نواكشوط ـ «القدس العربي»: يعيش الإنسان أي إنسان، مراحل حياته المحسوبة بالثواني والدقائق، ممسكا بجذوة الأمل كلما انسحب عام من عمره وظهرت تباشير عام جديد منه إن كان العام من عمره بالفعل. ولولا هذه الجذوة التي تملأ النفوس، لانهزم الإنسان من أول يوم، ولغادر معترك حياة، تتعاقب فيها المسرات والأقدار، بقوى وتفاعلات الأقدار، تعاقب الليل والنهار.
كلنا يعيش أوهام هذه اليوتوبيا، أو تلك الجنة، التي يسعد أو يفترض أن يسعد فيها الجميع.
في نهاية كل عام يلقي الأهالي عند منتصف الليل بالأواني الزجاجية الفارغة، ومنهم من يلقي الأمتعة القديمة من النوافذ؛ والكل يعتقد أن في ذلك استجلاب لبروج السعد وطردا لبروج النحس في العام الجديد، وبأنه قطع للحظوظ السيئة التي كانت قد كشرت عن أنيابها في العام المنسحب.
وتتنافس الشعوب والمجتمعات، كلٌ حسب تقاليده وأعرافه: فمن توزيع القطع النقدية على الأطفال، إلى إطفاء الضوء وإعادة إنارته، إلى دفن الأمنيات في مكونات حلوى «البودنيغ» ومزج طحينها باتجاه عقارب الساعة، وإلى استخارة الألمان عبر قراءة كف تماثيل الرصاص المذابة بلهيب الشمع، وإلى أطباق العدس الإيطالية الجالبة للرخاء المالي.
ومن طرد الأرواح الشريرة بالضوضاء والأصوات الصاخبة في فرنسا، إلى عادات أكل الإسبان لاثنتي عشرة حبة عنب منتصف الليل، ومن تصفية الديون وإعادة القروض في اليابان، إلى غسل الكولومبيين أجسادهم بماء الورد جلبا للسعادة.
عبر كل هذا يتعامل الإنسان مع المجهول الذي ينتظره ساعيا للانتصار على آلة الزمن، وللتحكم المستحيل في دوران حياة تهزها الأقدار في بحر صاخب موَار.
إنها رحلة الإنسان السيزيفية التي يحياها مكافحا، مقاوما لمظاهر الظلم والفقر، باحثا عن سعادة صعب تحقيقها، وفارا من شقاء لا مناص منه، فالحياة لن تخلو من العقبات، وهو ما يستلزم واقعية وفهما لهذه العقبات فبذلك قد تنتصر الإرادة.
ولعل لرحلة الإنسان بين سنوات العمر، صلة بما يسمى إمكانية السفر عبر الزمن، فالكثيرون يودون لو سافروا عبر الزمن القادم ليكتشفوا ما ينتظرهم من أحداث.
قد أثبت القرآن الكريم بإمكانية السّفر عبر الزمن ولو أن الأمر تم بدون استعمال آلة السفر عبر الزمن.
وقد تحدث القرآن عن رحلة أصحاب الكهف وكلبهم الذين نامو لمدة 309 سنة بالتمام والكمال، ليستيقظوا في زمن غير زمنهم، وكأنهم سافروا إلى مستقبلهم أو حاضرهم.
فمن منا لا يتمنى الحصول على إمكانيّة أو فرصة لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء وربما إصلاح ما فعلناه وما نأسف عليه في الماضي، أو ببساطة ركوب آلة الزمن والسفر إلى المستقبل لمعرفة ما ستحمله السنوات القادمة؟
قبل كل ذلك ومعه وبعده فلن ينسى العالم أن سنة 2022 وإن كانت سنة الشفاء النسبي من وباء الكوفيد 19 فإنها كانت سنة قاتمة بما شهدته من حرب في أوكرانيا، أزكم دخانها الأنوف، وانعكست على سلاسل غذاء الناس وعلى طاقتهم، بل وجعلت البشرية على شفا حرب نووية.
فهل سيكون العام الجديد 2023 عام سلام ووفاق واستقرار: عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون ؟