج على مسرحيات المآسي، أو الكوميديا، من دون إبداء رأي مفيد، أو اتخاذ خطوات تصحيحية لأي مسار تسير فيه الدول الأعضاء بلا تشاور مع أحد، ولا مناقشة في مؤسسة مشتركة. وأصبحنا لا نسمع إلا عن قرار تتخذه الدولة القطرية، تتبعه فزعة من دولتين أو ثلاث دول، وينتهي الأمر هنا ليصبح بعد حين كارثة قومية أخرى.

اعتقدنا أن عهد الزعيم القائد الأوحد قد ولّى، وإذا بنا نعود إليه، لا كظاهرة معزولة في هذا البلد أو ذاك، وإنما كوباء ينتشر في أرض العرب

*الظاهرة الثالثة تتعلق بجنون التواصل الاجتماعي كلما حدث ما سبق ذكره. فجأة تجند شبكات التواصل الاجتماعي من قبل فرق تابعة للاستخبارات لكي تكيل الشتائم، لا على الحكومات المعنية، وإنما على شعوب الدول المتصارعة. وشيئاً فشيئاً يهيأ الجو لتدمير أحلام الأمة الواحدة، أو الوطن الواحد، أو حتى المصالح القومية المشتركة. ويزيد الطين بلة دخول بعض الكتبة المنافقين، الذين يقحمون أنفسهم في كل خلاف، من أجل الحصول على مال أو مركز أو وجاهة اجتماعية، أو مكانة إعلامية. وتدفع الشعوب وآمال الأمة الثمن، بعد أن ينقلب الخلاف بين حكومتين عربيتين إلى خلاف بين شعبين، هما في الواقع من يدفع الثمن في معيشتهم وأمنهم وإمكانية نهوضهم.
*أما الظاهرة الرابعة، وباختصار شديد، فإنها ظاهرة نأي مؤسسات المجتمع المدني العربية السياسية بنفسها عن كل ما يجري. إنها دائماً مشدوهة وعاجزة ومستسلمة، فلا هي تختفي ليأتي غيرها، ولا هي تفعل شيئاً لينضم أحد لها. وكل ما تفعله هو إصدار بيانات مضحكة عن أفكار ومواقف مضحكة.
*الظاهرة الخامسة هي موضوع الساعة، وما لم تصلح أمورها وتصبح فاعلة في الحياة السياسية المحلية والقومية فاننا سنشهد مزيداً من الظواهر المفجعة في الحياة العربية السياسية، ولن يسلم أحد من الغرق في يم هذا الوطن العربي المعذب.
كاتب بحريني

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول نزار ريان الجزائري:

    لا أعلم لماذا تحاشيت عن تتكلم عن الظاهرة السادسة المتمثلة في هرولة بعض الأنظمة الى التطبيع مع اسرائيل المحتلة كأنهم كانوا في خصام معها؟؟؟؟

إشترك في قائمتنا البريدية